بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إجحاف بحق الأغنية الوطنية العراقية

شبكة البصرة

كرم نعمة

عندما تقتصر القراءة النقدية للأناشيد الوطنية التي قدمت أثناء الحرب العراقية - الإيرانية، على الجانب السياسي المنحاز، فإنها تظلم اللحن العراقي أكثر من أن تبدي ازدراءها للنظام السياسي.

اقتبس زميل عزيز أغنية ماجدة الرومي عن بيروت بوصفها أنشودة وطنية لا يكتفي اللبنانيون وحدهم بالترنم بها، متسائلا عن الأغنية الوطنية العراقية التي يمكن أن نضعها هنا كمعادل فني.

ومع شرعية السؤال وأهميته، إلا أنه لا يخلو من الاجحاف بحق الأغنية الوطنية العراقية كنتاج تعبيري، لسوء الحظ يتم التعامل مع قيمتها الموسيقية بدوافع سياسية أكثر من فنية. تلك المغالاة النقدية بقيت ترافق الأغنية الوطنية منذ خمسينات القرن الماضي، بحيث لا يتم التعامل مع ألحان الموسيقار صالح الكويتي في الأغاني الوطنية مثلا بنفس القدر مع ألحانه العاطفية “واحدة من أشهر ألحانه كانت بعد وفاة الملك غازي أدتها سليمة مراد”، نفس الحال غيب أغاني ناظم الغزالي الوطنية لأنها مرتبطة بحقبة سياسية.

هذا الإجحاف، خصوصا لما قدم منذ بداية عقد السبعينات، لا يعدو كونه مجرد نظرة سياسية قاصرة عن القيمة الفنية، أو عدم فهم دلالة الأغنية عندما لا يتم مثلا معاملة أغنية “يا عشقنا” التي كتبها كاظم الرويعي ولحنها حميد البصري لصوتي فؤاد سالم وشوقية، أو “نحب لو ما نحب” التي كتبها كاظم السعدي ولحنها جعفر الخفاف لصوتي سعدون جابر وسيتا هوكبيان كأغان وطنية! مع أنهما مثال وطني وعاطفي يستحيل ألا يضعهما صاغة عقد الأغنية في أثمن مجوهراتها، إلى درجة أن فؤاد سالم عبر عن استيائه آنذاك بعدم اختيارهما في مهرجان الأغنية العربية الأول الذي أقيم في دمشق عام 1972 وفازت فيه أغنية “سومري” للفنان فاضل عواد بالجائزة الذهبية.

خذ مثلا أنشودة “ماهو منك يا شعبنا” النص الذي كتبه زامل سعيد فتاح ولحنه طالب القره غولي، لفرط وطنيتها بقيت هذه الأنشودة حية وملائمة لكل الأزمان السياسية، مع أنها نتاج مرحلة تأميم النفط 1972. من بمقدوره اليوم الاستماع لهذه الأنشودة دون أن يذوب ولها معها ويتجاوز أي مزاج سياسي يسيطر عليه.

بل إن لحن الفنان محمد جواد أموري لقصيدة زهير الدجيلي “سنبل الديرة” التي برع في أدائها أيما براعة صوتا مائدة نزهت وفاضل عواد، يكاد يكون الدرس الموسيقي الوطني الباهر عندما يصدح صوت فاضل عواد وكأنه قادما من أعماق التاريخ “راسم الثورة على زندي/غنت الموصل عتابة ورددت ميسان نايل”. لو أعادت القنوات الفضائية اليوم هذه الأنشودة فمن بإمكانه أن يزعم بأنها نتاج مرحلة سياسية معينة؟ لا أحد! لأنها أغنية وطنية عراقية بامتياز خارج حدود الزمن السياسي الضيق.

عندما تقتصر القراءة النقدية للأناشيد الوطنية التي قدمت أثناء الحرب العراقية - الإيرانية، على الجانب السياسي المنحاز، فإنها تظلم اللحن العراقي أكثر من أن تبدي ازدراءها للنظام السياسي، مع أن هناك أناشيد لحنت على مدار ثماني سنوات كانت بمثابة دروس تاريخية في الموسيقى، فلحن الفنان الشهيد محمد عبدالمحسن لنص عبدالجبار الدراجي “عرس الكاع” ولحن الفنان طالب القره غولي لقصيدة كاظم الركابي “مشينا للحرب” ولحن الفنان جعفر الخفاف لقصيدة كاظم الرويعي “على ظهور الشقر شدو الخيالة” دروس لحنية في غاية التعبير لا يمكن أن يمسحها النقد المأزوم سياسيا، لأننا بالأساس نتعامل هنا مع إبداع موسيقي خارج من شغاف القلوب.

لدينا مثال لا يمكن أن نعبّر عنه عند الحديث عن الأغنية الوطنية، ولو تسنى للزميل الذي اقتبس أغنية “بيروت” مقارنته معها لقدر قيمة الأغنية الوطنية العراقية. “فرحانة ديرة هلي” التي كتبها جاسم السيف ولحنها عميد الغناء العراقي عباس جميل لصوت مائدة نزهت، تكاد تكون درسا أوبراليا، إلى درجة أن نوتتها كتبت وعلقت أمام بيانو كان موضوعا في القصر الجمهوري ببغداد، وعند زيارة رئيس وزراء دولة أوروبية شاهد النوتة فلم يستأذن من المضيفين وجلس يعزف اللحن، وسط ذهول وإعجاب المسؤولين العراقيين الذين كانوا يرافقونه!

العرب

شبكة البصرة

الاحد 18 رمضان 1444 / 9 نيسان 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط