بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

نمرود الضائع بين أقبية الفساد

شبكة البصرة

سمير داود حنوش

في النهاية تضيع عليك العناوين. هل هؤلاء ساسة ومسؤولون أم تجار ولصوص أو حتى مجندون لتدمير آثار البلد؟ ربما كانوا كل هذا وأكثر لتغرق في بحور الحيرة عندما ترى حاميها حراميها.

لا يفكر العراقيون كثيراً في دولتهم الحديثة، أصبح هناك ميل غريزي لكُره النظام السياسي الذي أوصل حياتهم إلى قعر الحضيض والانهيار.

في المجتمعات الطبيعية أو التقليدية التي يحتفظ أفرادها بدرجات متفاوتة في الولاء على الأقل بمستويات الوطنية وحب الوطن. إلا أن الشعور السائد لدى أغلب العراقيين بعد عام 2003 شعور مُخدر غابت عنه بوصلة الإحساس بأهمية الوطن وتراثه وآثاره بعد أن قتلوا فيهم روح المواطنة.

خبران أو حدثان في اليوم ذاته تم تداولهما في نشرات الأخبار بالفضائيات العراقية، كان الأول يتعلق بصدور أمر قبض وتحرّ بحق وزير الثقافة والسياحة السابق حسن ناظم في عهد حكومة مصطفى الكاظمي لاتهامه بسرقة آثار كان قد استلمها من الولايات المتحدة ولم يعد نصفها، حيث تمكن من تهريبها إلى جهة مجهولة ما زال البحث جارياً عنها، جريمة كشفت عنها واشنطن عندما أبلغت بغداد بعدد الآثار التي استلمها الوزير، وتبين أن نصفها لم يصل إلى العراق.

أما مضمون الخبر الثاني فهو فتح النزاهة ملفا عمره (20) عاماً طالما أقلق الدولة العراقية وأدخلها في منازعات قضائية مع شركة دنماركية كانت تتعلق بملف كنز نمرود، عندما أصدرت المحاكم المختصة أمراً باستقدام وزير الثقافة الأسبق مفيد الجزائري في فترة مجلس الحكم السابق الذي عينه بول بريمر لحكم العراق بعد احتلال بغداد ووكيل الوزارة سربست بامرني وعدد من الموظفين بتهمة التعاقد مع هذه الشركة الدنماركية المفلسة لغرض عرض كنز النمرود الأثري في المتاحف الأوروبية، وعند اكتشاف أن الشركة التي تم التعاقد معها غير رصينة ولا يمكنها توفير الحماية اللازمة للكنز الذهبي الذي يمثل إرثاً حضارياً للعراق فضلاً عن عدم اعتراف منظمة اليونسكو بهذا الاتفاق، مما أدى إلى تراجع الوزارة عن العقد وقيام الشركة برفع دعوى قضائية أمام التحكيم الدولي تطالب بتعويض قدره 100 مليون دولار، تم حسم القضية في عام 2015 لصالح العراق.

قضية الاتفاق مع الشركة جرت في الفترة التي سبقت عدم وجود دستور دائم أو نظام قانوني يسمح بإخراج الكنز إلى خارج العراق، مما يؤشر إلى عدم وجود صلاحية للمختصين بإبرامه وإخراجه من البلد، الأمر الذي تضمن بنوداً أضرت بمصالح العراق كان يعلم بها الوزير عند توقيعه العقد المذكور حسب لائحة الاتهام الموجه إليه بالتواطؤ والتقصير.

ولمن لا يعرف قيمة كنز النمرود فهو تحفة أثرية يعود تاريخها إلى أكثر من خمسة آلاف عام عندما تم اكتشافه خلال أعمال تنقيب بدأت عام 1988 وانتهت عام 1992 وكان مخبأ في أقبية البنك المركزي العراقي عندما عثرت عليه القوات الأميركية بعد دخولها بغداد عام 2003.

يختلط عليك التوصيف عندما تنظر إلى المشهد الضبابي وتحتار في أي خانة تضع زعامات وممتهني الجريمة المنظمة لأنها بالنهاية تضيع عليك العناوين إن كان هؤلاء ساسة ومسؤولين أم تجارا، لصوصا أو حتى مجندين لتدمير آثار البلد وربما كانوا كل هؤلاء، وتُغرقك بحور الفوضى والحيرة عندما ترى حاميها حراميها.

قبل عام 2003 كانت عقوبة المُتاجرة بالآثار تصل إلى الإعدام عندما كانت الدولة عبارة عن مؤسسات وقوانين، لكنها اليوم دولة فاشلة لا يزيد عمرها عن العشرينات حين انتعشت وأصبحت سوقاً رائجة لتهريب هذه التجارة النظيفة والمربحة.

كان من الممكن أن يكون الخبر عادياً أو مألوفاً لو تم إعلان القبض على عصابة مختصة بتجارة وتهريب الآثار، لكن أن يتضمن وزيراً متخصصا بالثقافة والآثار يتواطأ مع الآخرين لتهريب آثار بلده وهو المؤتمن عليها فهذه جريمة لا تحدث وقائعها إلا في عالم الشياطين وفي قعر الانهيار الأخلاقي وحضيض الانحراف والوضاعة، لكنه العراق ذلك البلد الجريح الذي بات يتلقّى الطعنات من أولئك الذين يؤويهم وغيرهم من شتى الأصناف، هو زمن الانكسار والهزيمة لوطن مذبوح.

العرب

شبكة البصرة

السبت 19 شعبان 1444 / 11 آذار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط