بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كيف تخدم الاسرائيليتين تحت غطاء عروبي؟ 1

شبكة البصرة

صلاح المختار

نشر شخص يدعى محمد سيف الدوله (انتبهوا لقبه سيف الدولة!؟) من مصر مقالا لمناسبه الذكرى ال20 لغزو العراق في 20 مارس 2023 ورغم ان ظاهره هو ادانة الغزو الا ان باطنه وما ورد فيه من محاور اساسية يلحق ضررا بالعراق والامة العربية وقضاياها العادلة، ويخدم مباشرة الاهداف الستراتيجية لكل من امريكا مهندسة الغزو، واسرائيل الشرقية واسرائيل الغربية اداتا تدمير الامة العربية، فهذه الاطراف الثلاث هي التي خططت لغزو العراق وتدميره، ولكن من بين هذه الاطراف الثلاثة اثبتت اسرائيل الشرقية، من خلال دورها الميداني، انها العدو الاخطر للامة العربية كما نراه الان في خرائط الكوارث العربية، وهنا سنجد هوية هذا (السيف) المكرس لخدمة دولة ولكنها ليست مصر ولا اي دولة عربية بل هي بؤرة الشر الاخطر في منطقتنا وهي اسرائيل الشرقية، فهو هنا سيف ممسوك بيد فارسية بصورة واضحة ولا تقبل الجدل، ولو كان فارسيا لقبلنا دوره ولكنه لانه يدعي انه ينتسب للعروبة فانه في هذه الحالة له تسمية اخرى سنؤخر ذكرها لما بعد ان تطلعوا على مؤشرات هويته.

وقبل ان اتناول الموضوع يجب ان اذكر ان ما جعلني افكر بعدم الرد عليه هو تهافته وهزاله الواضحين جدا من خلال مقاله، لكنني وقد قرأت ما سطره من تزوير للتاريخ المعاصر بوقاحة لايقدم عليها الا نفر محدد من البشر، وهم الذين لم يعد ضميرهم هو بوصلتهم بوصلة اخرى سنذكرها لاحقا، تجعلهم يقلبون الباطل الى حق، رغم اننا مازلنا شهودا احياء على تلك الاحداث الخطيرة، وشاركنا في بعضها خصوصا تلك التي كتب عنها، فغيرت رأيي وقررت الكتابة ليس ردا عليه، فهو لايستحق، بل توضيحا لمن قرأ مقاله وقد يصدقه.

في مقاله كم كبير من التزييف وتزوير ما حصل من احداث ولكنني سأبدأ من اكثرها كشفا للاسباب التي تدعو للفت النظر لاهدافه الحقيقية وهو موقفه من الحرب العراقية الايرانية لان تلك الحرب معروفة في اسبابها ومن اشعلها، ولكن للسيد محمد رأي لايمكن وصفه الا على انه مستنسخ حرفيا من الموقف الايراني، فماذا قال؟

يقول: (...بكم الهزائم والانهيارات التى حدثت بسبب الانفراد بالسلطة وصناعة القرار بلا مراقبة او محاسبة او تعقيب، ومنها تلك القرارات التى اتخذها صدام حسين باعلان الحرب على ايران 1980 او باحتلال الكويت عام 1990، قياسا على ما انتهى اليه حال العراق اليوم.) في هذه الكلمات الواضحة فانه يحمل العراق مسؤولية الحرب مع ايران بصورة مباشرة وواضحة. ثلاثة واربعون عاما مضت على حرب خميني على العراق وفي هذه الفترة الطويلة توفرت مئات الوثائق والادلة والوثائق التي تكشف كل ما اخفي من اسرار سابقا ومنها الدور الامريكي والصهيوني في حرب خميني على العراق، واعترافات قادة اسرائيل الشرقية بصورة رسمية بانهم من اشعل الحرب تحت غطاء نشر ما سمي وقتها للخداع والتضليل (ان تحرير القدس يمر عبر تحرير بغداد) ورغم ذلك يأتي السيد محمد ليكرر اتهام العراق بأنه من بدأ الحرب!

لنبدأ بشهادات ايرانية رسمية من داخل النظام الايراني: وليكن شهودنا اثنان من اعلى مستويات الحكم بزعامة خميني وهما ابو الحسن بني صدر اول رئيس جمهورية لايران بعد اسقاط الشاه، والاخر هو اول وزير خارجية لايران بعد اسقاط الشاه وهو ابراهيم يزدي، فماذا قالا؟ في سلسلة مقابلات ابرزها مع قنوات البريطانية (BBC) وروسيا العربية وقناة المانية وهي دويتش فيلا،اضافة لعدة مقابلات صحفية عالمية، كشف السيد ابو الحسن بني صدر حقيقة دامغة وهي (ان من بدأ الحرب وفرضها هو خميني وبطانته من الملالي)، وفيها اعترف بكل وضوح وكرر ذلك في كل مقابلاته بان (خميني هو من فرض الحرب على العراق باصراره على استفزازه وتنفيذ اعمال ارهابية داخله والاعتداءات الحدودية والتصريحات العدائية...الخ، دعونا نقرأ ونسمع ما قاله بني صدر:

1- قال ابو الحسن بني صدر في مقابلة مع قناة روسيا اليوم (كان خميني يحتاج للحرب مع العراق وعندما وقعت رفض ايقافها وان خميني وافق على استلام السلاح من اسرائيل)، وقال: إن سياسة “تخادم” المصالح المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران قائمة منذ زمن “إنهم في الظاهر أعداء. أما تحت الطاولة فإن الأمر يختلف تماماً، والدليل على ذلك فضيحة “إيران غيت” و«إيران كونترا” والتوافق على احتلال أفغانستان ومن ثم العراق). هذا ما قاله بني صدر حرفيا، وهذه هي المقابلة:

https://www.facebook.com/watch/?v=1297643236969959

2- اكد بني صدر في مقابلة مع ال بي بي سي (التلفزيون البريطاني) في 9-3-2020 بان (خميني تبنى خطة تشترط ان تحرير القدس يمر عبر تحرير بغداد، اي غزو العراق قبل تحرير القدس) وهذا: رابط المقابلة:

https://www.bbc.com/arabic/tv-and-radio-51806051

اما السيد ابراهيم يزدي وزير خارجية خميني فقد كرر في عدة مقابلات بان خميني هو من فرض الحرب على العراق وفيما يلي بعضا مما قاله:

1- في 28 أغسطس, 2017 تناقلت وكالات الانباء والصحف والفضائيات ومنها صحيفة (سبق) الالكترونية مقابلة ابراهيم يزدي، عبر برنامج "خشت خام" الذي يتناول التاريخ الإيراني، كشف فيه الوزير الأسبق بعض أسرار الحرب الإيرانية على العراق ودور الخميني في اندلاعها، واعترف فيه بكل صراحة أن إيران هي المسؤولة عن نشوب الحرب مع العراق. واكد يزدي في البرنامج، ب(أن آية الله الخميني، المرشد الإيراني وقتئذ، أدى دورًا في غاية الأهمية في اندلاع الحرب بين العراق وإيران، من خلال توجيهاته بالتحريض العلني ضد الحكومة العراقية في الإذاعات الرسمية، وتقديم الدعم للأكراد والشيعة، واستفزاز حكومة بغداد بكل السبب).

وكشف "يزدي" عن أن سفير إيران في بغداد، سيد محمود دعائي، (اية الله دعائي كان من اقرب الناس لخميني عندما عاش في العراق ولذلك عينه كأول سفير له في العراق) جاء دعائي لطهران وأبلغ المسؤولين الإيرانيين (أن ما تقومون به هو إعلان حرب، وأنه في حال وجود نية للدخول في حرب مع العراق، فالأفضل إخباره حتى لا يرجع لبغداد، إلا أن الخميني أمره بالرجوع إلى بغداد، معتقدًا أن صدام لن يجرؤ على الهجوم على إيران). ورد وزير خارجية إيران الأسبق على السؤال الذي سأله المذيع بخصوص إيران: "هل كانت تدعم خصوم العراق بالسلاح والعتاد؟ قائلاً: "إيران كانت تسلح المنظمات الشيعية والكردية على الحكومة العراقية في وقتها" وأضاف: "إننا مرارًا حذرنا الخميني بالكف عن تلك الأعمال؛ لأنه لا توجد حكومة تتبع تلك السبل والأفعال". وهذا هو نص المقابلة:

https://www.youtube.com/watch?v=nZnIjI2zPfg

ان هذه الاعترافات وغيرها كثير وهي كافية ولكننا نزيد ادلة اخرى لكشف الدرجة التي وصل اليها كاتب المقال من تجاهل الحقائق المنتشرة والمعروفة، منها مئات المذكرات التي قدمها العراق للامم المتحدة وفيها يوثق الاعتداءات الايرانية على العراق على الحدود، حيث اقيمت قواعد جديدة لاتبعد الا بضعة كيلومترات عن العراق ومنها قواعد جوية، وحشدت فيها اسرائيل الشرقية الاف الدبابات والمدرعات وقطع المدفعية ومئات الالوف من الجيش والحرس والباسيج وغيرها، واعلن خميني وبني صدر وصادق قطب زادة وغيره ان الجيش الايراني سيدخل لتحرير العراق، بل وصلت الاعتداءات حتى داخل بغداد حيث جرت محاولات اغتيال الشهيدين طارق عزيز ولطيف نصيف جاسم، وشملت بقية المدن العراقية حيث انتشرت الاعمال الارهابية لمنظمات تابعة لاسرائيل الشرقية فقتلت وفجرت مؤسسات منها وكالة الانباء العراقية ووزارة التخطيط، بل ان طائرات ايرانية قصفت العمق العراقي واسقط بعضها ووقع طيار اسيرا وقدم للعالم في لقاء اعلامي، وكل هذه الاعمال وقعت قبل ان يرد العراق في 22-9-1980 بضربات استباقية مشروعة بعد ان اصبح واضحا ان قرار شن الحرب الشاملة قد اتخذ.

وهنا نتوقف عند محطات اخرى مهمة للموقف الرسمي الايراني فقد اعلن خميني انه لايتقيد باتفاقية الجزائر لان الشاه وقعها مع العراق فأضطر العراق للتخلي عنها ايضا، وهي اتفاقية تمنع التدخل في الشؤون الداخلية من قبل كلا الطرفين، فاصبح خميني يتدخل يوميا في الشؤون العراقية، وهكذا اصبحت الحرب قائمة فعليا في الاعمال الارهابية داخل العراق والعدوانات العسكرية اليومية على الحدود وداخل مدن العراق واخذت القوات تقترب اكثر من الحدود فلم يعد من مجال الا الرد لابعاد تلك القوات عن الحدود، واحد اهم الاسباب الجوهرية لقرار العراق ابعادها عن حدوده هو ان المسافة بين مناطق تحشيد اغلب القوات وبغداد تقطع بساعة فقط، فلو دخلت تلك القوات من منطقة قصر شيرين الايرانية المحاذية لخانقين العراقية فسوف تصل الى بغداد بعد ساعة فقطـ، وهذا خطر عظيم على استقلال العراق وحياة شعبه، لذلك كان الرد  الاستباقي  EMPTIVESTRIKE- PRE، وهو مبدا من مبادئ الحزب، ضرورة حاسمة لايمكن تجنبها فقام العراق بمهاجمة التحشيدات على الحدود جوا ودمر قسم منها وابعد القسم الاخر، وكان قرار العراق هو الاكتفاء بهذه الخطوة الدفاعية الصرفة لكن خميني اعلن (الجهاد ضد الكفار البعثيين وصدام الكافر) واخذت قواته تهاجم العراق من مختلف الجبهات وليس من جبهة واحدة، فلم يعد من خيار امام العراق الا الرد، فنشات ما تسمى الان الحرب الايرانية – العراقية!

ان مجرد تذكر كل ما سبق يفضي حتما الى اقتناع كل مراقب محايد بان الحرب لم تكن قرار عراقيا بل كانت قرارا ايرانيا صرفا اتخذ مسبقا واعلنه خميني بعد انتصار الثورة فقال في اول تصريحاته ب(بعد ان اسقطنا الشاه سنسقط صدام) على الرغم من ان العراق ابدى حسن النية بصورة رسمية كانت ابرز مظاهرها ان المرحوم احمد حسن البكر الرئيس العراقي وقتها كان اول من هنأ النظام الجديد بالنصر على الشاه واول من اعترف به ببرقية معروفة ارسلت لخميني ولكن الاخير رد عليها بطريقة عدوانية، مستخدما في ختامها عبارة (والسلام على من اتبع الهدى). ناهيك عن ان قرار الحرب كان جزء اساسيا من مشروع (نشر الثورة الاسلامية التي يجب ان تبدا من العراق).

ويكفي ان نرى الان ان غزو العراق ادى تلقائيا الى احتلال اسرائيل الشرقية للعراق وسوريا واليمن ولبنان واعلان انها ستنفذ خططا لاحتلال السعودية وغيرها، ونشرت الفتن الطائفية في كل الاقطار العربية وكل ذلك تم بدعم امريكي، فمن سلم العراق لحكام طهران هو امريكا رسميا، والسؤال المهم هو: هل كان السيد محمد يجهل كل ذلك فيتهم العراق بانه من بدأ الحرب ام يعرفه لكنه يتجاهله عمدا؟ وما معنى ونتائج اتهام العراق بانه من بدأ الحرب؟ يقيننا انه كان يعرف كل شيء وبالتفاصيل لكنه اهمله لاغراض سنذكرها لاحقا، يتبع.

Almukhtar44@gmail.com

18-4-2023

شبكة البصرة

الثلاثاء 27 رمضان 1444 / 18 نيسان 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط