بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مدينة بغداد التاريخية: التداعيات المحتملة للعجلة في الإنجاز

أسئلة مشروعة الى الجهات المعنية وأصحاب المصلحة

شبكة البصرة

تغلب عبد الهادي الوائلي*

ظهر في الأسابيع الأخيرة بصورة فجائية مشروع اطلق عليه “مشروع إحياء مدينة بغداد القديمة” وقدم من قبل جهة لم يعرف عنها اختصاصها بأحياء المدن التاريخية ولا بالتخطيط الحضري او مشاركاتها الاكاديمية او المهنية في هذا المضمار. الا انه وفي نفس الوقت، فان الجميع يعلم ان هنالك مشاريع اخرى منها مشروع معلن ورؤية تمت مناقشتها منذ سنوات من خلال العديد من الجهات المعنية، حكومية كانت ام غير حكومية، من خلال مؤلفات وندوات ومؤتمرات وورش عمل ورفعت فيها توصيات الى مختلف الجهات الحكومية ومنها على وجه الخصوص امانة مجلس الوزراء ومكتب رئيس الوزراء.

وبغض النظر عن انتحال هذه الجهة لاسم المشروع وما يشكله ذلك من انتهاك لجهود وحقوق مؤسسات أخرى عملت طوال سنوات من اجل تحقيق ذلك الهدف الا انني سأتجاوز هذه الانتهاكات لأناقش تفاصيل ما قدمته هذه الجهة وما تنوي عمله.

فمن خلال اطلاعي على بعض ما تسرب من أوراق “ما سمي بمشروع الإحياء”، والذي يظهر انه يعتبر من اسرار الدولة العليا، اذ لا يعلم احد من المواطنين -وهم أصحاب المصلحة الاساسيين- ولا اغلب الهيئات المختصة او المتخصصين شيئا عن اهداف وطبيعة وحدود ومراحل وكلف ومخططات ومواصفات وآليات هذا المشروع الذي تمت الموافقة على تنفيذ “المرحلة الثانية” منه من قبل لجنة شكلت على عجل لينفذ خلال ايام من دون تمحيص او مناقشات او منافسات فنية او مالية، وهذه “المرحلة الثانية” كما ذكر، تمتد من ساحة الميدان الى ساحة الرصافي بضمنها شارع السراي.

وهنا اود ان أتساءل ؛ متى اعلن عن “المرحلة الأولى” لهذا المشروع لتكون هذه هي “المرحلة الثانية”؟ ام ان هذه المراحل اخترعت اليوم لتظهر بانها جزء من مشروع اكبر يهدف في الحقيقة الى استحواذ جهة واحدة على مقدرات المنطقة التاريخية وعقاراتها لتكون هي المخطط، وهي المصمم الحضري، وهي الاستشاري، وهي المقاول، وهي المستثمر، وهي الممول، وهي المختص بالتراث، وما يشكله ذلك من تضارب صارخ ومركب للمصالح بهدف الاستحواذ، فالموضوع لا يمكن اخفاؤه مثلما لا يمكن إخفاء ضياء الشمس بالغربال، كما يقول المثل.

وبما ان ما سمي ب”المرحلة الثانية” يتعلق بأحد اهم المناطق المتبقية في المدينة التاريخية من بغداد فان ذلك لا يهم أصحاب المصلحة -وهم عامة الشعب- مالكي هذا الإرث الحضاري فحسب، بل يهم أيضا المتخصصين في مجال التخطيط والعمارة والهندسة والتراث علاوة على المنظمات العالمية التي تهتم بالتراث العالمي وما يمكن ان تكون تداعياته على مستقبل المدينة التاريخية اذا تم بمعزل عنهم خاصة اذا لم يتبع ذلك المعايير المتعلقة بأصول الحفاظ على المناطق التاريخية والمباني التراثية والمعايير العالمية للمهنة الهندسية علاوة على الإجراءات الصارمة التي تتعلق بالنزاهة والشفافية وعلى الأخص منها الصادرة من البنك الدولي والمنظمات المانحة الأخرى.

 

وهنا اود ان اوجه كمواطن عراقي الاستفسارات التالية الى مختلف الجهات المعنية حول هذا “المشروع” وبالتحديد:

الى نقابة المهندسين العراقية:

هل “المنظمة غير الحكومية” المعنية التي قدمت المشروع وتتولى ادارته مرخصة بالعمل كاستشاري للتخطيط والعمارة ولديها التخصص المهني في التعامل مع التراث الحضري؟

وهل الوريقات المقدمة تتوافق مع المعايير الهندسية التي تراعيها نقابتكم للمهنة الهندسية؟

 

وزارة الثقافة وهيئة الاثار والتراث:

هل المعايير التي تتبعها وزارتكم للتعامل مع المباني التاريخية والتراثية تتماشى مع جداول الكميات المقتضبة التي يتم المصادقة عليها؟

هل تمت مصادقتكم على خطة متكاملة للتعرف على ما ستؤول اليه ملكية المباني التراثية العائدة لكم واستعمالاتها وامكانيات استثمارها وعوائدها المتوقعة؟

 

أمانة بغداد:

هل تمت الموافقة على المخطط العام لما سمي “إحياء مركز مدينة بغداد القديمة” كمخطط تنموي واخضع للمناقشة والدراسة كما اخضعت المشاريع التخطيطية الأخرى والتي استغرقت المصادقة عليها سنوات؟

هل درست تداعيات تنفيذ هذا المشروع ومراحله -اذا وجدت- لمعرفة تاثيراتها على الفعاليات والعناصر الحضرية الأخرى؟

هل تم ترخيص هذه الاعمال رسميا من قسم التراث لديكم من دون مخططات ومواصفات وهي تتعلق بمباني تراثية؟

 

وزارة التخطيط:

هل الوثائق المرفقة تتماشى مع تعليمات تنفيذ المشاريع الحكومية التي أصدرتها وزارتكم الموقرة؟

هل تم اطلاع إدارات التنمية المكانية لديكم على الخطة الكاملة وتمت مناقشتها واقرارها؟

هل تمت المقارنة ما بين توصياتكم الى امانة مجلس الوزراء بخصوص الندوة التي عقدت السنة الماضية لمناقشة المشروع المعلن بحضور أصحاب المصلحة والجامعات العراقية وما تم تقديمه من قبل “المنظمة غير الحكومية”؟

 

وزارة الاعمار:

باعتبار الوزير قيما على المهنة الهندسية بموجب القانون، هل الوريقات المرفقة تمثل ممارسة هندسية مقبولة بموجب المعايير الهندسية؟

 

البنك المركزي العراقي:

هل تتماشى معايير الشفافية لديكم في صرف أموال المبادرات وكلفها وطرق احالتها، والتي تعتبر من اول متطلبات أي مبادرة، على المشاريع التي تقوم بها “المنظمة غير الحكومية”؟

 

اليونسكو والايكوموس والمنظمات الدولية:

هل تتفق هذه المواصفات المقتضبة والاحالات مع سياساتكم حول التعامل مع التراث العالمي وخاصة واننا راقبنا طريقة تعاملكم مع ترميم الجامع النوري في الموصل؟

ما هي اجراءاتكم للحيلولة دون المساس بالإرث الحضاري للعاصمة العراقية والتي ناهز عمرها الالف وستمائة سنة على الرغم من مناشداتنا بهذا الخصوص؟

 

الأقسام الهندسية والمعمارية والاكاديميين في الجامعات العراقية:

هل التعامل مع المناطق التاريخية في بغداد بهذه الطريقة مقبول لديكم؟

واذا كان مقبولا، هل يمكن تدريس هذا النوع من المشاريع في اقسامكم واتخاذه مثالا يحتذى لممارسة المهنة وعمليات التطوير والحفاظ في المناطق التاريخية؟

 

هيئة الاستثمار:

هل لديكم علم بما يخطط له في اهم منطقة استثمارية في العاصمة العراقية والتي يمكن ان تكون لها تأثيرات كبرى على عملية الاستثمار والتحفيز الاقتصادي لها؟

هل عملية منح عقارات الدولة للاستثمار على بياض يتماشى مع سياساتكم الاستثمارية لتعظيم موارد الدولة؟

 

واخيرا، وليس اخرا أوجه سؤالي الى الامانة العامة لمجلس الوزراء:

هل ما تم تقديمه من قبل “المنظمة غير الحكومية” هو المخطط الوحيد الذي عرض عليكم خلال السنوات السابقة وليس هنالك دراسات غيره وخطط عمل جاءت بتوصيات من عشرات المتخصصين او من جهات حكومية متخصصة وخاصة تلك التي قدمت اليكم من قبلنا ومن قبل وزارة التخطيط؟

هل من الحكمة تنفيذ مخطط غير متكامل الأركان يحدد مستقبل المدينة ومستقبل أبنائها من اجل تحقيق انجاز سريع غير محسوب العواقب في اهم منطقة تاريخية؟

اذا كان الجواب على التساؤلات أعلاه بالإيجاب، ولتبقى اسرار هذا المشروع كغيره من المشاريع التي تقوم ضمن المبادرة المعنية او غيرها سرا من اسرار الدولة الكبرى.

 

وكلمة أخيرة اوجهها للمرة الاخيرة للسيد رئيس الوزراء بعد رسالتي اليه ومناشداتي المتكررة كونه يرعى هذا النشاط:

يعتبر مشروع “إحياء المدينة التاريخية” الذي ناضلنا من اجله لسنوات احد اكبر المشاريع الاستراتيجية في العراق والمنطقة بالنظر لحجمه واهميته الحضارية، وان تهميشه وتنفيذه بهذه الطريقة سيقضي على آمال المدينة بإعادة احيائها بصورة علمية ومنهجية، ويجير مستقبلها لصالح جهة معروفة هدفها الربح المادي والاستحواذ على مقدراتها التي لا تقدر بثمن. واذا تم لهم ذلك، فلنقرأ على بغداد السلام وموروثها الحضري ومستقبل مدينتها التاريخية. السلام.

والامر متروك لكم فيما تقررونه دولة الرئيس

فليس لنا او للمواطن البسيط الا صوتنا الذي سيعيد سماعه التاريخ، ولو بعد حين.

في انتظار الإجابات -التي قد لا تأتي ابدا- وحينها سأسلم بان قدر بغداد ان تبقى مهمشة ومظلومة ابدا.

*معمار مخطط مدن - عضو المنتدى العراقي للنخب والكفاءات/لجنة الاسكان والبنى التحتية

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

شبكة البصرة

الجمغة 8 شوال 1444 / 28 نيسان 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط