بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

التقرير السياسي الذي اقره المؤتمر القطري الاستثنائي

عرض للأزمة والحل المطلوب

شبكة البصرة

يتسائل الرفاق عن بداية وسبب أزمة الحزب ويظن البعض أنها ابتدأت بعد رحيل الرفيق الأمين العام للحزب، عزة إبراهيم، رحمه الله، ولكن هذا غير صحيح، فقد كانت لها مقدماتها الطويلة والتي يمكن القول بأن خطوتها العلنية بدأت في عام 2017، عندما بدأت جماعة السيد علي الريح السنهوري بالتهجم على قادة في الحزب علناً وفي الانترنيت، ولكن رحيل الأمين العام عزة إبراهيم كان مناسبة لتفجير ضخم للأزمة، وتمثل ذلك في تدخل السنهوري بعد أن خلا له الجو في شؤون قياده قطر العراق، وأخذ يفرض ما يريد من قرارات دون أي مراعاة لرأي قيادة القطر ولا للنظام الداخلي للحزب، وكان أول القرارات عزل الرفيق "عكله الكبيسي" الذي كان نائباً لأمين سر القطر، ثم أصبح أميناً لسر القطر بعد رحيل الأمين العام بصورة تلقائية تنفيذاً لنصوص النظام الداخلي للحزب، وكان قرار العزل ناتجاً عن ممارسة الرفيق عكلة لدوره كأمين سر قطر وكالة، وهو ما يفشل مخطط السنهوري الذي كان يُعد السيد صبار المشهداني ليكون أميناً لسر القطر في حالة رحيل الرفيق الأمين العام، والورقة التي عممها المرحوم "عبد الصمد الغريري" على قيادة القطر والتي يطلب فيها تلقي التعليمات من صبار المشهداني حصراً وليس من أمين السر وكالة "أبو عمر" هي الدليل المادي على ذلك، وكان رفض تولي الرفيق عكلة المسؤولية ناتج عن انه ليس من تكتل السنهوري، ولهذا وبعد فترة قصيرة من محاولته إقناع قيادة قطر العراق بالتخلي عن الرفيق "عكلة" ولكنها أصرت على دعمه، فدفع ذلك السنهوري إلى معاقبة الرفيق الكبيسي بتجميده ستة أشهر وإعفائه من عضوية القيادتين القومية والقطرية، وهذا هو الحدث الذي أشعل الفتنة داخل الحزب والمستمرة حتى الآن.

 

فما الذي ترتب على هذه الأزمة من نتائج بعد مرور عامين وثلاثة أشهر؟

1- بعد عزل الرفيق "عكله الكبيسي" أخذت الأمور داخل قيادة قطر العراق تتفاعل بصورة سلبية، حيث ظهرت أغلبية ثلثين تعارض تعيين "صبار المشهداني" وأقلية معه، مما أدى إلى تصعيد الأزمة وتوجت بفصل الرفيق "أبا آوس" من قيادة قطر العراق بسبب وجهة نظره الرافضة لتدخل القيادة القومية في شأن من اختصاص قيادة قطر العراق حصراً، وكما تؤكد المادتين 39 و40 من النظام الداخلي، وفصل الرفيق أبا آوس تم بصورة غير نظامية كما هي في عزل ومعاقبة الرفيق عكلة، أي بدون تحقيق وهو شرط اكتساب العقوبة شرعيتها، فأدى إلى انشقاق الحزب، فظهرت التنسيقية القطرية التي استقطبت عدداً ليس بالقليل من الرفاق في مختلف مناطق قطر العراق جنوباً وشمالاً ووسطاً إضافة لرفاق في الخارج، بينما بقي سنهوري يقود تنظيم في العراق بواسطة "صبار أبو جعفر" مباشرة وانضم إليه أغلب أعضاء قيادة القطر من الثلثين اللذين كانوا مع الرفيق أبي آوس في معارضة تدخل السنهوري.

وانتخبت التنسيقية القطرية لتكون الاداة التنظيمية التي تتصدى للانحراف ونجحت في كسب دعم الرفاق العرب في الجزائر وتونس وموريتانيا وفلسطين واليمن والأردن ولبنان والسودان لموقفها الواعي والصريح من انحراف السنهوري ومن سطا معه على القيادة القومية واستغل اسمها لتمزيق الحزب وحرفه عن مساره النضالي.

 

2- ومما ساعد التنسيقية القطرية على تحقيق هذا التقدم الهائل هو أن السنهوري وجماعته كلما سيطروا على تنظيم حزبي مزقوه من الداخل وجمدوه نضالياً وثقافياً وإعلامياً وسياسياً، ووضعوه في حالة موت سريري، كما هو حال الحزب في العراق، حيث توقفت كل النضالات الحزبية خصوصاً انسحاب الحزب من انتفاضة تشرين المباركة، وكانت تلك ضربة قاسية للانتفاضة، ثم لم تعد هناك اجتماعات حزبية ولا تعليمات ولا بيانات تصدر لتوضيح موقف الحزب من أخطر الاحداث التي يمر بها العراق والوطن العربي والعالم.

 

3- وكل هذا اقترن بانحراف السنهوري عن الخط العقائدي للحزب المتمثل في النضال من أجل الإشتراكية بصفتها الحل الامثل لأزمات الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتبنيه لمفهوم حقوق الإنسان بحدوده الأمريكية والذي يتناقض بصورة صارخة مع مفهوم الاشتراكية، لأنه يحصر حقوق الإنسان في الحقوق السياسية والإعلامية دون الحقوق الاقتصادية، وهذا ما اعترف به السنهوري كثيراً بعد وفاة الأمين العام. أما الانحراف الاستراتيجي الخطير الواضح فهو تخلي تكتل السنهوري عن المقاومة المسلحة في حالة الاحتلال ووجود نظام فاشي خطير الدور وتابع لقوى معادية للامة لا تنفع معه الوسائل السلمية، وتبنى حرفياً خطة "جين شارب" ضابط المخابرات الأمريكية والتي تقوم على تبني (النضال السلمي الديمقراطي)، وأعلن السنهوري مراراً بأن الحزب لا يؤمن بالعنف وإنما يؤمن بالنضال السلمي الديمقراطي فقط، وهكذا توفر دليل قاطع على انحراف السنهوري في ثلاثة مجالات خطيرة، هي المداميك الأساسية التي تكون الحزب:

الأول، هو انحرافه عن عقيدة الحزب.

والثاني، انحرافه عن استراتيجية الحزب القومية.

والثالث، عدم تقيده بالنظام الداخلي.

وكانت النتيجة أن وضع الحزب عمداً في حالة الموت السريري، وهو ما أدى إلى سهولة اقتناع الرفاق خصوصاً العراقيين ثم الرفاق العرب بوجود خطر داهم يهدد الحزب، وتبلورت فكرة أن السنهوري ومن معه ينفذون مخططات اجتثاث البعث الذي وضعته المخابرات الأمريكية وتنفذه معها المخابرات الإيرانية وبمساعدة مخابرات أنظمة عربية وغير عربية.

 

4- ونتيجة لعزلة السنهوري وجماعته وتعاظم قوة التنسيقية القطرية في العراق ومن معها من الرفاق العرب تبنى السنهوري تكتيكاً آخر، وهو إيجاد وسيلة لاستقطاب الرفاق العرب وعزلهم عن التنسيقية القطرية ثم تفكيك تنظيمها داخل العراق خصوصاً بعد أن ثبت تعمد صبار المشهداني وضع الحزب في حالة الموت السريري، وجاء انتخاب امين سر القطر بقرار من السنهوري قبل عام، في 25-3-2022 وسيلة للخروج من مأزق عزلة التكتل، بعد أن اعتقد السنهوري بأن الوضع قد أصبح مناسباً اما لإضفاء الشرعية الحزبية على صبار المشهداني وإنهاء عزلته عن أغلب جماهير الحزب وقياداته وقواعده أو استبداله بآخر لم يحرق بعد، ففاز أبو العباس، وهو شخص مغمور نضالياً وغير معروف لقواعد وأغلب كوادر الحزب وتجربته الحزبية بسيطة جدا وقدراته الثقافية والشخصية محدودة بصورة تلفت النظر منذ اول لقاء او حديث معه، وانتخب لعدم وجود بديل آخر في ضوء قرارات الفصل والإبعاد التي تمت، ومع ذلك فإن التنسيقية القطرية اعتبرت فوز أبو العباس أملاً جديداً في توجيه ضربة للسنهوري وخطه التأمري، لأن إقصاء صبار المشهداني ربما سيكون خطوة على الطريق الصحيح، فقامت التنسيقية القطرية بدعم أبا العباس والذي أظهر رغبته في التفاهم مع التنسيقية القطرية من خلال اتصاله بالرفيق أبي آوس وتنسيقه معه ووعده بإعلان عودته لقيادة القطر هو وبقية الرفاق المفصولين، وصدر بيان من قياده القطر يؤكد على إلغاء كافة قرارات الفصل وبلا أي استثناء لأنها غير شرعية.

ورغم أن التنسيقية القطرية أوقفت نشاطها بعد إصدار بيان واحد لها بعد انتخاب أبا العباس، أيدته فيه وطلبت من الرفاق الارتباط بتنظيم أبي العباس داخل وخارج القطر، وهذا ما نفذ فعلاً، ولكن أبو العباس بدأ يظهر دوافعه المشبوهة عندما أخذ ينتقي من يريد أن يربطهم بالتنظيم ويبعد من لا يريدهم طبقاً لمعايير كانت مجهولة في البداية، ولكن الآن وبعد مرور عام وتكرار وعوده كل شهر تقريباً أكثر من مرة بعودة كافة الرفاق إلا أنه لم يقم بتنفيذ هذه الوعود نهائياً، بل بالعكس أخذ يظهر المزيد من العداء والتحريض ضد الرفاق قادة التنسيقية القطرية، وفي المقدمة الرفيق أبا آوس حيث أخذ يتصل بالرفاق العرب ويحرضهم عليه ويطلب منهم قطع صلتهم به (لأنه خارج الحزب وأنه هو -أبو العباس- من يمثل قيادة القطر)، فخلق بذلك مشكلة بين الرفاق العرب أنفسهم حيث كانوا يعتقدون بأن أبا العباس والرفيق أبو آوس في جبهة واحدة وقيادة واحدة، وكانت صدمة للرفاق العرب لأنهم وبعد أن تعاظمت آمالهم بقدرة الحزب في العراق -وهو قاطرة الحزب قومياً كما أكدوا- صدموا بموقف أبي العباس التحريضي ضد أبا آوس، ولهذا ولأجل عدم السماح بتواصل مخالفة النظام الداخلي من قبل أبي العباس اشترط الرفاق العرب على أبي العباس لكي يتعاونوا معه عودة الرفيق أبو آوس ومن معه من الرفاق الذين لم يعودوا إلى الحزب بعد تولي أبو العباس أمانة سر القطر، لكنه وكعادته التي اشتهر بها اكثر من اي صفة اخرى اخلف الوعد الذي قطعه للرفاق العرب ولم ينفذه حيث طلب منهم مهلة اسبوع الى عشرة ايام لحسم الموضوع، وهاقد مرت اكثر من اربعة شهور على وعده ولم يحققه! وهذه هي أسباب الأزمة الحالية الجديدة، حيث افتعلها أبو العباس الذي يبدو مستخدِماً كل أساليب التملص من تنفيذ وعوده لكل الحزب. واسيرا لقوة لايستطيع رفض اوامرها!

 

5- ويترتب على ما سبق أن أبا العباس أثبت أنه أكثر تخريباً من صبار المشهداني، فصبار المشهداني على الأقل ما زال يصدر بيانات وجريدة باسم الحزب، بينما أبو العباس لا يصدر أي بيان عن الحزب ورفض إصدار جريدة الحزب (الثورة) عندما عرض عليه الرفيق أبو آوس أن يعد جريدة باسم الحزب تصدر أسبوعياً وتوضع تحت إشرافه شخصياً. واصل أبو العباس ما بدأه صبار وعززه، ثم أضاف إليه عدم إصدار جريدة للحزب ولا بيانات وأبقى الانسحاب من الانتفاضة قائماً، ولم تعد هناك تعليمات تنزل للجهاز الحزبي لكي يعرف مع من وضد من يقف الحزب في الأحداث داخل وخارج العراق، فحدث تفكك واضطراب داخل التنظيم الحزبي وشعور بأن الحزب يموت فعلاً، فإذا كان صبار المشهداني قد وضع الحزب في حالة موت سريري فإنه على الأقل يقوم ببعض النشاطات الإعلامية، فقط لكي يسقط الفرض ويؤكد أنه ما زال يقود حزب لديه نشاطات، أما أبو العباس فلا نشاطات ولا عمل ولا صدق، ولا نبضة حياة تُلمس في جسد الحزب باستثناء إصراره على جمع الاشتراكات الحزبية التي لا يعرف أحد أين تصرف وعلى من تصرف في ظل تجميد الحزب تجميداً تاماً، وإصرار أبو العباس بنفس الوقت على رفض عودة الرفاق الذين فصلهم السنهوري!

 

6- وهكذا، أصبحت أزمة الحزب مركبة وخطيرة، فمن جهة هناك السنهوري وكتلته ينفذ اجتثاث البعث، ومن جهة ثانية دخل أبو العباس طرفاً آخراً في اكمال الاجتثاث بطريقة استفزازها اوضح بكثير من عدوانية السنهوري، فالاخير على الاقل كان يوجه اتهامات لمن يفصلهم بأنهم تكتلوا او لم ينفذوا تعليماته، اما ابو العباس فانه كان يبعد قياديين واعضاء حتى بدون طرح اسباب! وهي حالة تؤكد انه لايفهم حتى الحد الادنى من طبيعة البشر ومحركات الحياة ولا ضروراتها الاخلاقية والنفسية! فزادت كارثة العراق تخريباً لأن جماهير العراق عولت كثيراً على دور الحزب في إنقاذها بعد أن سقطت كل الآمال الخاصة بحلول أخرى لا تعتمد على الحزب، فالجماهير المنتفضة في أنتفاضة تشرين كانت تهتف باسم الحزب وتطالب بعودته للنضال وقياده الجماهير، ولكن وجود أبو العباس من جهة وصبار المشهداني من جهة ثانية على رأس القيادة أدى إلى تجميد الحزب، فلا هما يعملان من أجل إعادة بناء الحزب بصورة صحيحة وقيادة النضال ضد الاحتلال، ولا هما يسمحان لغيرهما بالعمل ويستخدمان اسم الشرعية الحزبية للردع والابتزاز! وهذا بالضبط هو التطبيق الحرفي لخطة اجتثاث البعث، وإلا فكيف يكون الاجتثاث إذا لم يكن تجميد الحزب وتوقفه عن النضال وزرع الفتن داخله وتشويه سمعته امام الجماهير؟

 

7- بعد عام من استلام أبو العباس أمانة سر القطر، وتأكد أنه أسوء من صبار المشهداني من حيث تطبيق خطة اجتثاث البعث من داخل الحزب، ما العمل؟ وما هي الخيارات المتاحة امامنا؟ هل من الضروري أن نقبل بالرأي الذي يقول يجب الانتظار خوفاً من شق الحزب؟ إن هذا المنطق يتجاهل حقائق مادية ملموسة أبرزها وأهمها أن الحزب فعلاً في حالة انقسام وتشرذم، فمِمَ نخشى إذاً؟ ففي العراق هناك ثلاثة تنظيمات الآن، تنظيم أبو العباس وتنظيم صبار وتنظيم التنسيقية القطرية، الذي عاد قبل أيام نتيجة اليأس التام من حسم الأمور من قبل أبو العباس، فالانقسام في العراق موجود كما أنه موجود في الأردن والسودان وتونس والجزائر واليمن وفلسطين ولبنان، في كل هذه الأقطار يوجد أكثر من تنظيم وأحياناً ثلاثة تنظيمات، فما الذي يخشاه البعض من الإقدام على خطوة إعادة بناء الحزب وتوحيده في العراق إذا كان الحزب مقسم فعلاً وواقعاً؟ هل الانقسام سيكون أخطر من الموت السريري للحزب؟

إن الموت السريري هو التتويج الطبيعي للانقسام، فالحزب يقسم لأجل أن يموت، وحينما يوضع الحزب في حالة الموت السريري المخطط والمتعمد فإن ذلك أخطر من الانقسام، وكلاهما -صبار وأبو العباس- وضعا الحزب في هذه الحالة الخطيرة جداً، ولذلك فإن الواجب الأول والأهم لكل بعثي الآن هو إنقاذ الحزب، ولا يمكن إنقاذه إلا بإرادة جبارة تعيد ترتيب كل الحسابات وتعد العدة لعمل فعال وحاسم. إن التخويف من شق الحزب لمنع المبادرات الضرورية لإنقاذه ليست سوى تكتيك مخابراتي آخر، فما قيمة بقاء الحزب موحداُ إذا بقيت قيادته منحرفة ولم تتراجع؟ إننا في هذه الحالة -وبقوة تبرير منع شق الحزب- ننفذ مخطط محو هويته وحرفه عن أصالته، فهل هذا يخدم الحزب؟ وأمامنا مثال "حافظ أسد" وما فعله حينما أبقى على اسم الحزب، ولكنه غير جوهره بتخليه عن عقيدته وعن استراتيجيته القومية وعن نظامه الداخلي وعن قيمه الأخلاقية، فلم يعد تنظيمه على صلة بالبعث.

وأيضاً هناك سؤال مهم وهو: هل الانشقاق حالة سلبية دائماً، أم توجد حالة تفرضه كضرورة لابد منها، مثل إجراء عملية جراحية مؤلمة تستأصل سرطاناً في الجسد وبدونها لن ننقذ المريض؟ نعم فعندما يصبح الحزب خاضعاً لكتل تمارس أساليب عمل تخريبية وتنشر الفتن والأزمات داخله، وعندما نرى قيادة تبعد رفاقاً من مواقعهم دون طرح الأسباب التي بوجودها يجب محاسبة الرفيق، فإن الأمر تخريب في نتائجه، فأي عقوبة لا يجوز أن توجه إلا بعد توفر الأدلة الواضحة على أن المعرض لها انحرف أو خرق النظام الداخلي، على أن يكون التحقيق النظامي هو الطريق الوحيد المفضي للعقوبة الحزبية. إن العقاب بدون تحقيق إن صدر من أعلى قيادة فإنه يؤكد أنها خطرة على الحزب لأن ذلك يجر الحزب رغماً عن كل النوايا إلى فتنة الشكوى من وجود ظلم، وتلك هي الخطوة الأولى في حدوث الانشقاقات أو التمرد أو عدم المبالاة، فهل هذه الحالة تسمح بالصمت بحجة حماية وحدة الحزب؟ أم أنها دليل حاسم على وجود خطر مميت لأن قيادة ما لم تعد تلتزم بالنظام الداخلي وبمبادئ العدالة والانصاف؟

ولنتذكر دائماً بأنه لا أحد فوق النظام الداخلي، ولابد من محاسبة ومعاقبة أي رفيق ومهما كان مستواه الحزبي وإن رفض العقاب فيجب تجريده من المسؤولية لأن خطره على الحزب أشد من خطر من جُند مخابراتياً، فالأخير مكلف بواجبات محددة لا يتخطاها، بينما الذي تحركه أنانيته وتخلفه الفكري وسوء تقديره لا حدود لانحرافاته لأنه مستعد لفعل أي شيء لحماية مصالحه الأنانية ومنع الحساب الذي ينتظره، وبالتالي يعرض الحزب لمسلسل أزمات تسهم في تقريب الحزب من حالة الجمود والانغلاق على الفتنة وعدم القدرة على حلها، وهي عوامل تدفعه دفعاً نحو الموت السريري تمهيداً لدفنه بعد أن يموت، لذلك فإن هذه الظاهرة متى برزت فيجب حسمها بأسرع وقت منعاً لتدمير مبادئ العدالة من جهة وعدم اعطاء المبرر لرفاق للرد عليه بصورة غير نظامية من جهة ثانية، فلا مخرج عندما يوضع الحزب بين نارين، نار الحق الأبلج ونار الظلم الواضح إلا الإنقاذ بالطريقة التي تضمن حماية الحزب.

 

8- إن الجهات التي تدعي تمثيل الحزب في العراق كلها غير منتخبة، وهذا وضع سلبي لا يجوز أن يستمر طويلاً، والأهم والأخطر أنها عاجزة عن النهوض بالحزب وتضميد جراحه، ولهذا تستمر ومنذ عامين وثلاثة أشهر حالة الموت السريري، وهذه الظاهرة بمفردها تلغي أي شرعية لأي قيادة حتى لو كانت منتخبة قبل شهور، لأن العجز عن تفعيل الحزب نضالياً وتنظيمياً يؤكد أحد احتمالين: إما أنها لا تملك الكفاءة والخبرة للقيام بواجبات القيادة، أو أنها مخترقة أمنياً وتتعمد تعطيل الحزب والقيام بواجباته الجوهرية وفي مقدمتها نشاطه التنظيمي والنضال السياسي والتوعية الفكرية والقدرة على إقناع الحزب بمسارات ومواقف ضرورية، فإذا وجدنا قيادة لا تعمل إلا بالحد الأدنى الشكلي لإسقاط فرض كما تفعل كتلة السنهوري في العراق، الذي وضع الحزب في حالة موت سريري، أو أنها لا تقوم حتى بخطوات إسقاط الفرض كإصدار بيانات أو صحيفة وهي المهمة الأسهل في نضال الحزب الإعلامي والفكري، وهو ما يقوم به أبو العباس، إذا وجدنا ذلك فإن الأمر يؤكد وجود تنفيذ دقيق لخطة اجتثاث البعث التي وضعتها أمريكا وتنفذها مخابراتها ومخابرات إيران وأنظمة عربية.

ويترتب على ما سبق أن كل من صبار وأبي العباس يكمل أحدهما دور الآخر، فصبار ابتدأ بالتآمر ووصل إلى طريق مسدود نتيجة فشله ووجود تخطيط مسبق لإيقاف نضال الحزب وعمله في العراق، فجاء أبو العباس لإكمال تنفيذ خطة اجتثاث البعث وإكمال خطوات صبار بعد أن فشل وأصبح عاجزاً حتى عن تقديم أي تبرير لفشله، فصار ضرورياً استبداله بوجه جديد لم يحرق، ولكن ممارسات أبو العباس خطيرة لأنها خلقت مشكلة أخطر من المشاكل التي صنعها السنهوري، فالأخير كان يفصل ويقدم تبريرات كاذبة، أما أبو العباس فهو يبعد رفاق عن مواقعهم لكنه لا يوجه لهم أي تهمة أبداً! وهذا بالضبط عمل مخابراتي هدفه دفع الرفاق لتبني موقف حاد يرفض مواقف أبو العباس غير المفهومة والمناقضة لنظام الحزب الداخلي، فيزيد ذلك من شرذمة الحزب، وتلك من أهم خطوات الاجتثاث، ولذلك فإن الصمت والانتظار بعد مرور عام خطأ فادح سوف يعجل بنهاية الحزب ويساعد كل متآمر على إكمال مهمته.

 

9- وبناء عليه فإن العودة للشرعية الحزبية ممثلة في المؤتمرات الانتخابية هي وحدها من يمنح الشرعية أو يسحبها ممن يقصر لفترات طويلة وبدون أمل في إنهاء تقصيره، أما الصمت وانتظار حل بدون وجود أي ضمانة، فإنه دعم لمخطط إنهاء الحزب. إن ضرورة الانتخابات الحزبية لا تكمن في تغيير الأشخاص، بل في تغيير الأداء، فما قيمة انتخاب أمين سر جديد بدل آخر جمد الحزب إذا كان الجديد أيضاً يجمد الحزب وبصورة أكثر من سابقه؟ إنه تغيير يقع في إطار الخداع والتضليل وسرقة الوقت لأجل إكمال مخطط إنهاء الحزب بتغيير الوجوه دون تغيير الأداء النضالي والتنظيمي والفكري، ولهذا فلا شرعية حزبية لأي قيادة حتى لو كانت منتخبة إلا إذا أدت واجباتها بفعالية وكفاءة عالية وروح نضالية وثابة.

 

10- إن إنهاء هذه المرحلة هو الواجب الأول والأهم لكل بعثي ولكل وطني ومن دون ذلك سنكون مسؤولون عن كل قطرة دم سالت في العراق وعن كل خطوة تمزق هوية العراق الوطنية وعن كل خطوة تدمر المواطن العراقي والأسرة العراقية والقيم العليا العراقية، إن هذه الانتفاضة الحزبية التي تقومون بها الآن هي طريق الإنقاذ الوحيد ولا يوجد طريق غيره، فلنقف الوقفة المطلوبة وطنياً وقومياً واخلاقياً وحزبياً الآن وليس غداً، وهذه مهمة مقدسة وعلينا أن ننجزها بأسرع وقت خصوصاً وأن المطلوب من الحزب أيضاً أن يكون له رأي واضح كما كان طوال تاريخه في الأحداث القطرية والقومية والإقليمية والعالمية، فعالمنا يتغير بسرعة وتقع فيه حروب وأزمات طاحنة وخطيرة تتطلب من الحزب أن يحدد موقفه منها وهي فرصة من الفرص التاريخية الثمينة التي يجب أن لا تضيع، لأن النظام العالمي الذي زال بانهيار الاتحاد السوفيتي يُعاد تشكيله الآن، ويجب على العرب أن يكون لهم دور طليعي في هذا التشكيل ينسجم مع حجمهم ومع دورهم التاريخي ومع قدراتهم، وتعطيل الحزب يمنع العرب من لعب هذا الدور، ولذلك فإننا يجب أن ننهض بالحزب أيضاً لكي يكون لنا دور فعال فيما يجري في العالم يضعنا في قلبه ويجعلنا في طليعته كما كنا دوماً وكما يجب أن نكون، لا كما يريد دعاة الاجتثاث ومنفذيه أن نكون، ميتون سريرياً بلا أي نشاط، وذلك جزء من خطة إنهاء الأمة العربية وليس إنهاء البعث فقط، من خلال تفكيك أقطارها وتقسيمها واحداً بعد الآخر دون التصدي لهذه الخطط، فنهوض الحزب ليس عمليه إنقاذ للحزب وللعراق وللأمة العربية فقط، بل هو أيضاً تحديد للدور المستقبلي للأمة العربية في عالم يتغير، وعلينا أن نكون في قلبه ومقدمته.

 

11- فما هو الحل الحاسم لأزمة الحزب؟ الحل الوحيد الشرعي هو عقد مؤتمر قطري وانتخاب قيادة قطرية جديدة تتمتع بالشرعية، تتولى المسؤولية وتبعث الحزب من جديد وتضعه في قمة الأداء الشامل تنظمياً ونضالياً وفكرياً وسياسياً، وصولاً إلى الأهداف الموضوعة وأبرزها تولي قيادة النضال ضد الاحتلال لطرده وإحباط خطة تدمير العراق، وكل ذلك يتطلب أن يكون بناء الحزب بناء حديدياً سليما يعتمد السرية المطلقة داخل العراق وخارجه، مع استثناءات تقررها قيادة القطر المنتخبة لمن يعمل بصورة علنية خارج العراق، وسيكون من بين أهم معايير تقييم أي رفيق هو درجة تمسكه بالسرية التامة. وإنقاذ الحزب والنهوض به في العراق ليس نهاية المطاف، بل هي خطوة على طريق عام أوسع حيث أنها مقدمة لنهوض الحزب في بقية الأقطار، فهناك إجماع بين الرفاق العرب على أن تنظيم الحزب في العراق هو القاطرة التي تساعد على تسريع بقية عربات القطار في الوطن العربي، ولهذا، فإن نهوض الحزب في العراق سيؤدي حتماً إلى نهوض الحزب في بقية الأقطار وتوحيد تنظيمات الحزب المختلفة وإعادة استقطاب آلاف الرفاق البعثيين العرب الذين تركوا التنظيم أو أصبحوا خارج التنظيم خلال العقود الماضية، وتوحيد التنظيمات البعثية المتعددة التي مازالت تؤمن بالبعث وعقيدته، فلم يعد إنقاذ الحزب في العراق هو هدفنا الوحيد، بل هو أحد الأهداف الأساسية والقاعدة الأساسية لنهوض الحزب في الوطن العربي، لهذا فإننا نعمل لإعادة بناء الحزب قومياً أيضاً والتخلص من كافة الأمراض وإزالة كافة العقبات التي تعترض نهوض الحزب قومياً والذي أُخر طوال حوالي العشرين عاماً بعد غزو العراق من قبل الكتلة المتآمرة التي سطت على اسم القيادة القومية وبه عطلت الحزب طوال هذه المراحل.

فإلى أمام لننهي الحالة الشاذة ونعيد للبعث وحدته التنظيمية والفكرية والاستراتيجية، ولنطهر صفوفنا من المرتدين والمجندين، وتلك هي المهمة الأساسية لنا في هذا المؤتمر القطري الذي يعقد لأول مرة بعد غزو العراق، وإلا ستحاسبنا جماهير الشعب وسيلعننا التاريخ الذي يسجل الآن كل خطوة وكل حدث.

14-3-2023

شبكة البصرة

السبت 26 شعبان 1444 / 18 آذار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط