بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حملات التحريض لم تتوقف

شبكة البصرة

وانضم لهذه الحملات نواب ومسؤولون كبار دون رادع من قبل الحكومة، التي صرح مسؤولوها بمن فيهم رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي، والحالي محمد السوداني، برغبتهم بإنهاء هذا الملف. وتضمن برنامج السوداني الحكومي إناطة الملف الأمني بالقوات الأمنية وإخراج الميليشيات من مراكز المدن وإعادة النازحين، لكنها لم تنفذ في المحافظات والمناطق المنكوبة.

وضمن الحملة التحريضية الأخيرة، وصف المسؤول الأمني في ميليشيا حزب الله “أبوعلي العسكري” النازحين بالإرهابيين، معتبراً أن عودتهم إلى العوجة وآمرلي وبلد وأبوغريب وجرف الصخر والكرمة ومناطق البو نمر والجغايفة وسنجار ومثيلاتها هي “حلم عودة إبليس إلى الجنة” حسب تعبيره. أما النائب “علي تركي” ممثل مليشيا العصائب في البرلمان، فقد قال إن “ملف جرف الصخر لا يمكن الخوض به، حيث لن يسمح بعودة الإرهاب إلى هذه المنطقة”.

ويقدر شيخ عشيرة الجنابيين “عدنان الجنابي”، ألذي ينتمي أغلب النازحين إلى عشيرته، عدد نازحي جرف الصخر بأكثر من 7500 عائلة، فيما ذكرت بيانات وزارة الهجرة والمهجرين إن عدد سكانها الإجمالي يبلغ 140 ألف نسمة، يعيشون ظروفاً قاسية في مخيمات يطلقون عليها “معسكرات النفي الحكومي”، بغياب وإهمال متعمد من قبل الجهات الرسمية.

 

مجهولو النسب في العراق..” كيبوتسات” على الطريقة الإيرانية

لكي يسجل المولود لأبيه، يشترط قانون الأحوال الشخصية العراقي، أن يولد لأبوين شرعيين من زواج رسمي ثابت، فإن لم يكن أبوه معروفاً ينسب لأمه، أما إذا كان الأبوان مجهولين فيُطلق على المولود اسم كريم أو كريمة النسب، ولا يُسجَّل له اسم عائلة.

وفي حين لم يتجاوز عدد هؤلاء قبل الإحتلال بضع عشرات، إرتفع بعد عقدين من الزمان إلى آلاف المواليد بسبب الفوضى والحروب والأزمات والفقر والعنف وانتشار الزواج غير الشرعي وحوادث الاغتصاب وانهيار منظومة القيم، التي كان للدين والعشيرة والمدرسة والقانون أثر في بقائها متماسكة.

وساهم بتفاقم الأزمة، الإحتكاك بثقافات دخيلة وغريبة عما درج عليه مجتمع محافظ كالمجتمع العراقي، حيث سهلت الأحزاب الحاكمة لكثير من الأجانب الحصول على الجنسية العراقية والاستيطان في البلاد، وتبعاً لذلك التأثير بثقافاتها وأعرافها.

ولا تقتصر هذه الفئة على الأطفال مجهولي النسب، فقد نشأ بسبب الظروف الإستثنائية التي مرت بها البلاد جيل من الأطفال الذين فقدوا ذويهم وأوراقهم الثبوتية، خاصة في المناطق التي شهدت حملات تهجير وعمليات عسكرية، أصبحوا بعدها معرضين للتميز من قبل السلطات، ولا يتمكنون من إثبات نسبهم.

وكعادتها في خلق الظواهر الاجتماعية السلبية والاستثمار فيها بما يخدم مشاريعها، عملت إيران عن طريق الأحزاب العراقية الموالية لسياساتها، على احتواء أعداد من مجهولي النسب، لتنشئتهم وفق ما يخدم أجندتها، مستغلة المصاعب التي يواجهونها في العيش بلا مستمسكات رسمية تثبت هويتهم، وبالتالي حرمانهم من حقوقهم، بما فيها حق التعليم وحق العمل.

 

“كيبوتسات” على الطريقة الإيرانية

ويؤكد أستاذ علم الاجتماع الدكتور “عبد السلام الطائي”، أن عدداً من هؤلاء أودع في دور أيتام خاصة لتنشئتهم تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني، ليكونوا مستقبلاً من أصحاب المهمات الاستخبارية الخاصة، على غرار تجربة “الكيبوتسات” التي أنشأتها العصابات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وكيبيوتس كلمة عبرية لها بُعد شبه ديني، وتعني “تجمُّع”، حيث يطلق المصطلح اليهودي الديني “كيبوتس جاليوت” على يهود العالم، الذين جرى تجميعهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويستخدم الصهاينة هذا المصطلح للإشارة إلى مستوطنات تعاونية تضم الواحدة منها بين 450 و600 مستوطناً يعيشـون ويعملون سـويةً. وبمرور الوقت أصبح الكيبوتس أهم مؤسسة استيطانية استثمر فيها الاحتلال الصهيوني، باعتباره مؤسسة نموذجية لتوليد جماعات تناط بهم مهام شبه عسكرية، وهي التجربة التي يرى الطائي، أن إيران تحاول إعادة إنتاجها، باستغلال أعداد كبيرة من الأطفال الذين ولدوا في العراق، في ظروف شاذة ساهمت هي بخلقها.

ولا يشترط الاحتلال الصهيوني إتجاهاً سياسياً محدداً يجمع أعضاء هذه التعاونيات، لكنه يشترط ولاء الجميع لسياساته الاستيطانية التوسعية، ومن هنا وجد باحثون أوجه الشبه بين الكيبوتسات الصهيونية والإيرانية، فبحسب الباحث “سلام غازي”، فإن إيران “لا يهمها إن كان الجيل الذي سيتخرج من دار الأيتام أو المدرسة التابع لها موالياً لميليشيا العصائب أم لميليشيا بدر، طالما أن الولاء في النهاية سيكون لسياساتها”.

 

عقبات أمام إقرار القانون

ويحذر الدكتور الطائي، من أن “تصبح الاجيال القادمة مستقبلاً خلايا بشرية نائمة، وأحزمة ناسفة للمجتمع العراقي، تستدعي مزيداً من الإنتباه والحذر الشديدين من جيل مصطنع أنتجه الإحتلال، وتالياً لغرض إيصالهم للسلطة على المدى البعيد”.

وبالمقارنة مع التجربة الصهيونية، يمكن استنتاج أن “الكيبوتس” الصهيوني، قد أنتج بالفعل قيادات مثل “بن جوريون وموشيه ديان وشيمون بيريز وييجال آلون”، وغيرهم من أبناء الكيبوتسات.

ويرى متخصصون بالبحث الإجتماعي، أن تفاقم هذه المشكلة بعد الإحتلال، وخاصة في السنوات التي شهدت نزاعاً عسكرياً في العديد من المحافظات العراقية، يستدعي إيجاد حلول سريعة لهذه الشريحة من الأطفال، ألذين وجدوا أنفسهم فجأة وسط ظروف لم يكونوا مسؤولين عنها، وذلك بتشريع قوانين تنقذهم من السقوط في الفخاخ الإيرانية. وتحدثت العضوة السابقة في لجنة المرأة والأسرة والطفولة في مجلس النواب “ريزان شيخ دلير”، عن قانون حماية الطفولة والبروتوكولين الملحقين به، والذي يلزم الحكومة بتشريع قانون لحماية الطفل، وتوفير التعليم والصحة والبيئة الآمنة له، وعن العقبات الكثيرة التي واجهته. واستعرضت شيخ دلير في لقاء صحفي هذه العقبات، مؤكدة أن مسودة القانون أُرسلت إلى مجلس الدولة وتأخرت هناك، ثم أرسلت إلى مجلس الوزراء الذي صادق عليها وأرسلها إلى مجلس النواب، وبسبب عدم انعقاد جلساته تأخرت القراءة الأولى، ورُفعت لاحقاً إلى هيئة الرئاسة لتوضع على جدول الأعمال، ومرة اُخرى لم تنعقد الجلسات لعدم حضور النواب بسبب انشغالهم بحملاتهم الانتخابية، وأخيراً حذفتها هيئة الرئاسة من برنامج الجلسات.

 

تغيرت التسمية وبقيت المشكلة

وفي قرار سابق لهيئة رعاية الطفولة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، اُطلقت تسمية (كريم النسب)، بدلاً من (مجهول النسب) بالنسبة للأب أو الأم. وفي وقت اعتبرت أوساط اجتماعية القرار خطوة إنسانية تساعد في تخفيف الآثار الاجتماعية السلبية، التي تواجه شريحة كبيرة من الأطفال، يرى آخرون أن مجرد تغيير التسمية لا يساعدهم في شيء، حيث أن مجهولية نسبهم سترافقهم طوال حياتهم. وبحسب المتحدث الرسمي لوزارة حقوق الإنسان “كامل أمين”، فإن “المشكلة الأساسية تكمن في الوثائق الرسمية التي يجب أن يحصل عليها مجهول النسب حين يكبر أو حين يريد أن يتعيّن في إحدى الدوائر، حيث توضع في أغلبها علامات سواء برمز أو برقم، تشير إلى أن صاحب هذه الوثيقة من اللقطاء، وكأننا ما عملنا شيئاً؛ وهذا يتطلب تشريعاً قانونياً لا تملكه دور الإيواء التي تحل محل ولي الأمر”.

وكان المشرع العراقي قد أصدر عام 1972 قانون الأحداث رقم (64) لإنصاف هذه الشريحة، ثم ألغي عام 1983 ليحل محله قانون رعاية الأحداث رقم (76) المعدل، الذي كفل حق الأيتام وكريمي النسب، واعتبرهم أبناء الدولة لحين بلوغهم.

وكالة يقين

شبكة البصرة

الخميس 29 رمضان 1444 / 20 نيسان 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط