بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أمِنت العقاب فأوغلت بالدماء.. الميليشيات تستأنف حملات التصفية

شبكة البصرة

جرائم التصفية والاغتيالات المستمرة منذ عشرين عاماً في العراق، لا تكاد تختفي حتى تعود للظهور من جديد، وكان للكوادر العلمية والمهنية نصيب كبير من هذه الاغتيالات. ولم تُقْدِم أي من الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد على وضع حد نهائي لها، مكتفية بالتصريحات التي تتوعد بمحاسبة الجناة والقصاص من القتلة.

وشهدت الأيام الماضية سلسلة جديدة من جرائم القتل في أكثر من محافظة، حيث قتل الطبيب “أحمد طلال المدفعي” في محافظة ديالى، وقتل العقيد الطيار “سعد الدليمي” في قضاء الفلوجة بمحافظة الأنبار، كما اغتيل الأستاذ الجامعي المتقاعد “عبد الرسول الأنباري” في محافظة بابل، ولقي استئذان جامعيان في محافظة ذي قار مصرعيهما، حيث قضى الأول عندما هاجمه أشخاص بالسكاكين في منطقة الحي العسكري، وقتل الآخر بإطلاق الرصاص من قبل شخصين يستقلان دراجة نارية قرب منزله في مدينة الناصرية.

 

شيوع الاغتيالات

ويعود شيوع الاغتيالات في العراق إلى الأيام الأولى للإحتلال، عندما دخلت ميليشيا بدر وميليشيات أخرى قادمة من إيران بحماية القوات الأمريكية، لتوغل في دماء العراقيين. وأحصت مراكز متخصصة الآلاف من الطيارين والضباط السابقين والمهندسين والأطباء وغيرهم من الكفاءات المهنية العراقية، تمت تصفيتهم على أيدي عناصر هذه الميليشيات.

وبينت إحصائية سابقة لرابطة الأساتذة الجامعيين في بغداد، تناولت مسلسل التصفيات الذي بدأ في الأيام الأولى للإحتلال، إن “80% من عمليات الاغتيال استهدفت العاملين في الجامعات، وأكثر من نصف القتلى يحملون لقب أستاذ أو أستاذ مساعد، وأكثر من نصف الإغتيالات وقعت في جامعة بغداد، ثم البصرة، ثم الموصل والجامعة المستنصرية”، مضيفة أن “62% من العلماء الذين تمّت تصفيتهم يحملون شهادة دكتوراه دولة من جامعات غربية، ثلثهم مختص بالعلوم والطب، و17% منهم أطباء ممارسون، وقد قتل ثلاثة أرباع الذين تعرّضوا لمحاولات اغتيال، والربع الذي نجا فرّ إلى الخارج”.

 

إستهداف الأساتذة الجامعيين

وبحسب المصادر، فقد تناوب على تصفية العلماء والاساتذة الجامعيين العراقيين العديد من الأطراف الخارجية التي استباحت أرضهم عقب الإحتلال، لكن الساحة تُركت فيما بعد للميليشيات المدعومة من إيران لتقوم بهذه المهمة، بعد أن أثبتت أنها الأكثر حماساً لتنفيذها. وأوردت المصادر اعترافات لمنشقين عن الميليشيات، قالوا فيها إن قوائم بأسماء المطلوب تصفيتهم، كانت تردهم من الحرس الثوري الإيراني.

ولم يقتصر مسلسل القتل على الكوادر العلمية، خاصة خلال انتفاضة تشرين الشعبية، حيث شمل الصحفيين والناشطين وحتى المسعفين، لكن شريحة الأساتذة الجامعيين كان لها خصوصية لدى هذه الميليشيات. وربط الناشط “ناصر حمدون” في حديث صحفي استهداف الأساتذة الجامعيين بسياسة التجهيل التي تنتهجها الأحزاب الطائفية بقوله، إن “من الطبيعي أن يكون الأساتذة الجامعيون على رأس قائمة الإغتيالات، حيث أن لهم دور في التوعية وصناعة رأي عام معارض للسلوك التبعي الذي تنتهجه الأحزاب وميليشياتها، وهذا ما يُقلق الأحزاب الحاكمة فتسعى للتخلص منهم”، مؤكداً “أن الشعب عندما يكون جاهلاً تسهل قيادته باتجاه تحقيق أهداف هذه الأحزاب، ومن بين واجبات الكوادر العلمية انتشال الشعب وخاصة طبقة الشباب من آفة الجهل، وهذا ما يجعلهم في مرمى سهام الأحزاب الطائفية وميليشياتها.

ومارست عناصر تابعة للميليشيات عمليات الإغتيال بشكل مكثف أثناء الانتفاضة الشعبية، التي اندلعت في تشرين الأول/اكتوبر 2019، وشهدت السنوات اللاحقة أيضاً حوادث اغتيال عديدة، لكن نشاطها تصاعد من جديد خلال الأسابيع الماضية، وسط مخاوف من أن يكون اغتيال الاساتذة الجامعيين في محافظة ذي قار بداية لحملة جديدة من التصفيات.

 

الإفلات من العقاب

وذكرت مصادر صحفية إن الأستاذ الجامعي”عقيل عبدالله الناصري”، ألذي كان آخر الضحايا، والذي اغتيل يوم الجمعة 17 آذار/مارس الجاري، كان من الداعمين لانتفاضة تشرين عام 2019، مشيرة إلى أن قرار اغتياله ربما يكون قد اتخذ في ذلك الوقت، “إلا أنه تأجل حتى تتوفر ظروف مواتية أكثر لضمان الإفلات من العقاب، إذا ما تعرض منفذو الجريمة إلى الاعتقال”.

ورغم تعهد محافظ ذي قار “محمد هادي الغزي” بالقصاص من القتلة، إلا أن جرائم الإغتيال السابقة انتهت بالإفراج عن الفاعلين بعد القبض عليهم “لعدم ثبوت الأدلة”، كما حدث للقيادي في الحشد الشعبي “قاسم مصلح” المتهم بقتل العديد من الناشطين، من بينهم “فاهم الطائي” و”إيهاب الوزني”.

وكان الغزي قد صرح لوسائل الإعلام، بأن القوات الأمنية في المحافظة “تمكنت في أقل من 24 ساعة من اعتقال المتهم الرئيس بجريمة الإغتيال واقتياده إلى مركز التحقيق تمهيداً لعرضه على الجهات القضائية المختصة”.

وتحدث ناشطون عن علاقة انتشار عمليات القتل في ظاهرة الإفلات من العقاب، باعتبار أن المجرم لا يتوانى عن ارتكاب جريمته، إذا ضمن النجاة. ورغم كل التقارير التي أصدرتها المنظمات الدولية حول إفلات مرتكبي الجرائم ضد الكوادر العلمية والصحفيين والناشطين وغيرهم من العقاب في العراق، الا أن القضاء والحكومات العراقية، تقف إما عاجزة أو متواطئة مع الجناة، حتى في القضايا التي ثبت فيها الجرم على الفاعلين.

وفي تقريرها العالمي الصادر في العام الماضي، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إن الحكومة العراقية “لم تفِ بوعودها بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات بحق المتظاهرين والنشطاء والصحفيين منتقدي النخب السياسية وقوات الحشد الشعبي”.

وكالة يقين

شبكة البصرة

الخميس 1 رمضان 1444 / 23 آذار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط