بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

عُقدة الصِغَر أمام العراقيين

شبكة البصرة

د. ماجد السامرائي

مهما حاول أبناء العراق طي صفحة الماضي وتلمّس سلوك سياسي أخوي متبادل بين العراق والكويت فإن بعض الكويتيين من العائلة الحاكمة يثبتون يوميا عدم تخلصهم من عقدة الماضي.

لا يمكن للكاتبة الكويتية هبة مشاري زوجة رئيس البرلمان الكويتي التهرّب من مسؤولياتها الاعتبارية والإنتاجية كونها كاتبة مسلسل “دفعة لندن” الذي انتقصت فيه من المرأة العراقية والرجل العراقي، حين جعلت العراقية تعمل خادمة لدى الكويتية والعراقي شخصا سارقا ونصّابا. كان الأفضل لها أن تصمت دون أن تبرر فعلتها بتعقيب يهين العقل العراقي مجدداً، حين لخّصت القصة بأنها “إسقاط على سرقة العراق من العراقيين، سرقة تاريخه وإرثه الحضاري ومستقبل أبنائه بسبب الحرب والانقلابات والمؤامرات العالمية”.

لا يُلام العراقيون على احتجاجاتهم المشتعلة نساء ورجالاً على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد دفعت كثيرا منهم إلى استحضار مسلسل الانتقام من العراقيين منذ ثلاثة عقود وقبلها وإلى حد الآن، بمحطات سوداء تكشف عن وقائع مسلسل سرقة الكثير من مواقع السيادة العراقية على الأرض والمياه، هم بذلك يتوافقون مع الأحزاب الفاسدة الحاكمة في بغداد.

 

هذه الكاتبة (هبة) تعتقد نفسها مبدعة كبيرة، وهي في حقيقتها ومن خلال اطلاعنا على بعض أعمالها لا تصلح تلميذة عند عمالقة الكتاب العراقيين المعاصرين، خصوصاً خلال العقود الخمسة الأخيرة، مثل الكاتب العبقري صباح عطوان الذي كتب إلى حد اليوم 800 ساعة تلفزيونية ما بين فيلم ومسلسل ومسرحية، ويتذكر المشاهدون العراقيون والعرب، وبينهم الكويتيون، المسلسلات المتعلقة بالمرأة مثل مسلسل “فتاة في العشرين” عام 1979.

الرد الثقافي الفني على المبتدئة التي تعتقد أنها ستكتسب الشهرة المزيفة بإهانتها العراقيات والعراقيين، هو العمل الأخير لصباح عطوان مسلسل “سيدة الرجال” حيث عبّرت “الحاجة جمارة” عن كفاح المرأة العراقية وصمودها لتربية أبنائها ووصولهم إلى أعلى المراتب الدراسية رغم الظروف القاسية.

لا يلغي حقيقة إساءة الكاتبة الكويتية المزعومة للعراقيين سذاجة تنصّل وزارة إعلامها من المسؤولية، ورميها على الجانب السعودي المنتج للعمل، كذلك سخافة ما برّرته إحدى الكاتبات الكويتيات بأن هبة تعمل لدى قناة MBC. المضامين في أيّ عمل درامي يضعها كاتب السيناريو نفسه، وهذه محاولة فاشلة ومتخلفة من المدعوّة هبة للهروب من فعلتها الشنيعة عبر كلمات “إسقاطات المهووسين العراقيين بالمؤامرة”، باعتقاد منها ومن الكويتيين الذين دافعوا عنها، وهذا من حقهم، أن العراقيين قد تخلوا عن مبادئهم وأصالتهم.

اطلعت قبل يومين على أقوى ردّ على هذه الصغيرة من أميرة الشعراء الكويتية سعاد الصباح تخاطب فيه هبة، نُشر الرد بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي العراقية، أذكر مقطعاً منه “هبة أنا صاحبة القصيدة: أعطني خوذة جندي عراقي أعطيك ألف شاعر. كتبتها عندما كنتُ أنا وآلاف النساء من أبناء جلدتك تحمينا صدور العراقيين وجرت دماؤهم تروي حتى أرض أزقتنا ورمالها، تركوا وراءهم نساء ثكلى وأطفالا أيتاما، وكل هذا لم تنحن قامة السومرية وعيونها مُسمّرة إلى نجوم السماء. هبة الصغيرة قبل أيام في ملتقى الخليج أما رأيت ‘نساء دفعة لندن’ كما سميتيها فتحوا أبوابهم لكل العرب وكأنها بيوتنا وتناسوا ما فعلنا بهم بعد أن جمعنا كل شياطين الأرض لنمزق بيوتهم ونستعبد نساءهم”.

لا ينتظر شعب العراق من المسؤولين في حكومة محمد شياع السوداني أن يدافعوا عن سمعة أبناء العراق لأنهم غارقون في غياهب الفساد. رئيس هيئة الإعلام والاتصالات العراقي تخابر هاتفياً مع وزير الإعلام الكويتي واتفقا على عدم السماح لأعمال فنية أن تسيء لعلاقة البلدين، وشكر المسؤول الإعلامي العراقي مواقف الكويت. لا نعرف عن أيّ مواقف شكره؟ هل عن قضم الأرض العراقية أم ضم مياه العراق إلى الكويت؟

مهما حاول أبناء العراق طي صفحة الماضي وتلمّس سلوك سياسي أخوي متبادل بين العراق والكويت، فإن بعض الكويتيين من العائلة الحاكمة يثبتون عدم تخلصهم من عقدة الماضي. هذا يجعل ملف العلاقات الكويتية – العراقية مرشحاً للانفجار بعد خروج العراقيين من كارثتهم الحالية، لهذا يدفع جميع الحاقدين على أهل العراق إبقاءهم تحت ظروف الهيمنة الخارجية والضعف والفوضى الأمنية والسياسية واستبعاد خروجهم مما هم فيه عبر التغيير السياسي الديمقراطي الحقيقي.

قصص الملفات كثيرة، سياسية واقتصادية، كل يوم تطالعنا بالجديد، قد يفيد التذكير بالبعض منها لعل العقلاء، إن وجِدوا داخل الأسرة الحاكمة، يراجعون تلك السياسات، ويتخلص الآخرون من عقدة “الصِغَر أمام العملاق”.

بعد مسلسل إيذاء العراق في نفطه المسروق عبر الحدود العراقية الكويتية خلال الحرب العراقية – الإيرانية، اندفع صدام بعد نهاية الحرب بحماقته العاطفية وابتعاده عن العقل السياسي بإقدامه على احتلال الكويت في أغسطس 1990، ولا نعتقد أنه لم يكن على دراية بمشروع اليمين الأميركي لتدمير العراق بعد انتصاره العسكري على إيران.

لا نريد الدفاع عن تبرير الرئيس العراقي السابق لدخوله الكويت أمام أول جلسة لمحاكمته، حين ذكر بأن أحد الوزراء الكويتيين هدد “بأن يجعلوا سعر العراقية في الشارع عشرة دنانير” كواحد من الأسباب التي دفعته لاحتلال الكويت. ذلك المثال الشنيع إن صحت الرواية إنما يصيب العاطفة والشرف العراقي في مقتل.

يتذكر العراقيون منذ أغسطس 1990 قبيل إخراج القوات العراقية من الكويت بدأت رحلة الكذب وتشويه الحقائق ضدهم والتي عملت عليها أجهزة استخبارية وإعلامية كثيرة داخل الولايات المتحدة وخارجها، من بينها القصة المُلفّقة رمي حضانات الأطفال الكويتيين في القمامة، التي مثّلتها ببراعة عن طريق إحدى شركات العلاقات العامة “نيرة” ابنة السفير الكويتي في الولايات المتحدة ناصر آل صباح. ثم كشفت اللجنة الحقوقية الدولية التي زارت الكويت لإحصاء خسائر الحرب زيفها.

فضيحة أخرى من مسلسل الفضائح الكويتية كشفها شرطي كويتي على إحدى القنوات الكويتية عام 2018، تحدث فيها عن إعدام 50 عراقيا مقيما في الكويت عام 1991، قائلا: “رفضت تنفيذ أمر مسؤول في الداخلية الكويتية بالإشراف على إعدامهم وطالبته بتسليمهم إلى أمن الدولة والقضاء، لكنه قام بإعدامهم في الشارع ودفنهم في مقبرة جماعية”. احتج بعض النواب العراقيين على هذه الجريمة وطالبوا رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بالإيعاز لوزارة الخارجية باستدعاء السفير الكويتي ومطالبته بأسماء الشهداء العراقيين الخمسين الذين أعدمتهم الشرطة الكويتية ودفنتهم في مقبرة جماعية؟

رئيس الوزراء عبد المهدي لم يكترث بالاحتجاجات العراقية خاصة بعد شهرين من تسلمه المنصب، يبدو أنه كان يستحضر تورطه في جريمة قتل أكثر من 800 شاب عراقي في ثورة أكتوبر العراقية.

ملف التعويضات واحد من التلفيقات الكاذبة التي مارسها الحكام الكويتيون في مسلسل الانتقام. لا يعقل أن هناك 2.7 مليون متضرر من الغزو في حين ذكرت الإحصاءات الرسمية الكويتية المنشورة للسكان عام 1990 قبيل الغزو أن عدد سكان الكويت كان 2140000 منهم 600 ألف كويتي. طبعاً الهدف من التلفيق والكذب إيذاء العراقيين حيث دفعوا 52.4 مليار دولار تعويضات. وبلا مبالغة، عوضوا حتى من ترك مخدع زوجته ليلة الاجتياح العراقي للكويت. في 22 فبراير 2022 أعلن مجلس الأمن الدولي غلق هذا الملف بعد إيفاء العراق بالتزاماته المقررة.

ملف الحدود البحرية والبرية من أخطر الملفات التي تكشف تفصيلاته مدى التجاوزات الكويتية باستغلال حالة الضعف والفوضى الحالية التي يمر بها العراق في ظل أحزاب همها السلطة والمال، وهو ما يمثل فرصة ذهبية للكويت لتنفيذ مخططاتها بانتزاع المزيد من الأراضي والمياه العراقية بتواطؤ بعض الجهات الدولية، منها الولايات المتحدة وصمت حكومات بغداد التي وجه العديد من السياسيين اتهامات لها بالتواطؤ، بل وتلقي الرشاوى مقابل الصمت عن التجاوزات الكويتية وتنازلها عن الحقوق السيادية للبلد.

سبق أن اعترف وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري أمام مجلس النواب العراقي بعرض الكويت الرشاوى على أعضاء الوفد العراقي المفاوض مع الكويت حول الحدود المشتركة، وقبول بعض ضعاف النفوس أدعياء الدين السياسي ذلك.

المسؤولون الكويتيون بعد أن أعادتهم الولايات المتحدة إلى السلطة فرحوا بأخبار تدمير جيش العراق بالقنابل والصواريخ الأميركية، وسارعوا إلى تنفيذ رغبة واشنطن بدعم ما سمّي ببعض المعارضين العراقيين “المرتزقة” قبل عام 2003.

شهادة للتاريخ أذكر أن أحد العراقيين المعارضين وهو عسكري فاتحني عام 2002 بتأليف كتاب عن صدام مقابل مبلغ يدفعه الكويتيون قائلاً “أنت قادر على تأليف كتاب بمدة شهر واحد، يعطيك الكويتيون مقابله خمسين ألف دولار، أنا فعلت ذلك في تأليفي كتاب حطام البوابة الشرقية”.

كانت محاولة لتجنيدي جاسوسا ضد بلدي وعميلا. رفضت بقوة هذا العرض المهين كما رفضت سابقاً محاولات المخابرات الأميركية رغم حاجتي الشخصية.

إذا كانت حكومات العراق في العهدين الملكي والجمهوري طالبت بعودة الكويت إلى العراق استناداً إلى الوثائق التاريخية، فإن قيام التحالف الأميركي الدولي بإعادة الأسرة الكويتية إلى الحكم بسلاح 132 دولة بعد طرد الجيش العراقي وتدميره ثم غزو العراق عام 2003 لا تعني نهاية القصة إن لم يتخلص حكامها من عقدة الثأر والانتقام، ويقدمون للعراقيين بَدَل استمرارهم في حكم الكويت، وليس استغلال الظرف الاستثنائي لهذا الشعب العظيم بإهانة نسائه ورجاله وسرقة نفطه وأرضه ومياهه.

العرب

شبكة البصرة

الثلاثاء 13 رمضان 1444 / 4 نيسان 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط