بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الموحدين بالجزائر..
المسجد السريّ الذي شُيّد تحت الأرض لتحدي الاستعمار الفرنسي

شبكة البصرة

عبد القادر بن مسعود

في سنة 1930، احتفلت السلطات الاستعمارية الفرنسية بمرور 100 عامٍ على احتلالها للجزائر، خلال تلك الاحتفالات أرادت فرنسا الترويج لأطروحة نجاحها في القضاء على الإسلام بالجزائر، من خلال تضييقها على المساجد والكتاتيب وحربها على اللغة العربية والقرآن الكريم.

مع ذلك، كان الجزائريون يبتكرون في طرقٍ سرية تحفظ لهم هويتهم الإسلامية والعربية، من بين تلك الطرق ما فعله محمد بن بحوص شيخ الطريقة الشيخية الصوفية بالجنوب الجزائري، حين قام خلسة بتشييد مسجد الموحدين الذي بنيّ تحت الأرض بمدينة الرقاصة بولاية البيض، خرّج من خلاله مئات طلبة القرآن، هذا المسجد الذي تحدى فرنسا 20 سنةً كاملة قبل أن يكتشف الاحتلال أمره ويقوم بغلقه.

ورغم أنه يوجد حالياً بالجزائر أكثر من 20 ألف مسجد، بني 90% منها بعد استقلال الجزائر عام 1962، فإنّ مسجد الموحدين الذي شيّد تحت الأرض يبقى أحد المساجد التي لا تزال تحتفظ بقيمتها التاريخية، كونه أحد الأماكن التي تحدّت الاستعمار.

 

مسجد الموحدين.. جامع سري تحدى فرنسا 20 عاماً

وفقاً للتلفزيون الرسمي الجزائري، وفي ثلاثينيات القرن الماضي، وأمام الحملة الشنيعة التي مارستها فرنسا ضد المساجد ودور تعليم القرآن، بعد أن لجأت إلى تهديم بعضها أو تحويل أخرى إلى كنائس للمسيح ودير لليهود، قام الشيخ محمد بن بحوص، والذي ينحدر من قبيلة أولاد سيدي الشيخ، بالشروع في بناءٍ مسجدٍ سريٍّ لتعليم طلبته القرآن الكريم والعلوم الشرعية، وجاءت فكرة إنشاء هذا المسجد تحت الأرض، قصد عدم لفت انتباه المستعمر الفرنسي، الذي كان يعمل آنذاك على محاربة كل ما يمثل الهوية الإسلامية والعربية.

وبالفعل، وبعد أشهرٍ من عمليات الحفر، نجح الشيخ بن بحوص في افتتاح مسجده، وأطلق عليه اسم مسجد الموحدين، نسبةً إلى دولة الموحدين التي كانت قائمةً بالجزائر، واعتمدت على السرية في بدايات دعوتها.

وشرع الشيخ بن بحوص في استقبال طلبة العلم من المناطق الجنوبية للجزائر، والذين بلغ عددهم أكثر من 375 طالباً، تخرجوا في مسجد الموحدين، والتحق عددٌ منهم بصفوف الثورة التحريرية فيما بعد.

وجد الشيخ محمد بن بحوص، الذي نجح في خداع الفرنسيين بفكرة تشييد مسجد تحت الأرض نفسه، بعد 20 سنة، يعاقَب بتهمة جريمة بناء مسجد سري، وذلك بعد أن تمكن الاحتلال الفرنسي سنة 1950 من اكتشاف مكان المسجد، حيث سارع قادة الاحتلال إلى غلق المسجد، واعتقال الشيخ محمد بن بحوص، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، إلى أن وافته المنية عام اندلاع الثورة التحريرية الجزائرية في 1954.

وبعد الاستقلال أُعيد فتح المسجد من جديد، وتحوّل إلى تراث إسلامي وتاريخي، وشاهد على محطة من محطات مقاومة سكان المنطقة وأولاد سيدي الشيخ، ولا يزال هذا المسجد القبلة المفضلة لسكان المنطقة لأداء صلواتهم اليومية.

 

هندسة معمارية فريدة

في صحراء قاحلة، ووسط كثبانٍ رملية تخفي معالمه، يوجد "مسجد الموحدين" المشيد تحت الأرض، والذي تبلغ مساحته 200 متر مربع وعلى عمق 6 أمتار، وهو المسجد الوحيد في الجزائر الذي اختير له أن يكون في باطن الأرض.

كان اختيار مؤسس هذا المسجد الشيخ محمد بن بحوص لموقع هذا المسجد بدقة كبيرة، فتواجده في منطقة نائية، ومحاطة بالكثبان الرملية، جعل أمر اكتشاف فرنسا له صعباً، لذلك نجح هذا الشيخ في خداع الفرنسيين لأكثر من 20 سنة.

ولدخول المسجد، توجد بوابة صغيرة تقع فوق الأرض، ومنها ينزل المصلون على سلالم متقنة تم إنجازها خلال عمليات الحفر.

يحتوي المسجد على أعمدة أرضية تحمل سقفه، تماماً مثل أي مسجدٍ فوق الأرض، وما يميّز هذا المسجد هو أنه مفروشٌ بالرمال، الأمر الذي يجعله بارداً خلال فصل الصيف، الذي يشهد حرارةً عالية في المناطق الصحراوية الجزائرية.

يحتوي المسجد أيضاً على خلوة تحت الأرض، وهو المكان الذي كان يتعبّد فيه الشيخ محمد بن بحوص، رفقة طلبته، كما توجد في المسجد أيضاً بئر ومكان للوضوء.

وقد تمت الاستعانة بوسائل بسيطة للحفر تحت الأرض، دون إدخال أي مواد في تشييد المسجد، كالإسمنت والآجر وغيرها، فالجدران والأسقف والأعمدة كلها من صخور باطن الأرض، ما جعل المسجد تحفة هندسية متميزة.

عربي بوست

شبكة البصرة

الخميس 1 رمضان 1444 / 23 آذار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط