بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قراءة متأنية في الربيع السعودي الإيراني الجزء الثاني

شبكة البصرة

د. نزار السامرائي

عميد الاسرى العراقيين

بعد توقيع اتفاق التفاهم السعودي الإيراني بوساطة صينية، وصفها الطرفان بأنها نزيهة وجدية لإعادة الاستقرار لمنطقة الخليج العربي، وخطوة أولية لتوسيع نطاقها لتشمل أطرافا على الشاطئ الغربي للخليج العربي، أي أن الصين وإيران اعتبرتا السعودية مفتاح الحل والربط في منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية، وإلى حد ما فهذا الوصف ينطبق على دول مجلس التعاون الخليجي، على الرغم مما يعيشه المجلس المذكور من انقسامات، أو على الأقل اختلافات حادة في وجهات النظر، تظهر وتخفت بين آونة وأخرى، تبعا لطبيعة الملفات المطروحة على بساط البحث بينها سواء خلال مؤتمرات المجلس أو الاتصالات الثنائية بين بلدانه الستة.

ولكن من غير المعقول أننا نستطيع أن نفترض أن الملف اليمني هو بيد السعودية لوحدها، وكذلك الحال مع الملفات العراقية والسورية واللبنانية، فإيران تمتلك مفاتيحها منفردة ولا تستطيع السعودية ولا دول مجلس التعاون الخليجي تغيير شيء من مسارها، وحتى الولايات المتحدة وفرنسا تقف عاجزة عن الخروج بحلول قادرة على وضع القطار على سكته الصحيحة، وهذا جزء من اللعبة الدولية التي أقرت خطة تحكيم إيران بملفات المنطقة، وادخالها في صراعات مفتوحة غير قابلة للإغلاق مهما قدم العرب من تنازلات.

لا أريد تكرار القول بأن دخول الصين كان من أجل توسيع نفوذها الاقتصادي التقليدي في المنطقة، أو من أجل ضمان امدادات النفط لاقتصادها المتنامي بلا حدود، ولا بتوسيع استثماراتها في كل من إيران أو دول الخليج العربي فقط، بل هناك هدف آخر لا يقل أهمية عن تلك المقاصد الحيوية، وهو تأكيد الحضور الصيني الاستراتيجي في أهم نقطة تنظر إليها الولايات المتحدة كمنطقة مقفلة لها، تمنح فيها بعض المساحات المقننة لحلفائها الأوربيين.

ويبقى السؤال الحائر من كل هذا المشهد الملتبس، هل تستطيع الصين بما تحمله من ثقل اقتصادي حاليا، أو ثقل استراتيجي مستقبلا، ضمان تنفيذ الطرفين السعودي والإيراني لما الزما به أمامها؟

لا أشك أبدا بأن المملكة العربية السعودية ظلت لحقبة طويلة، تتكلم بلغة سياسية ودبلوماسية واحدة ترسمها زعامة سياسية واضحة المعالم لا تنسفها إرادات غير رسمية إذ لا توجد في المملكة تنظيمات أو تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية غير منضبطة، أو مرسوم لها ألا تكون منضبطة يمكن أن تؤثر على القرار الرسمي الواحد في المملكة، أي أن السعودية دولة مؤسسات ولها دبلوماسية تعمل بحرفية عالية تراكمت لها خلال عقود طويلة.

أما إيران فهي فضلا عن امتلاكها تشكيلات عسكرية محلية مثل الحرس الثوري وقوات البسيج (التعبئة)، وهي جهات تحاول أن تصنع لنفسها قرارا سياسيا مستقلا عن قرارات الحكومة ووزارة الخارجية، فأيران تتعمتد اعتماد اكثر من موقف سياسي واحد بشأن اي ملف يراد حله، وهذا ما يمكن وصفه بالاختلاف المتفق عليه، بهدف انتزاع أكبر قدر من التنازلات من الطرف أو الأطراف الأخرى، ليس هذا وحده، بل هناك المؤسسة الدينية وتعدد مراكز التوجيه وما يسمى بمراجع التقليد في البلاد، مما يجعل أي اتفاق معلقا على مهب الريح بخطبة من خطب الجمعة في طهران أو مشهد أو قم، والتي لا تختلف كثيرا عن سيرك يختلط فيه الدين والسياسة والجد والهزل، أضف إلى ذلك أن إيران لا يمكنها أن تلعب سياسيا وجها لوجه، هي بحكم البناء العقائدي فيها لا تواجه العالم بصورة مباشرة، بل تؤمن بحروب النيابة عن طريق قوى محلية في بلدان أخرى هي التي توجهها وتشرف عليها وتأمرها بالقيام بعمل ما أو تمنعها من ذلك وفق تصورات استراتيجية تخدم إيران، وفي كل هذا فهي تستطيع التنصل عن كل ما يحصل بأمرها من طرف مليشيا حزب الله والمليشيات العراقية والحوثي والتشكيلات التي استحدثتها في سوريا.

فهل تستطيع الصين ضمان التزام إيران باتفاق دولي، إذا شعرت الزعامة الإيرانية أنها تستطيع تحسين شروطه في هذه الساحة أو تلك، وتنسب مثل هذا الفعل لقوى محلية لا تستطيع السيطرة عليها أو التحكم بمسيرتها، أظن أن الصين تعي جيدا غاطس المناورات السياسية الإيرانية، ولكنها تسعى لتحقيق انجاز سياسي في منطقة تجلب كثيرا من الأطماع الخارجية إليها، أرى أن انعدام المسؤولية القانونية والأخلاقية لدى إيران، لا يمكن أن يلزمها بشيء، وخلاصة القول إن الاتفاق السعودي الإيراني هو بين دولة مؤسسات ودبلوماسية واضحة المعالم، وبين عصابات لم يُعرف لها التزام بتعهداتها على مر التاريخ، ونقلت خبرتها في هذا المجال إلى مليشياتها التي تلقفت الدرس وأجادته بقدرة تفوق ما تعلمته من سيدها.

ما نلاحظه هذه الأيام أن المملكة العربية السعودية تبدو أكثر حرصا ولهفة على تنفيذ بنود ما تم الاتفاق عليه وفتح آفاق أوسع للتوصل إلى التطبيع الكامل مع إيران، مما يعزز التصورات السابقة من أن السعودية كانت تريد الخروج من ملفات الأزمة التي دخلتها من دون تحضير أو استعدادات مسبقة وخاصة الملف اليمني، القديم الجديد والذي يحمل عقدا مزمنة تعود إلى عام 1962.

فما هي الأسباب الحقيقية لكسر الجمود في آليات العمل الدبلوماسي السعودي المعروف بأناته، والاندفاع بخفة لا تخفى على المراقب الحصيف، لكسب ود طهران بخطوات تمثلت في المكالمات الهاتفية بين وزيري خارجية البلدين، ومسارعة السفير السعودي لحضور مأدبة إفطار أقامها السفير الإيراني في بغداد، وكأنه يريد أن يقول “انظروا كيف بادر السفير السعودي لزيارتي قبل أن أبادر لفعل ذلك”، حتى أن بعض الظرفاء علق على الحادث قائلا ” لا أحد يعرف على وجه الدقة، من جامل من في مباشرة الإفطار؟ هل أخر السعودي افطاره حتى ظهور النجوم في السماء؟ أم أن السفير الإيراني بكر في الإفطار من أجل إدامة فعالية الود بين الطرفين، وأخيرا من أم المدعوين بالصلاة وهل صلاها السعودي قصرا وجمعا أم احتال كي يصلي صلاة العشاء والتراويح.

للحصول على إجابات وافية عن كل هذه التساؤلات، لا بد من فتح ملفات كثيرة تتعلق بكل هذه التطورات منذ أن وصل الملك سلمان بن عبد العزير إلى قصر اليمامة، وهذا ما سنتناوله في ما تبقى من المقال بإذن الله.

العراق العربي

شبكة البصرة

الخميس 8 رمضان 1444 / 30 آذار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط