بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وارث سليماني في العراق

شبكة البصرة

فاروق يوسف

قاآني اليوم يزور عراقا مستقرا تسيطر عليه الأحزاب والميليشيات الشيعية الموالية لإيران، إنه عراقها الذي فرضت من خلال حكومته أن يكون دولة دينية من غير الحاجة إلى الإعلان عن ذلك.

يوم كان قاسم سليماني يزور بغداد فإن أحدا لم يكن يملك سلطة الاعتراض على زياراته التي هي غير رسمية بالتأكيد. ولأن قائد فيلق القدس السابق لم يكن في حاجة لأن يطلب الإذن لدخول الأراضي العراقية فقد كان يعتبر سفراته محلية وقد لا يخبر أفراد عائلته بأنه ذهب إلى العراق. فما أنا على يقين منه أنه لم يكن يحب كلمة العراق وقد تكون هناك كلمة فارسية بديلة كان أتباعه في العراق يعرفونها.

أمّا حين قُتل سليماني في هجمة أميركية معلنة فقد أدرك أولئك الأتباع أنه لم يكن يشكل خطا أحمر ضمن قواعد الاشتباك. لقد تمت إزاحته بيسر وسمحت الولايات المتحدة لإيران أن تعبّر عن غضبها، لكن ضمن قواعد الاشتباك المتفق عليها. ذلك ما التزمت به إيران من خلال ما قامت به من ضربات محدودة ولقواعد أميركية متفق عليها. أما الميليشيات الولائية التي كان يديرها سليماني بشكل مباشر فقد صارت تزبد وترعد من غير أن تتمكن من الانتقام الذي يشفي غليلها. فالجهة التي قتلت سليماني تملك مجالا حيويا للرد لا يمكن لميليشيا أن تتصدى لقوته الساحقة والمدمرة.

لقد انتهى عصر سليماني ولم ينته عصر الإرهاب الذي ارتبط باسمه. كان الرجل المقرب من خامنئي قد أدار أذرع إيران في الخارج بكفاءة واقتدار استحق بسببهما ذلك الحزن الذي خيم على أوساط القرار الإيراني حين مقتله. وما رواية حسن نصرالله المتخيلة عن إمكانية أن يكون هو القتيل بدلا من سليماني إلا جزء من البنية السردية التي ستشكل فيما بعد سيرة حياة الإرهابي أو المقاوم الذي دافع عن المذهب.

كان سر قاسم سليماني يكمن في أنه يوم كان مقاتلا في الحرب الإيرانية – العراقية استطاع أن يتسلّل إلى جهاز الحرس الثوري في بداية نشأته وتمكّن من أن يحتل مكانا في الشعبة التي تدير الإرهاب الإيراني في الخارج، ما يعبّر عنه إيرانيا بتصدير الثورة. ذلك ما جعله على علاقة وثيقة بحزب الله اللبناني الذي تزعّمه فيما بعد حسن نصرالله ومنظمة بدر العراقية التي يتزعمها هادي العامري الذي كان هو الآخر مقاتلا في الحرب الإيرانية – العراقية. وكما يبدو فإن فيلق القدس الذي تزعمه سليماني كان مكلفا بإدارة شؤون الإرهاب الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.

بعد مقتل سليماني وقع فراغ لم يملأه تعيين إسماعيل قاآني زعيما لفيلق القدس. فالمسألة لا تتعلق بفيلق القدس بقدر ما تتعلق بآليات العمل خارج إيران وبالأخص في العراق. ذلك لأن لبنان منضبط في إطار عمل حزب الله أما العراق فإن شيعته السياسية موزعون بين أحزاب، يمكن أن ينقضّ بعضها على البعض الآخر في أي لحظة بسبب تضارب المصالح. فالبلد ثري وصفحة الفساد مفتوحة على آخرها. وكان سليماني وحده يملك القدرة على تحريك زعماء الكتل الشيعية باعتبارهم دمى. كانت خيوط اللعبة كلها بيديه. أما قاآني فإنه لم يرث تلك الموهبة وليس لديه خيال نوري المالكي في الفساد.

لا يحتاج قاآني هو الآخر لمَن يستقبله رسميا في العراق. فالحدود أمامه مفتوحة. عراق سليماني هو نفسه عراق قاآني بل إن عراق الأخير صار يحكمه الأتباع بسلطة مطلقة بعد أن تخلى مقتدى الصدر عن حصته في مجلس النواب ووهب الأصوات التي انتخبت 73 من تياره إلى الإطار التنسيقي الذي يضم الأحزاب الموالية لإيران. ما من مشكلات ولا خلافات. قاآني يدير بلدا مستقرا. فالأحزاب الشيعية التي استقرت في تحالف الإطار التنسيقي تعلّمت من هزيمتها درسا مهمّا، أن تخطط لهزيمة مَن هزموها. وهو ما نجحت فيه من خلال إعادة العمل بقانون الانتخابات الذي وضعه الأميركان عام 2005. ذلك ما سيجعلهم في الصدارة دائما. مهما اختلت النتائج فإنها ستكون لصالحهم.

قاآني اليوم يزور عراقا مستقرا. وهو عراق تسيطر عليه الأحزاب والميليشيات الشيعية الموالية لإيران بشكل مطلق. إنه عراقها الذي فرضت من خلال حكومته أن يكون دولة دينية من غير الحاجة إلى الإعلان عن ذلك. لذلك يمكن القول إن قاآني لن يفعل في زيارته الحالية شيئا سوى الاطمئنان على الدولة التي حلم سليماني بقيامها.

بقدر ما يطمئنّ قاآني على أحوال عراقه بقدر ما يطمئنّ على إدارته على الميليشيات التي تدير الإرهاب في المنطقة وذلك ما يبقي العراق منطقة خطرة.

العرب

شبكة البصرة

الثلاثاء 13 رمضان 1444 / 4 نيسان 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط