بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

البعث مخاض أمة.. وليس حزباً موسمياً

شبكة البصرة

د. أبا الحكم

برزت الكثير من الاحزاب الوطنية على مدار عقود عديدة من السنين، ثم تلاشت تدريجياً لأسباب تقع في مقدمتها: 1- قطريتها 2- واختزالها بقادتها 3- ومحدودية اهدافها الوطنية القطرية 4- وعدم اتساعها الفكري والتنظيمي نحو محيطها القومي.

1- هذه الاحزاب وعلى وفق اهدافها تلاشت في العراق وفي اقطار الامة على الرغم من دورها المؤثر في حقبة الهيمنة الاستعمارية على ساحاتها سواء كان الامر يتعلق بنضالات التحرير او التحرر من ربقة الاستعمار الفرنسي والايطالي والهولندي والاسباني والبريطاني او يتعلق بنضالات مع السلطات والحكومات القمعية الفاسدة والمستبدة.

 

2- تبنت هذه الاحزاب مطالب الشعب العربي في مضمار التحرر والدفاع عن مصالح الجماهير في اقطارها، ولكن قياداتها ظلت في اطر (تحررية) قطرية في ظل ظروف الاحتلال الفرنسي مثلا للجزائر او المغرب او تونس وليبيا ومصر وسوريا، فضلا عن مقارعة النظام الملكي المستبد في العراق في تلك الحقبة.

 

3- ولكن البعث العربي الاشتراكي لم يكن يرتكز على بعد واحد في نهجه الفكري والعملي الميداني، كما لم يكن محدوداً في اطره ونضالاته القطرية، إنما ممتداً على رقعة جغرافية عربية واسعة تمتد من اقصى المغرب العربي الى اقصى المشرق العربي، كما لم يكن فكره مختزلاً قطرياً ليمثل نهجاً محدوداً، إنما كان وما يزال يمثل انعكاسا رائدا لما يريده الواقع العربي وفي كل اقطار الامة من مطالب حيوية ذات بعد قومي.. فالواقع العربي على اتساعه الجغرافي كان بحاجة الى وحدة نضالية قادرة على تحمل اعباء النهوض بالأمة العربية وعلى مختلف الصعد الجماهيرية الشعبية والسياسية والاقتصادية والثقافية والامنية، كما كان بحاجة الى تحمل هذه الاعباء من خلال ثورات غير نمطية يلتحم فيها الحزب مع حركة الجماهير ميدانيا من اجل (تغيير) الواقع (الفاسد) وبما يتماشى مع اهداف الجماهير من اجل البناء الجديد لبنية المجتمعات العربية ومراعاة تطورها الزمني على كافة المستويات، الأمر الذي يجعل من الدولة العربية ناهضة بمؤسساتها راسخة بمناهجها تتسع على اساس التكامل في البناء القومي والتلاحم الجماهيري.

وعلى هذا الأساس، شدد الحزب على الوحدة، وحدة الأقطار العربية، لماذا؟ لأن الأمة العربية مجزئة بفعل الأستعمار، ومقارعة الاستعمار ضرورة نضالية لا بد منها من اجل الوحدة، والوحدة ليست خياراً آنياً أو شكلياً إنما خياراً نضالياً بعيد المدى قد يمتد لأجيال حتى تنضج خلالها الشروط الذاتية وتتلائم الظروف الموضوعية لقيام الوحدة، التي من اهم شروطها، ان جماهيرها هي التي تبني ركائز تنظيماتها وإتحاداتها ومنظماتها المهنية وتكاملها الاقتصادي والثقافي.

وبتحقيق الوحدة العربية تتحقق الحرية، لماذا؟ لأن لا حرية بدون الوحدة.. وما دامت التجزئة قائمة فأن الاقطار العربية تبقى متفرقة ومتشرذمة ومخترقة ومتناحرة ومقسمة على اساس نفوذ قوى كبرى وعظمى وتحت تأثيرات إقليمية.. فخيارات النضال من اجل الوحدة العربية يكتسب طابعاً عمليا وميدانيا وليس فكريا فحسب.. والوحدة في فكر البعث مطلبا كبيرا ورائدا تتحقق من خلاله الحرية كما تتحقق العدالة الاجتماعية، الأمر الذي جعل مطلب الوحدة في مقدمة نضالات الحزب الفكرية والعملية، وحدد معوقات عدم تحقيقها من خلال مؤتمراته القطرية والقومية على امتداد تاريخه النضالي منذ السابع من نيسان عام 1947 وما يزال يناضل من اجل الوحدة والحرية والاشتراكية.

ومعوقات الوحدة العربية واضحة، منها رئيسية ومنها ثانوية.. فعقبة النظم القطرية ومنذ تاسيسها تعد هي المعرقل لقيام الوحدة العربية، حيث لم تضع هذه النظم القطرية في مناهجها السياسية والاستراتيجية خطوات تنفيذ الوحدة وسبل تحقيقها وباتت حريصة على أمنها القطري ولا تبالي بالأمن القومي العربي سوى اجراءات اعلامية تكتفي بالتنديد والشجب والاستنكار.. فالمعوق الاساس للوحدة العربية بكل وضوح هي النظم العربية القطرية التي لم تتخذ اية خطوات جريئة نحو الوحدة العربية منذ ستة وسبعون عاماً، سوى تجربة واحدة تم افشالها في حينه، فيما تُنتهكْ هذه الاقطار في امنها واقتصادها وفي شؤونها الداخلية على مدار السنوات.. فلو كانت هذه الاقطار موحدة، لما تجرأ عليها أحد.. فالعلة الاساسية تكمن في النظم القطرية، فيما تلقى الأسباب والمسببات على الاستعمار الذي يمنع قيام الوحدة ويمنع تقارب الاقطار العربية ويمنع قيام سوق عربية واحدة متكاملة ويمنع ويمنع، وهذا صحيح، الغرب لا يريد لأمة العرب ان تتحول إلى كتلة (بشرية وجغرافية واقتصادية) واحدة متكاملة قادرة على ان تنتزع حقوقها وتمنع إغتصاب ثرواتها.. تلك مسألة معروفة، ولكن لماذا لا تدافع الاقطار العربية عن المصلحة العربية العليا؟

البعث العربي الاشتراكي ليس كسائر الاحزاب التقليدية التي تناور من خلال الانتخابات الفصلية، فهو ليس حزباً موسمياً ولا هو طارءاً، فهو حزب الأمة العربية طالما يمثل اهدافها في وحدتها وحريتها وعدالة شعبها.. وان افكاره ونظرياته ما جاءت ولا ظهرت من خلف الكواليس ولا صيغت في الصالونات ولا بحثت وراء المكاتب الفارهة او نابعة من افكار ميتافيزيقية.. افكار البعث ونظرياته افرزها الواقع الموضوعي للامة العربية وهي تعاني من (التجزئة) بعد ان كانت موحدة، وتعاني من انعدام (الحرية) بعد ان كانت تتمتع بقرارها السياسي والاقتصادي الحر، وتعاني من انعدام (العدالة الاجتماعية) بعد ان كان يسودها العدل والمساواة.. وان المعاناة هذه شكلت في حقيقتها نظرية الحزب من اجل إعادة بناء الأمة العربية، يرتكز بناؤها على قاعدة الوحدة العربية التي تستولد الحرية لكافة الاقطار العربية، وتكرس العدالة الاجتماعية لكافة ابناءها بغض النظر عن الاعراق والاجناس والديانات.

وعلى هذا الاساسي، فأن نظرية البعث هي إنبعاث الأمة في شكل ثورة على التقسيم والتجزءة والتخلف المستشري في واقع الامة.

ولما كان البعث ثورة، وهو كذلك منذ ستة وسبعين عاماً وهو يناضل ويكافح من اجل اهدافه تظل حلقات نضاله الفكري والميداني مفتوحة دائماً على الاحداث وعلى تطور اساليب العصر من اجل النهوض والثورة.. واللافت، لو تعرضت اقوى دولة في العالم لجزء مما تعرض له الحزب منذ ولادته نهاية الاربعينيات من القرن المنصرم لما بقيت هذه الدولة صامدة.. ولكن البعث رصين في افكاره ونظرياته ورصين في نظامه الداخلي ودستوره ورصين في قياداته التي لديها رؤية سليمة تجاه حركة الواقع وتجربة تاريخية عميقة جذورها تمتد الى ماقبل ثورة تموز 1958 وثورة شبط 1963 وثورة السابع عشر- الثلاثين من تموز عام 1968 وما بعدها من ارهاصات نضالية عارمة تجلت في ثورة شباب تشرين الرائدة. فالبوصلة راسخة نحو اهدافها لا تتلاعب بها الاهواء والنزوات. انه حزب الثورة الخالدة والدائمة وسيظل كذلك حتى ما بعد ان يحقق الحزب اهدافه في وحدة الامة العربية وحرية شعبها وعدالة مجتعاتها. فالبعث ثورة في ثورة لن تتوقف ولن تقف أمامها موانع أو عثرات!!

شبكة ذي قار

شبكة البصرة

الاحد 18 رمضان 1444 / 9 نيسان 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط