بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أخضع ثلثي مملكة الحبشة..
الإمام الصومالي الذي كاد أن يسقط الإمبراطورية الإثيوبية

شبكة البصرة

عبد القادر بن مسعود

ينظر الكثيرون إلى الصومال على أنّها الدولة التي مزّقتها الحروب والمجاعات، لكن هذا البلد العربي الواقع في القرن الإفريقي كان له تاريخٌ مرصعٌ بالبطولات التي جعلت الصومال في القرن الـ16، يقف نداً للمملكة المسيحية الإثيوبية، إحدى أكبر الإمبراطوريات الإفريقية في التاريخ، وخلال تلك الفترة كان الإمام أحمد بن إبراهيم الغازي على وشك القضاء على المملكة المسيحية الإثيوبية، وإدخال كامل القرن الإفريقي إلى الإسلام.

الإمام أحمد بن إبراهيم الغازي العالم الذي صار أميراً لإمارة عدل الصومالية

بحسب مذكرة بحثية بعنوان "توحيد أحمد الغازي الإمارات الإسلامية شرق إفريقيا"، وُلد الإمام أحمد بن إبراهيم الغازي المعروف باسم أحمد الغري (Gurey) في قرية هوبت، بالقرب من مدينة هرر الصومالية، وذلك في سنة 1506م.

نشأ الإمام في مدينة هرر، وهناك تلقى تعليمه الأولي على يد أحد شيوخها قبل أن ينتقل إلى مدينة زيلع، حيث أتمّ حفظ القرآن الكريم ودراسة مختلف العلوم، حتى صار عالماً وشيخاً مشهوراً.

موازاة مع طلبه العلم، كان الإمام أحمد بن إبراهيم الغازي يكتسب في الخبرة العسكرية منذ صغره، فتعلّم فنون القتال والفروسية والمهارات العسكرية وهو في سنٍّ لا تتجاوز الـ12 من عمره، كما أنه خاض عدة معارك في تلك السن الصغيرة.

مع ذلك شبّ أحمد بن إبراهيم الغازي وبلاده تعيش العديد من الفتن والأزمات وتحتاج لمن يوحّد صفها ويجمع شملها بعد أن تقرّب حكامها من ملوك الحبشة ودبّ الفساد في حكم سلطنة عدل التي كانت قائمة في ذلك الوقت مكان الصومال الحالية.

في الحقيقة، كان ذلك الواقع هو الحالة التي تعيشها جميع الممالك الإسلامية في شرق إفريقيا التي كانت مفككة، مما أتاح لملك الحبشة أن يُحكم قبضته عليها.

أمام هذا الوضع بدأت شخصية أحمد بن إبراهيم الغازي في الظهور تدريجياً، واتضحت معالمها بعد زواجه من دولينرة، ابنة الأمير محفوظ، أمير سلطنة عدل، وتعززت مكانته وزاد عدد أتباعه.

في العام 1508، صعد إلى حكم مملكة الحبشة الملك لبنادنجل، وكان حينها الأمير محفوظ يقود حركة لاستعادة المناطق التي استولت عليها مملكة الحبشة، لكنه قتل في كمينٍ للملك الإثيوبي، مما جعل جهود توحيد الممالك الإسلامية في شرق إفريقيا تعود على عاتق الجراد آبون بن آدش، الذي شرع في هذه المهمة التي استمرت 7 سنوات، ساعده فيها الشيوخ والعلماء وكان أبرزهم أحمد بن إبراهيم الغازي.

وسرعان ما قتل الجراد أبون بن آدش على يد السلطان أبو بكر سلطان سلطنة عدل، وخلفه أحمد بن إبراهيم لتبدأ المرحلة الذهبية لسلطنة عدل تحت قيادة هذا الرجل الذي جمع بين العلم والجهاد.

 

جاهد الإمبراطورية الإثيوبية 14 سنة وكاد أن يسقطها

وفقاً لـ ethiopianhistory، في البداية أمضى أحمد بن إبراهيم الغازي سنواته الأولى في صراعٍ مع السلطان أبو بكر، فبعد انتصار أحمد بن إبراهيم في معركته ضد جيش الحبشة في معركة الدر عام 1527، واجه السلطان أبو بكر وانتصر عليه ووحّد إمارة عدل تحت قيادته، قبل أن يشرع في رحلة لفتح مملكة الحبشة استمرت 14 عاماً، كاد من خلالها أن يسقط المملكة المسيحية الإثيوبية.

ففي عام 1529، انتصر أحمد في معركة رئيسية ضد الإمبراطور لبنى دينجيل في شيمبرا كوري، وبحلول عام 1535 كان قد غزا ديوارو وشيوا وأمهرة وليستا وتيجراي.

في تلك الفترة، تحوّل لبنا دبنجل، إمبراطور الحبشة، إلى هاربٍ من مكانٍ لآخر؛ خوفاً من الإمام أحمد الجري.

بعد وفاة الإمبراطور لبنا دبنجل في العام 1540 تولى ابنه غالاوديوس، زمام الأمور في مملكة الحبشة، لكنه ورث جيشًا صغيرًا مرتبكاً مما دفعه للاستنجاد بالإمبراطورية البرتغالية من أجل حماية ما تبقى من إثيوبيا من السقوط في يد المسلمين.

نجح أحمد بن إبراهيم الغازي ي توحيد ممالك شرق إفريقيا الإسلامية و إخضاع ثلثي مملكة الحبشة/مواقع التواصل

في فبراير/شباط 1541، وصل 400 من الفرسان البرتغاليين المسلحين جيداً بقيادة دوم كريستوفاو دي جاما إلى مصوع، لتنضمّ إلى قوات مملكة الحبشة القادمة من سيبلا وانجل إلى جيش تيغري في أبريل/نيسان عام 1542، مما أدى إلى امتلاك الحبشة لجيشٍ ضخم أجبر الإمام أحمد الجري في المرحلة الأولى على تسليم منطقة بحيرة تانا، لكن الإمام أحمد الغازي قام بطلب المساعدة من العثمانيين الذين أمدوه بـ700 جندي، أعاد من خلالهم أحمد البحيرة إلى السيادة الإسلامية في شهر أغسطس/آب، حيث انهزم الجيش الإثيوبي، وتم القبض على دوم كريستوفاو وقطع رأسه في تلك المعركة.

وتعد هذه المعركة التي عُرفت باسم معركة وفلة من أهم معارك التاريخ الإسلامي والإفريقي، خلالها قتل جيش الإمام أحمد الجري العديد من الجنود الحبشيين وجزءٌ كبيرٌ من القوات البرتغالية.

بعد ذلك الانتصار الباهر، عاد العديد من القوات العثمانية إلى منطقة زبيد اليمنية، لكن في وقت لاحق من ذلك العام، أعاد الإمبراطور غالاوديوس تحالفه مع البرتغاليين، وفي 21 فبراير/شباط 1543، قام الإمبراطور جالوديوس بغزو بحيرة تانا والهجوم على جيش أحمد الجري في معركة واينا داجا.

كان التدخل البرتغالي ضد جيش أحمد بن إبراهيم الغازي حاسماً في إنقاذ مملكة الحبشة من السقوط على يد الإمام الصومالي/مواقع التواصل

في هذه المعركة كانت القوات البرتغالية والإثيوبية تفوق جيش أحمد الجري في العدد، فكان عدم التوازن واضحاً، مما أدى إلى هزيمة جيش إمارة عدل ومقتل الإمام أحمد بن إبراهيم الغازي عن عمرٍ ناهز 37 سنة فقط، بعد أن ضمّ أكثر من ثلثي إثيوبيا إلى إمارته.

في الوقت الحالي يتذكر الصوماليون الإمام أحمد بن إبراهيم الغازي، باعتباره بطلاً قومياً، ويذكره الإثيوبيون باعتباره غازياً شرساً وغير مرحب به، وهذا الإرث المختلط هو مثال على الكيفية التي ينظر بها الأشخاص المختلفون إلى الأحداث والحياة بشكل مختلف.

عربي بوست

شبكة البصرة

الجمعة 25 شعبان 1444 / 17 آذار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط