بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرثية من قبيل المديح!؟

شبكة البصرة

في ذكرى العدوان على العراق نستعيد رائعة الشاعر الكبير حميد سعيد

تَحتَ قصف صواريخهم وقنابل أحقادهم..

يَستفيقُ ترابُ العراق.. وتدنو ملاحمهُ متوجسةً..

حيثُ كان دمٌ مفعمٌ بالمروءات.. ينزلُ من شُرُفات المنازلِ

من شجَرٍ يتحامى شظايا القنابلِ

كانتْ حدائقُ بغداد.. مُثْقَلَةً بنثار بنيها

وكان النخيلُ ينوءُ بما مزقَت طائراتُ المُغيرينَ..

من حَلَماتِ النساء.. ومن لحم أبنائهنَ

ماذا يُخَبِئُ هذا المساءْ؟

وأي البيوت.. ستختاره الطائرات عشاءً؟!

وأي القرى.. تأكلُ النار؟

أي أحبتنا.. سيكون الفداء؟!

*****

الطيورُ تُضيِع أعشاشها.. والكلاب تموء ُ..

والقططُ الأليفةُ تبكي..

وجاراتُنا يُعَدِدْنَ أسماءَ مَنْ قُتِلوا في البيوت القريبةِ..

الدخانُ يُغَطي الشوارعَ..

يَدْخُلُ في كل بيتٍ.. ويخرجُ من كل بيتْ

لماذا أتيت؟

يسأُلني كلُ من ألتقيه.. لماذا أتيتْ؟

طائرات الغزاة، بها كَلَبٌ، وشظايا الصواريخ..

تَنْهَشُ لحمَ الذين يَجيئون.. من أي صوبْ

أو يذهبون إلى أي صوب ْ

إلى أي ناحيةٍ تتوجهُ.. في أي منأى تكونْ

في انتظارك وحش المنونْ

ليسَ ثمةَ من سيدٍ.. غير هذا الجنونْ

الجنونْ..

الجنونْ..

الجنونْ..

*****

كانَ فتيانُ بغدادَ.. يعترضونَ الغزاةَ بأجسادهمْ

واللصوصُ.. يبيعونَ تاريخَ بغداد

كل اللصوص.. يبيعون تاريخ بغداد

ليس الذي باع تاريخ بغداد.. منها

ستذكُرُ بغداد أسماء من حُرِقوا..

وستذكُرُ بغداد أسماء فتيتها الذائدين..

ومَن دافعوا عن حِماها

وتذكُرُ أسماء من خانها

وستذكر أسماء من شغلته الغنائم ُ عنها

وتذكر أسماء من كذبوا في ادعاء الشجاعةِ

أو في ادعاء النَزاهةِ

أو في ادعاء الطهارةِ

أو في ادعاء العلاقة باللهْ!!

وستسألُ بغداد عن كل فَدْمٍ غليظْ

لمْ يكُ في ساعة الروع.. يدفَعُ عنها البلاءْ

وستذكُرُ بغداد..

أسماءَ كل الذين استباحوا الأجنَةَ..

والنومَ..

والأمسيات البريئة.. والضحكَ الأبيضَ..

والسهَرَ العائليْ

*****

اللصوصُ الصغارْ

يخدمون اللصوصَ الكبارْ

واللصوص الكبارْ..

أقبلوا فرحينَ بما حقق اللصوص الصغارْ

أكملوا بالحرائق.. ما لمْ تنلْهُ الفيلقُ

واقتسموا حفلات الدمارْ

بين نارٍ ونارْ

سَيُقالُ لِمَنْ أرخوا لمواجع بغداد..

أو للجراح التي عبثت بصفاء مروءتها..

رحمَةً بالتتارْ

رحمةً بالتتارْ

رحمةً بالتتارْ

ليسَ مِنْ شَجَرٍ آمِنٍ.. أو منازل آمنةٍ..

ليس من رحِمٍ آمِنٍ..

كلُ أمٍ.. تُحاوِلُ أن تبعد الموتَ عن بيتها

الطيور مُحَرَقَةُ والبلابل تائهةٌ ومياه الفراتين مقرورةٌ

العواصفُ سودْ

البراعمُ سودْ

الينابيعُ سودْ

*****

الرمادُ.. يُخبرنا بالذي أشعلوا من حرائق..

حيثُ تساقطَ..

كنا نرى حُلُماً في الرماد.. يُخَبِرنا بالجنان التي سُجِرَتْ

بالجوامع والجامعات.. المتاحف والمكتباتْ

مُنذ سبعة أيامْ..

كان الرمادُ يلاحق أحلامنا

ويجيء ُ لنا بسماءٍ.. سننكرها

لا سماء لبغداد.. في زمن الغزو..

حيث تكون مائدة الغزو والموت.. حلوى الغزاة ْ

*****

الغزاةْ..

ومَنْ أشعلوا النارَ في الكتبِ المدرسيةِ والمكتباتْ

الأدلاءُ.. والراقصون الأذلاءُ..

والبائعون.. صفاءَ الأناشيد في كل سوقْ

لا سماء لبغداد.. حيثُ يكونُ الفسوقْ

لا سماءَ لها..

تتريَثُ أوجاعُ بغداد.. بغدادُ حمالة المواجعِ..

هلْ ستحملُ أوجاعَ محنتها؟

حيثُ يغتابُها الغُواةُ..

يُلَطِخُ أبيضَ عفَتِها البغاةُ..

ويغتالها العُتاةُ..

بغداد.. إني أحس بما أنتِ فيه.. من هؤلاء ومن هؤلاءْ

يدخلُ العالمُ المُذالُ في عتمةٍ.. فيكون العماءْ

هلْ تقومُ العميَةُ في وحشة العمى..

وهل حاول العميُ في وهدة الظلام..

أن يُعيدَ إلى الخبز.. ماكان من طعمهِ..

وإلى الماء في فجر بغداد لذعتَهُ الباردةْ؟

هل تقوم قيامتها.. ويعودُ إليها البهاءْ؟

*****

لا عهدَ لي بشفافية التواريخ ِ..

كلُ التواريخ.. تُخفي الكثير َ من اللغطِ..

حيثُ تحلُ البلاغةُ في موضع الحقيقة ِ..

تُخفي الكثيرَ من الأسئلةْ

لكن بغداد..

مهما دجا ليلها.. يتبيَنُ خيط البياض وخيط السواد بها

وتُفَرِقُ بين البُناة.. وبين الغُزاةْ

بين عشاقها والزناةْ

*****

تحتَ قصف صواريخهم وقنابل أحقادهم.. تَتَحَفَزُ بغداد

يُقيِلُ من كل ذرة رملٍ.. نبيٌ يحف به الشهداءْ

ويُقبِلُ من كل بيت ٍ بها.. فِتيَةٌ أُمناءْ

وتُقبلُ رايات بغداد.. تلكَ التي خفَقَتْ منذُ كانتْ..

وتُقْبِلُ بغداد من بسملات حرائرها

من قباب مساجدها وشموخ منائرها

من هُدىً..

كان آي الكتاب هداهْ

من مدىً..

ليس غير العراق مداهْ

الدستور

شبكة البصرة

الخميس 1 رمضان 1444 / 23 آذار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط