بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

هل أوهم صدام حسين العالم بامتلاك أسلحة دمارٍ شامل؟!

هذه الفرية الخبيثة القاتلة جاءت بعد العجز التام عن العثور على الأسلحة المزعومة

شبكة البصرة

مصطفى كامل

(إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)

مع حلول ذكرى غزو العراق في العشرين من آذار/ مارس ومع ذكرى احتلال عاصمته في التاسع من نيسان/ أبريل كل سنة تتبارى قنوات وصحف عربية وأجنبية لاستذكار هاتين المناسبتين بقدرٍ كبيرٍ من التقارير الصحفية والمقابلات والأفلام والبرامج.

ومبعث هذا الاستذكار ليس إنصاف العراقيين الذين وقع عليهم كل ثقل الغزو والاحتلال، وانما استعراض بطولاتٍ زائفة لهذا المسؤول العربي والدولي أو ذاك، ولخلط الأوراق والتضليل المتعمّد للجمهور حول العالم وللتعمية على الحقائق.

وليس أدلَّ على ما نقول من أن كل وسائل الاعلام تلك، أياً كان مصدرها وأياً كان توجهها، تتغافل، عن عمدٍ وسابق إصرارٍ، عن استضافة مسؤولين أو صحفيين عراقيين، ممن كان لهم تماسٌ مباشر مع هذين الحدثين الهائلين اللذين زلزلا العراق والوطن العربي والعالم، وألحقا بالغزاة الأميركان والبريطانيين خسائر هائلة على صعيد القتلى والجرحى والمعاقين، بما في ذلك المرضى نفسياً، وعلى صعيد الخسائر المالية التي تجاوزت ثلاثة آلاف مليار دولار، وعلى صعيد تدمير سمعة هذين البلدين تحديدأ، الولايات المتحدة وبريطانيا، وإدارتيهما، وكل من شارك في هذه الجريمة الوحشية عرباً وأجانب، وممن يحملون الجنسية العراقية زوراً وبهتاناً، فضلاً عن تدمير سمعة المنظمات الدولية ونظام العدالة الدولية.

وفي هذا الصدد تعمد وسائل الإعلام هذه على استضافة مسؤولين وصحفيين عرباً وأجانب بعضهم ممن كانوا على هامش الأحداث ولم يكونوا فاعلين فيها، مع تغييبٍ متعمّد للموقف العراقي الحقيقي كما قلنا، فالمطلوب أميركياً، أولاً وأخيراً، أن لا تُمنح للصوت العراقي فرصة وأن يبقى الكذب وحده سيد الموقف!

صوت العراق والأصوات المنصفة يُخنقان عمداً فلا تتاح لهم فرصة الظهور الإعلامي على الإطلاق، وإن أتيجت فرصة محدودة فمع كثيرٍ من التضييق، وبالطبع مع إهمالٍ متعمّدٍ بعد النشر بحيث تضيع وتختفي وسط زحامٍ هائلٍ من الافتراءات والأباطيل وضجيجٍ يصمُّ الآذان من مضلّلين وكذابين وباحثين عن شهرةٍ أو أموال.

في هذا الإطار يجب أن يفهم شعب العراق، والمنصفين حيثما كانوا، أغلب ما يصلهم من صورٍ وأفلامٍ ومقابلاتٍ وبرامجَ ومقالاتٍ تتناول ذكرى الغزو الإجرامي وذكرى الاحتلال المشؤوم.

صحيح أن هناك أصواتاً منصفة تظهر هنا أو هناك تبوح بالحقيقة وتفصح عنها، لكن تلك الأصوات المنصفة تُخنق عمداً إذ لا تتاح لها فرصة الظهور الإعلامي على الإطلاق، وإن أتيجت لها فرصة محدودة فمع كثيرٍ من التضييق ومع كمٍّ هائلٍ من القيود والمحدّدات، وبالطبع مع إهمالٍ متعمّدٍ بعد النشر بحيث تضيع أصوات أولئك المنصفين وتختفي وسط زحامٍ هائلٍ من الافتراءات والأباطيل وضجيجٍ يصمُّ الآذان من مضلّلين وكذابين وباحثين عن شهرةٍ أو أموال.

نعم، في هذا الإطار، وليس غيره، يجب أن نفهم تكرار إبراز أمثال عمرو موسى ومحمد البرادعي وهانز بليكس وجورج بيرو وأمثالهم، وهؤلاء ليسوا كذّابين فحسب، بل أن معظمهم ضالعٌ في ارتكاب جريمتي الغزو والاحتلال، أو مبرّرٌ لها، وكان جزءاً من التمهيد لها والترويج للأضاليل التي سبقتها أو الأباطيل التي صاحبتها أو تلَتها.

وكان من بين ما تناوله هؤلاء الكذّابين، طيلة العقدين المنصرمين وبشكل لافتٍ خلال السنوات الأخيرة، وفي الذكرى العشرين للغزو الإجرامي التي نعيشها اليوم تحديداً، قضية بالغة الخطورة، وهي زعمهم أن "الرئيس صدام حسين كان حريصاً على الإيحاء بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل لإخافة إيران"!

لقد باتت حقيقة أن "صدام حسين في السرّ هو نفسه صدام حسين في العلن" ثابتاً تاريخياً يعرفه الجميع، وحقيقة راسخة وإن لم يعترف بها كثيرٌ من المسؤولين، خصوصاً بعدما كشف كتاب "تسجيلات صدام" هذه الحقيقة بالوثيقة المعزّزة بالصوت والصورة، فهذا الكتاب/ الوثيقة احتوى على تفريغ تسجيلاتٍ تخصّ الرئيس صدام حسين في مراحل مهمة من تاريخ العراق منذ كان نائباً، وتضمّن آلاف التسجيلات الصوتية وأفلام الفيديو التي حصلت عليها قوات الاحتلال الأميركية، وتغطّي اجتماعات الرئيس مع وزرائه والقادة العسكريين وكبار الشخصيات الزائرة لبغداد وشيوخ العشائر والوفود المحلية، وهو من إعداد كيفن وودز من (معهد التحليلات العسكرية) وديفد بلكي ومارك ستاوت من (جامعة الدفاع الوطني).

ومع اكتشاف كلّ تلك الحقائق فإنّ هذه الفرية الخطيرة تريد أن تقول باختصار "إن أميركا وبريطانيا (والتحالف العدواني الذي غزا العراق خلافاً للقانون الدولي وضد الإرادة الدولية) كانا واقعين تحت تضليلٍ مارسه صدام حسين شخصياً، وبالتالي فهو، أي الرئيس العراقي حصراً (وليس جورج بوش أو توني بلير ومن خدم مشروعهما الإجرامي) من يتحمّل وزر غزو بلاده واحتلالها، وكل المآسي التي تلد كل واحدة منها مأساةً أكبر منذ 20 سنة، فهو وليس غيره من كان يضلّل المفتشين الدوليين، وهو وليس غيره من كان يضلّل زائريه من المسؤولين العرب والأجانب، وهو وليس غيره من كان يضلّل دول العالم، وبالتالي فهو وليس غيره المسؤول الأول والأخير عن غزو بلاده واحتلالها بتقديمه معلوماتٍ باطلة تؤكد امتلاكه أسلحة دمار شامل وتحدّيه لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات العلاقة، وأن الرئيس صدام حسين لو كان صادقاً وواضحاً وشفافاً مع المجتمع الدولي لما حدث كل هذا ولما أجبرَ بوش وبلير، حمامتا السلام الوادعتين، على اتخاذ قرار الحرب بعد أن كانا يدفعان بالضدّ منها، وأن الأخطاء التي وقع بها بوش وبلير، ومن ساندهما، إنما كانت تقوم على وهمٍ زرعه صدام حسين نفسه في عقل العالم وفي عقول أجهزة المخابرات الغربية والعربية، التي لم يكن أمامها إلا التوجه لمراكز القرار في دولها لشرح مخاطر ما يحوزه العراق طبقاً لمواقف وإعلانات رئيسه فقط، وهو ما اتّضح كذبه لاحقا".

العراق على لسان رئيسه صدام حسين أكّد بكل وضوحٍ وعلناً عدم امتلاكه أسلحة دمار شامل، وعدم نيته حيازتها أو إعادة تصنيعها، وتحدث عن ذلك لصحفيين أميركيين بلغةٍ واضحةٍ وقاطعةٍ لا تحمل تأويلاً ولا لبساً، وقد بثّت كبرى القنوات الأميركية أحاديثه تلك.

إن هذه الفرية القاتلة، التي جاءت بعد العجز التام عن العثور على أسلحة الدمار الشامل المزعومة، فرية خطرة فعلاً، بل وخبيثة جداً لأنَّ: كل المعنيين في العالم يعرفون أن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً.

فرق التفتيش كانت على علمٍ يقيني بخلو العراق من أسلحة الدمار الشامل وكانت تطالب العراق بإثبات عدم امتلاكه لتلك الأسلحة على أن يُترك البتُّ بذلك لواشنطن ولندن، أي أن الخصم هو الحكم الذي لا استئناف لحكمه.

لا يوجد أي تصريحٍ أو تلميحٍ أو إيحاءٍ من جانب العراق، حتى ولو على لسان كاتبٍ مغمور، يمكن أن يؤدي إلى هذه القناعة الباطلة.

فالعراق على لسان رئيسه صدام حسين أكّد بكل وضوحٍ وعلناً عدم امتلاكه أسلحة دمار شامل، وعدم نيته حيازتها أو إعادة تصنيعها، وتحدث عن ذلك لصحفيين أميركيين بلغةٍ واضحةٍ وقاطعةٍ لا تحمل تأويلاً ولا لبساً، وقد بثّت كبرى القنوات الأميركية أحاديثه تلك، ونشير هنا إلى حديثه للصحفي الشهير دان راذر في قناة CBS الأميركية كمثالٍ على ذلك.

ويمكن الرجوع إلى تلك المقابلة (هنا)

 

بل أن الرئيس صدام حسين عرض ومن خلال قناة CBS استعداداه للحوار المباشر مع الرئيس الأميركي جورج بوش لدرء الحرب ومنع إدارة واشنطن من ارتكاب جريمة العدوان.

وقد أعاد عرض هذه الحقائق مراراً كل أركان قيادة العراق حينها، كما وردت بوضوح على لسان وزير الخارجية الدكتور ناجي صبري الحديثي.

بل إن السيد الحديثي، وهو حيٌ يُرزق أطال الله عمره، أكّد ذلك في حديثه على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة وكانت رسالة الرئيس صدام حسين التي تلاها الحديثي من على ذلك المنبر في 19أيلول/ سبتمبر 2002 واضحة وحاسمة ودقيقة وبيّنت خلو العراق من كل أسلحة الدمار الشامل ومن برامج تصنيعها، وأعلنت بوضوح لا لبس فيه استعداد العراق للتعامل بكل إيجابية مع أي جهدٍ للتأكد من ذلك وبما يضمن درء العدوان الذي كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تعدّان له بشكل مسعور.

 

ويمكن الاطلاع على تسجيلٍ للخطاب من هذا الرابط:

https://www.c-span.org/video/?172765-1/iraqi-foreign-minister-speech

 

كما أن كل رسائل العراق التي وجّهها رسمياً عبر القنوات الدبلوماسية، السرية منها والعلنية، وعبر وسائل الإعلام جميعها، أكّدت بشكل تامٍ وواضحٍ وغير ملتبسٍ عدم امتلاك العراق أية مواد محظورة بحسب قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وعدم الرغبة في حيازتها.

فضلاً عن ذلك، فالعراق، في حقيقة الأمر، لم يطرد مفتشي الأمم المتحدة، كما يُزعم، بل أن مفتشي الأمم المتحدة انسحبوا من الأراضي العراقية، قبيل شن الولايات المتحدة عدوان ثعلب الصحراء (Operation Desert Fox) الذي تواصل لأربعة أيام بين 16 و 19 كانون الأول/ ديسمبر 1998، في مسعى للتغطية على هذا العدوان المرتَّب مسبقاً والذي دمَّر كثيراً من البنى التحتية العراقية، وكان سحبهم من العراق بقرارٍ معلن من رئيس فرق التفتيش حينها الأسترالي ريتشارد بتلر، الذي اتّضح تجسسه وإجرامه بحق العراق لاحقا.

لقد أثبت العراق حسن نواياه تجاه هذا الموضوع بإعلان وزير خارجيته في أيلول/ سبتمبر 2002، قرار القيادة العراقية بإعادة المفتشين الدوليين، قاطعاً الطريق على الرغبة الأميركية المحمومة حينها بالإجهاز على العراق.

إن ترويج هذه الفرية يعني تحميل الضحية المسؤولية القانونية عن قتله وسرقته واحتلال بلاده، وهذه جريمة أخرى مُضافة لا تقلّ عن جريمة الغزو والاحتلال وحشية وإجراماً، بل تزيد.

 

إن هؤلاء المجرمين القتلة المسؤولين عن جريمتي الغزو والاحتلال، والذين كان دورهم تهيئة مسرح ارتكاب تلك الكارثة الإنسانية المُريعة عبر وسائل وطرقٍ عديدة، بدل أن يتقدموا إلى شعب العراق بالندم الحقيقي والاعتذار الصادق عن إسهامهم المخزي بها نراهم يواصلون تبرير جريمتهم بصلفٍ واضح ومكابرة سفيهة، ليحصلوا على حصّة من أموال السحت المنهوبة من أموال العراقيين مذكّرين بوجودهم واستعداداهم لمزيدٍ من الافتراء والإجرام، يعاونهم في ذلك حشدٌ من الكتبة الجهلة والإعلاميين المرتشين وأنصاف الصحفيين المستعدين لتبرير ارتكاب أية جريمة وتزويقها.

ترويج هذه الفرية يعني تحميل الضحية المسؤولية القانونية عن قتله وسرقته واحتلال بلاده، وهذه جريمة أخرى مُضافة لا تقلّ عن جريمة الغزو والاحتلال وحشية وإجراماً، بل تزيد.

لقد واكبنا كعراقيين وكصحفيين، تطور الأحداث خلال العقود الماضية، ونحتفظ بأرشيفٍ غنيٍّ عنها، صحيحٌ أننا لم نكن في موقع المسؤولية حينها لكننا يحقّ لنا الرد والتوضيح، بل يجب علينا أن نقدّم شهاداتنا عن حقبة تاريخية يُراد لها أن تُمحى وتزيّف حقائقها وتُقدّم بدلاً عنها أكاذيب وأضاليل وافتراءات قبيحة ما أنزل الله بها من سلطان، فيما يجري الترويج لتلك الأباطيل التي تسبّبت بأكبر جريمة في التاريخ المعاصر، وخلافاً لكل القرارات والقوانين والأعراف الدولية، وأعادت البشرية إلى عصر الغزو المباشر واحتلال الشعوب بعد أن بدا أن العالم غادر تلك المرحلة منذ منتصف القرن الماضي.

إننا نحمد الله أننا أحياءٌ وقادرون على الردّ على فريةٍ هنا وأخرى هناك، ولكن هذا لا يكفي، لذا فإننا من خلال هذا المقال، ندعو كلّ المعنيين من العراقيين إلى القيام بواجبهم الوطني والأخلاقي في توثيق محطّات مهمة جداً من تاريخ العراق المعاصر، فهم شهودٌ أحياءٌ على ذلك التاريخ، وشهاداتهم وحدها هي ما بقي للعراقيين بعد أن سرق الغزاة كل وثائق تاريخهم أو أحرقوها وقتلوا أو أسروا شهودها، وفيما يُروّج الآن لأضاليل وافتراءاتٍ تظلمهم وتظلم دولتهم التي بنوها بالجهود الجبارة وبذلوا في سبيل حمايتها الدماء الطاهرة.

إنني أعتقد أن عدم توثيق تلك الأحداث الجسيمة المفصلية التي عاشها العراق على مدار أربعة عقود، تقصيرٌ متعمّدٌ بحقّ الوطن وبحقّ مواطنيه، ولا أظنُّ أنَّ أياً من العراقيين الشرفاء يقبل بذلك.

والله الموفق والمستعان

وجهات نظر

شبكة البصرة

الثلاثاء 6 رمضان 1444 / 28 آذار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط