بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مراجعات الذكرى العشرين لغزو العراق، لماذا؟

بتضحياته الجمة قدّم العراق وقيادته وشعبه خدمة كبرى للإنسانية

شبكة البصرة

بدر الدين كاشف الغطاء

أصبحت جريمة الغزو معياراً للتفريق بين العدل والمعايير المزدوجة.

استفسر بعض الأخوة عن جدوى هذا الكم من الوثائق والمعلومات والتصريحات التي نشرت بمناسبة الذكرى العشرين للغزو الأميركي للعراق بينما ما يزال مجرما الحرب جورج بوش وتوني بلير ورهطهما يتنعمون ولم يتعرضوا لمساءلة وعقاب، وأود تقديم المساهمة الآتية جواباً على استفساراتهم.

إن المراجعة الواسعة في أميركا وفي العالم للغزو الأميركي للعراق ما كانت لتجري لولا انتصار المقاومة العراقية على المحتل الأميركي، والتي أجّجت الذكرى العشرين للغزو مفاعيلها بحيث سخّر الاعلام الأميركي ومراكز البحوث الأميركية والمؤلفين الأميركان جهوداً كبيرة منذ أسابيع لمراجعة ما أسموه "أكبر هزيمه سياسية وعسكرية أميركية منذ تأسيس أميركا"، إن هذه المراجعة وفضح التآمر لتدمير العراق ظاهرة فريدة في تاريخ الحروب الاستعمارية تستوجب التوقف عندها وتحليلها، وخاصة من جانب عمق الهزيمة التي أوقعتها المقاومة العراقية بالغزاة، وهو ما حاولوا إخفاءه في السنين الماضية بادعاء أنه لم تكن هناك مقاومة وطنية في العراق بل تمرد وإرهاب.

يعيش الشعب الأميركي الآن مرحلة "عودة الوعي" وبدأ يراجع سياسات قادته، وكما قال الباحث في التاريخ السياسي الأميركي ميلفين ليفلر عن دروس حرب العراق أنها "مفيدة لأي رئيس أميركي قادم يريد تجنب الكوارث ومفيدة لأي مواطن أميركي يريد ان ينتخب قادة أفضل".

وقد أدّت خسائر أميركا في هذا الغزو، ونزيفها السياسي والاقتصادي والأخلاقي والصحي المستمر، بضمن ذلك الثلاثمائة ألف من الجنود المشاركين في غزو العراق الذين لا زالوا يعالجون من إصاباتهم، دوراً في جعل الغزو حياً في واقع وضمير الشعب الأميركي وسيبقى كذلك لعقود قادمة.

من نتائج الغزو الأميركي للعراق انكشاف هيمنة أميركا على المنظمات الدولية

 وتسييرها لصالحها وتدهور مصداقية تلك المنظمات.

لقد مارس الغرب، وبالذات الولايات المتحدة، النفاق السياسي بأكثر صوره خسّة منذ بدء الفترة الكولونيالية في القرن السادس عشر، فكانوا يستعبدون الشعوب بدعوى تحريرها ويبيدونها بدعوى تطهيرها ويسرقون ثرواتها بدعوى تمدينها، وجاء نفاقهم في حرب العراق بدعوى أسلحة التدمير الشامل العراقية وعلاقة العراق بالقاعدة كالقشة التي قصمت ظهر البعير، لتطلق مراجعات شاملة لهذه السياسة وشعاراتها الزائفة.

وتميزت حرب العراق بأنها جاءت في وقت كانت فيه الولايات المتحدة هي قائدة العالم والقطب الأوحد بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وحلف وارشو، لذلك لم يجادلها أحد حول ما ساقته من اتهامات للعراق وللرئيس صدام حسين، وعندما احتلت العراق كان العالم كله، بضمنه روسيا والصين، مهللاً أو صامتاً، خوفاً أو طمعاً، وقامت أكثر من 60 دولة بمساعدة جهد أميركا العسكري في العراق، ولم تسأل هذه الدول عن توصيف الغزو والاحتلال بموجب القانون الدولي، ثم تبيّن كذب ادعاءات أميركا وغاصت في مستنقع العراق، ودمرت المقاومة العراقية آلتها العسكرية، وتبيّن للجميع إن الإدارة الأميركية غشّت شعبها وغشّت العالم كله، وأنها "نمر من ورق" وشعر كل من صدّقها وكذّب العراق أنه استُغفل وحاول أن يجد المبررات للتنصّل من العبء القانوني والأخلاقي لمواقفه المخزية.

كان من نتائج الغزو الأميركي للعراق انكشاف هيمنة أميركا على المنظمات الدولية وتسييرها لصالحها وتدهور مصداقية تلك المنظمات التي طبقت "عدالة الأقوياء"  ولم تتجرأ أي من تلك المنظمات أن تعلن لا شرعية الغزو الأميركي للعراق، بل طلب مجلس الأمن في قراره (1483) في 22 مايس/مايو 2003 من أميركا وبريطانيا، بوصفهما دولتين قائمتين باحتلال العراق، بالعمل بما يتّسق مع ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية الأخرى ذات الصلة، على تحقيق رفاه الشعب العراقي!

المراجعة الواسعة في أميركا وفي العالم للغزو الأميركي للعراق

 ما كانت لتجري لولا انتصار المقاومة العراقية على المحتل الأميركي.

وإزاء هذه الهيمنة الغربية على المنظمات الدولية بدأ المجتمع الدولي يبحث عن إصلاح هذه المنظمات، أو استبدالها بمنظمات دولية جديدة قائمة على العدل والانصاف ومساواة الشعوب في السيادة.

ورأينا مؤخراً كيف أصبحت جريمة غزو العراق معياراً للتفريق بين العدل والمعايير المزدوجة، فقد استهجن العالم اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة إلقاء القبض على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتجاهل مجرمي الحرب بوش وبلير مثلما جرى قبلهما تجاهل الجرائم الصهيونية في فلسطين وجرائم الغرب الاستعماري ضد شعوب افريقيا، وفقدت هذه المحكمة مصداقيتها وأصبحت مبعث سخرية شعوب العالم.

لقد عاش الغرب منذ الفترة الكولونيالية على وهم التميز عن الشعوب الأخرى، ووهم أنه "مكلف برسالة سماوية لنقل العالم من البربرية الى الحضارة" ووهم أن "القوة دائماً على حق (Might is right)" واستمرت نظمهم السياسية وجيوشهم واعلامهم تغذّي هذا الوهم العنصري جيلاً بعد جيل، وغابت عنهم ثقافة العدالة والمساواة والإنسانية، ولذلك فإن زوال هذا الوهم الذي ترسّخ خلال قرون عديدة يحتاج إلى وقت لينفذ إلى المؤسسات السياسية والتشريعية والإعلامية الغربية، علماً بأنهم حتى في القضايا الداخلية، مثل انتهاكات دونالد ترمب وقبله انتهاكات ريتشارد نيكسون وفضائح بيل كلينتون اللا أخلاقية، يتجنبون محاسبة مسؤوليهم جنائياً على جرائمهم، لإنهم يعتبرون ذلك انتقاصاً من "عظمة" الأمة التي أنجبتهم والناخبين الذين انتخبوهم.

كل من صدّق أميركا وكذّب العراق

يحاول الآن أن يجد المبررات للتنصّل من العبء القانوني والأخلاقي لمواقفه المخزية.

وهنا تأتي فرادة هزيمة الغرب في العراق حيث أنها خلقت وعياً شعبياً بالحاجة إلى محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، وأول محاسبة كانت سياسية، فجميع من خططوا ونفذوا غزو العراق تركوا ميدان السياسة مكرهين، وبعضهم، مثل كولن باول، تنحى بإرادته معتبراً خطابه في مجلس الأمن "وصمة عار في تاريخه السياسي".

بتضحياته الجمة قدّم العراق وقيادته وشعبه، خدمة كبرى للإنسانية. وساهم ويساهم في خلق عالم متعدد الأقطاب مبني على قواعد العدل والانصاف والقيم الإنسانية.

وكلما تكشفت حقائق جديدة عن جرائم الغزو وخسّة الغزاة كلما زاد تقدير العالم لدور العراق وقيادته الوطنية في دحر الغزاة.

كما أن هذه المراجعات والمعلومات والوثائق الجديدة تعزز ملف طلب العراق التعويضات ومحاكمة مجرمي الحرب الذي سيقدمه عندما يتحرر بعون الله وتعود السلطة لشعب العراق.

والله المستعان

وجهات نظر

شبكة البصرة

السبت 3 رمضان 1444 / 25 آذار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط