بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مقتدى الصدر بين كوابيس السياسة وأحلام الخلافة

شبكة البصرة

بعد الإنتكاسات والهزائم التي مني بها “مقتدى الصدر” على الصعيد السياسي في العراق، تحدثت تقارير صحفية عن طموحات تراوده بزعامة العالم الشيعي دينياً بعد موت المرشد الإيراني “علي خامنئي”، لعله يتمكن من استعادة بعض بريقه الذي فقده سياسياً. ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية، يتوجب عليه أولاً العودة إلى مقاعد الدراسة، لمتابعة دروس الحوزة في مدينة “قم” الإيرانية، لكي يترفع بعدها من رتبته الحالية “حجة الإسلام” إلى “آية الله”، التي تؤهله لهذا المنصب.

ويعتقد الباحث العراقي “إياد ثابت”، إن مقتدى الصدر قد يصبح “مرجعاً شيعياً للصدريين فقط، وليس لباقي الشيعة سواء من أتباع السيستاني أو خامنئي، لأن الآخرين يعرفون سطحيته وغير مقتنعين به إطلاقا كمرجع سياسي، فكيف به مرجعا دينياً”. ويتابع ثابت القول “ربما يعول الصدر بعد ذلك على التفاف الآخرين حوله لكونه الأكثر شعبية وفي بلد مهم دينياً واقتصادياً مثل العراق، وبالتالي يريد التعجيل في الحصول على درجة عملية شيعية أعلى من الحالية”.

على عكس ذلك يرى متابعون لسيرة الصدر، أن كثرة تقلباته وتناقض قراراته قد تدفع أتباعه إلى أن ينفضوا من حوله. ورصدت مواقع خبرية 10 قرارات اعتزال للعمل السياسي خلال 15 سنة.

وكان آخر هذه القرارات تجميد نشاط تياره عاماً كاملاً وإغلاق حسابه على تويتراعتباراً من منتصف نيسان الجاري، في أعقاب دعوة جماعة غير معروفة تطلق على نفسها تسمية “أصحاب القضية” لمبايعته باعتباره “الإمام المهدي”.

 

مسلسل التقلبات

وافتتح “مقتدى الصدر” هذا المسلسل عندما أعلن عام 2008 اعتزاله العمل السياسي، وأقام في مدينة قم بعد تجميده مليشيا “جيش الهدي” إثر هزيمتها على يد قوات “نوري المالكي” الحكومية، لكنه دخل في حكومة المالكي الثانية عام 2010، لينسحب منها في 5 آب/أغسطس 2013 ويعتزل العمل السياسي للمرة الثانية، وبعد 6 أشهر حل التيار الصدري وأغلق مكاتبه السياسية معلناً “الإنسحاب نهائياً هذه المرة” من العمل السياسي، لكن انسحابه “النهائي” لم يتجاوز الشهرين، حيث خاض تياره انتخابات نيسان/أبريل 2014 ليشارك في حكومة “حيدر العبادي”. ومن جديد جمد “كتلة الأحرار” التابعة لتياره في 20 نيسان/2016، وفي ذلك العام أصدر قراراً بتشكيل لجنة لإخلاء مكاتب التيار في كافة في المحافظات باستثناء النجف لتحويلها إلى دور سكنية للفقراء، لكنه وبدلاً من ذلك جمد عمل اللجنة، وشارك في انتخابات 2018 بتحالف أطلق عليه “سائرون”. وبداية تشرين الأول/أكتوبر من نفس العام أكد على انسحابه “نهائياً” من الحياة السياسية ومنع تحالف “سائرون” من تقديم مرشيحهم للحكومة، كما “وجه بإغلاق كل المؤسسات التابعة للخط الصدري لمدة عام كامل”، إعتباراً من كانون الثاني/ديسمبر 2019، وعاد وأعلن انسحابه من العملية السياسية أواسط تموز/يوليو2021، وقال في كلمة له “نعلمكم بأنني لن أشترك في هذه الانتخابات”، لكنه وبعد 3 أشهر من ذلك دفع تياره لخوض انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2021، وفي منتصف حزيران/يونيو 2022 قال في كلمة له إنه اعتزل العمل في السياسة “احتجاجا على الفساد”، وانه لن يشارك في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة الفاسدين” حسب قوله، وأكد أواخر شهر آب/أغسطس 2022 “الاعتزال النهائي هذه المرة، وعدم التدخل في الشؤون السياسية”.

وعلق متابعون للشأن العراقي على كثرة تقلبات مقتدى الصدر بقولهم، إذا كان قد نقض قراراته التي اتخذها بنفسه 10 مرات في 15 سنة، فما الذي ينتظره منه أتباعه، وخاصة “أصحاب القضية” منهم إذا أصبح “آية عظمى” لكل الشيعة حول العالم؟.

 

قراءة قاصرة لصورة واضحة

ويبدو أن الصدر صدّق ما قرأه في الدستور الإيراني، ألذي يقول أنه يسمح بتولي العرب وبقية القوميات لهذا المنصب، عندما ألمح لقائد فيلق القدس الإيراني “إسماعيل قاآني” برغبته تلك، خلال لقائه به في نيسان/أبريل الجاري في محافظة النجف، بحسب تقارير صحفية. وذكرت هذه التقارير إن قاآني طلب منه العودة للعمل السياسي، لكنه أجابه بأنه “يفضل أن يصبح مرجعاً دينياً في العالم الشيعي بدلاً من أن يكون مرجعاً سياسياً في العراق، وأنه يفكر أن يكون أرفع شخصية شيعية بعد وفاة خامنئي وعلي السيستاني” بحسب الصحيفة، ألتي استقت معلوماتها من مصدر قالت إنه رافق قاآني في زيارته للعراق. وأضافت الصحيفة إن قاآني فهم من الصدر إنه ربما يسعى إلى خلافة المرشد الإيراني علي خامنئي نفسه، إذ أن الدستور الإيراني والقوانين المتعلقة بانتخاب المرشد الأعلى لا تشترط أن يكون المرشد الأعلى إيراني الجنسية، لأنه مرشد ما تسميه إيران ب “الثورة الإسلامية”، التي تصدرها عبرمليشياتها لكل العالم، ولا تقتصر على إيران فقط.

واستغربت الصحيفة من طموح الصدر لهذا المنصب، حيث لم يعد خافياً على أحد أن قيادة العالم الشيعي من خلال منصب المرشد الأعلى هي حكرعلى القومية الفارسية، بغض النظر عما ورد في الدستور الإيراني، على أن يدين المرشد بمبدأ ولاية الفقيه، الذي يجعل الأمر كله بيده، يحشد الحشود ويجيش الجيوش ويخوض الحروب في أي مكان في العالم له أتباع فيه،.

ويرى متابعون للشأن الشيعي، أن المرشد يمكن أن يسمح بإناطة المناصب الأقل شأناً بأشخاص من قوميات اُخرى، لكن بصلاحيات محدودة، حيث يمكنه إجبار من يعارضه على التنحي، ومن السهل تكفيره أو تصفيته جسدياً، أو تشويه صورته أمام المتابع الشيعي البسيط، الذي لا يستطيع استيعاب الدور السياسي الذي تحاول زعامة إيران إسناده لرجال الدين، لخدمة أغراضها التوسعية.

 

الغدر بالحلفاء

وبالفعل فقد تعرض كثير من هؤلاء، وبعضهم من القومية الفارسية للإضطهاد، بسبب معارضتهم لسياسة جمهورية الخميني التي أسسها عام 1979، منهم نائبه “حسين علي المنتظري”، الذي عارض استمرار الحرب مع العراق ومحاكمات المعارضة من جماعة مجاهدي خلق، مما دفع خميني لعزله وفرض الإقامة الجبرية عليه حتى وفاته عام 2009.

ولم تعرف حتى الآن أسباب تنحي العراقي المقيم في قم “كاظم الحائري” عن المرجعية أواخر آب/أغسطس 2022، وتوصيته باتباع مرجعية خامنئي، وهي خطوة يرى مراقبون، أن أحداً لم يسبقه إليها.

أما رئيس حركة أمل اللبنانية محمد حسين فضل الله (توفي 2010)، فقد أوكل “حزب الله” المدعوم إيرانياً بمحاربته لرفضه مبايعة خامنئي، وقدرت المصادر قتلى الطرفين من اللبنانيين بحوالي 2500 شخص في معارك متقطعة جرت بين عامي 1985-1990

وبسبب معارضته للنظام، اتهم “محمد كاظم شريعتمداري”عام 1982 بالتخطيط لاغتيال الخميني وقلب نظام الحكم، وجرد من لقب “آية الله” ووضع تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته عام 1986.

وعارض نظام جمهورية الخميني العديد من مراجع الشيعة من الفرس وغيرهم، منهم الإيراني أبو القاسم الخوئي واللبناني علي الأمين الذي عارض ولاية المرشد الإيراني على شيعة البلدان الاُخرى، حيث لا يمكن أن تسري أوامر حاكم بلد على رعايا بلدان اُخرى لم يشاركوا بانتخابه. وكذلك اللبنانيان “هاني فحص” و”محمد جواد مغنية” وغيرهم.

وفي خضم هذه الصراعات، تساءل متابعون عما يريده مقتدى الصدر، وهل يسعى بالفعل لهذا المنصب، الذي يجب أن يمر عبر “قم”، أم أن التسريبات عن طموحاته هذه تأتي من باب ذر الرماد في العيون، للتغطية على دور جديد، ربما حمله له قاآني في زيارته الأخيرة، يضاف للأدوار السابقة التي اسندت اليه.

وكالة يقين

شبكة البصرة

الجمغة 8 شوال 1444 / 28 نيسان 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط