بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حرب القيم العالمية “تداعيات استراتيجية”؛

شبكة البصرة

أ.د هاني الياس خضر الحديثي

يواجه العالم الان حربا كونية جديدة أشار له مركز ال ذا ناشونال إنترست (The National interest) بانه حرب القيم ألتي لا تقبل المساومة او التجزئة.

الغرب الذي اوجع العالم بسياساته الاستعمارية وحروبه القذرة والابادات الجماعية للمجموعات والشعوب قصد تحقيق الهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية على العالم،و يزعم ان حربه ضد الشرق هي حروب الحرية ضد الاستبداد،والديمقراطية ضد الدكتاتورية، في حين يرى قادة بلدان الشرق انهم يدافعون عن قيم الشرق المتجذرة مجتمعيا تاريخيًا وجغرافيًا وحضاريا ضد مساعي الهيمنة لقيم التطرف اللبرالي للغرب الذي يستخدم الجانب المشرق للديمقراطية مع شعوبه، في حين يطبق الجانب المظلم من اللبرالية وسيلة لتدمير الاخر تحت عناوين حق تقرير المصير واحترام حقوق الانسان، وهو امر، بل قضية، حذر من خطورتها شيخ الدبلوماسية والاستراتيجية الامريكي هنري كيسنجر حين نصح حكومات بلاده، عدم التعرض للكرامة القومية وتهديد وحدتها لدى روسيا الاتحادية والصين الشعبية لان ذلك سيؤدي الى مواجهة مصيرية تحقق وحدة القوتين في مجابهة الغرب قيميا وثقافيا واقتصاديا و استراتيجيا، وهو ما نلاحظ تحققه بين القوتين الاسيويتين على مدار السنة الفائتة، والتي تم تعزيزها مؤخرا بالاتفاقيات الخاصة بإنشاء خط انابيب ألغاز الضخم ((سيبيريا 2)) ألذي سيربط سيبيريا بغرب الصين ضمن خطة استراتيجية للتعاون الاقتصادي يشكل الركيزة في المجابهة مع الاستراتيجيات الاقتصادية والامنية للولايات المتحدة، وبديلا استراتيجيا للشرق عن خط غاز نورد ستريم 1 و 2 الذي يزود اوروبا بالغاز الروسي.

الحروب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة وحلفائها في العراق وافغانستان وسوريا وليبيا شكلت القاعدة لهذا المنهج الذي دمر المنظومة القيمية لهذه البلدان تحت شعار القضاء على الدكتاتورية واقامة الديمقراطية، والان تشهد أوكرانيا بطريقة مبتكرة تصادم قيمي و حربا شاملة وعالمية بين منهجين (الغرب الرأسمالي المتسلح بقيم الاستيلاء والاستخدام والاستحواذ والتطويق لقوى الشرق، والشرق المعارض لهيمنة تطرف الغرب وعنصريته معبرا عنها بحرب الجيوبولتيك مع روسيا).

أن استخدام المنظومات الدولية و القضاء الدولي على غرار المحكمة الجنائية الدولية في اصدار قرارات مبنية على التلاعب بالنصوص القانونية وتسيسها عبر ازدواجية المعايير في التقييم تشكل احد اوجه نظام الهيمنة الامبريالية التي تسعى واشنطن وحلفاؤها الابقاء علي تسلطها وفرض منظومتها القيمية على مجمل النظام الدولي،بذات الوقت الذي يمتهنون الاخر متهمين اياه بما هو جزء من سلوكهم الجنائي دوليا ليدعموا انشاء ديكتاتوريات الطوائف والاعراق كما حصل في البلدان التي تعرضت للغزو الامريكي والتي تشهد اندلاع الصراعات الفئوية الاثنية التي باتت تشكل خطرا على الهويات الوطنية والقومية، نموذج بلدان المشرق العربي وامتداداته نحو البلدان العربية شمال افريقيا، يعزز من ذلك سلوك الادارات الامريكية العدوانية اتجاه شعوب العالم خارج نطاق الامم المتحدة والشرعية الدولية كما حصل في غزو العراق ودعم الحكومة الاوكرانية المتطرفة في عنصريتها أتجاه مكونات الاخر الداخلية، واستخدامها في حرب بالنيابة ضد قيم الشرق وتحت زعم الحرب ضد الاستبداد ونشر الديمقراطية، الامر الذي يؤكد ان حرب القيم بين الشرق والغرب تزداد، خلافا لدعوات حوار الحضارات والثقافات التي بشر بها مفكرين غربيين ومنهم خاصة امريكان استخدموا هذا الشعار عقد التسعينات لفرض ما يطلق عليه الحكومة العالمية (ألتي تحكم القرية الصغيرة) حيث الغاء الحضارات والثقافات الشرقية لصالح هيمنة قيم النظام الرأسمالي عالميا.

ان تصاعد رفض الشعوب والدول في اسيا وأفريقيا وامريكا اللاتينية لمنهج قيم الهيمنة الامريكية عبر رفضهم الانصياع لتحشيد العالم ضد مشاريع روسيا والصين في استعادة التوازن للنظام الدولي و عبر العمل على اقامة نظام دولي متعدد الاقطاب ومغادرة الوضع الاستثنائي في هيمنة قطب واحد، انما يؤشر بداية انفراط هيمنة القطب الواحد رغم جميع مساعي الزج بأوروبا وحلف الناتو في حرب بالنيابة في اوكرانيا كما حصل قبل ذلك في افغانستان وبلدان الوطن العربي ابتداءً بالعراق ثم ليبيا واليمن وسوريا.

ان اعلان السعودية مؤخرا موافقتها على الانضمام لمنظومة شنغهاي بصيغة الشراكة الاقتصادية والتي تضم الى جانب الصين وروسيا بلدان وسط اسيا ألاوراسية والهند وباكستان وايران وقطر ومصر وتركيا وترشيح الجزائر لدخولها فضلا عن ترشحها لمنظمة بريكس أيضا و بصفات العضوية الكاملة لبعضها او الشراكة للبعض الاخر لتتفاعل مع منظومة بريكس بقيادة روسيا والتي تضم الى جانب الصين كل من الهند وجنوب افريقيا والبرازيل انما يؤشر بوضوح طبيعة الاستقطابات الجيوبولتيكية المتفاعلة مع منظومة القيم في مواجهة قيم النظام الرأسمالي، و ليعزز مفهوم صراع الحضارات او استقلالها بدلا من الاندماج الحضاري كما روجت له الولايات المتحدة واستخدمت لأجله المنظمات الدولية وسيست المحاكم الدولية والبابوية الكنسية فضلا عن المحكمة الجنائية الدولية لفرض مفاهيمها وسلطويتها على العالم.

وفي هذا المجال فان شعوب الشرق والجنوب من جهتها مدعوة لمواجهة مزاعم الولايات المتحدة من جهة، وتحقيق نهضة معاصرة في الحكم، عبر انتاج أنظمة تتفاعل فيها منظومة القيم التاريخية والقيمية حيث الرمزية الملهمة للشعوب، مع متطلبات المعاصرة في المشاركة السياسية والثقافية واحترام الاخر وباتجاه التعددية في مراكز الاستقطاب سياسيا وثقافيا وقيميا واقتصاديا و جيوبولتيكيا لمنح العالم فرصة النموذج البديل والأفضل.

أستاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، عضو لجنة العلوم السياسية

المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

شبكة البصرة

الثلاثاء 13 رمضان 1444 / 4 نيسان 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط