بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قراءة متأنية في الربيع السعودي الإيراني الجزء الخامس والاخير

شبكة البصرة

د. نزار السامرائي

عميد الاسرى العراقيين

تزامن وصول محمد بن سلمان لولاية العهد مع تصاعد النفوذ الإيراني على الحدود الجنوبية للسعودية بعد أن مدت إيران نفوذا كاملا على العراق وسوريا ولبنان، وبخاصة عندما استكمل الحوثيون سيطرتهم على صنعاء وعلى مساحات كبيرة من الأراضي اليمنية، فأطلقت السعودية عاصفة الحزم التي جاءت كتطور إيجابي لطرد إيران من اليمن، وصيانة من السعودية لأمنها القومي، ولهذا قوبلت عاصفة الحزم بموجة عريضة من الدعم والتأييد، حتى من قبل أطراف كانت تناصب السعودية العداء لزمن طويل، ولكن عدم حزم القيادة السعودية في التعامل مع الملف العسكري في عاصفة الحزم، حولها بعد مدة وجيزة إلى عاصفة رملية في صحارى جزيرة العرب، أوشكت أن تحجب الرؤية السليمة عن الزعامة السعودية بسبب الضبابية التي اتسمت بها خطوات تنفيذها، وخضوع الجهات السعودية إلى أوامر غربية منعتها من استكمال أهم صفحة في الحرب، وهي معركة تحرير الحديدة، ذلك أن السعودية اعتمدت على دعم خارجي مفترض وخاصة من الولايات المتحدة، التي ظلت تدعم الحوثيين سرا كما هو شأن السياسة الأمريكية في كل الملفات التي تتيح لها التحكم بالأوضاع الإقليمية لبسط هيمنة أوسع على الطاقة، وأماكن انتاجها وطرق مرورها، وإرسال رسائل مشفرة إلى إيران بأن واشنطن لن تقطع خيط الود معها ولن تغادر سياسة أوباما في تفضيل إيران منفردة على العرب مجتمعين.

كما أن السعودية عندما أطلقت عاصفة الحزم دخلت في تحالف غير مدروس مع دولة الإمارات العربية التي أكدت الأحداث اللاحقة أن أهدافها تختلف جذريا عن أهداف السعودية من التدخل في اليمن، ثم اشتبكت في خلاف حاد مع قطر التي سرعان ما بادرت إلى الخروج من العاصفة، ولم تكتف بذلك بل جندت جهد قناة الجزيرة للتنديد ببعض العمليات العسكرية لا سيما القصف الجوي وتعتبره الجزيرة جرائم تطال المدنيين الآمنين على الرغم من الطائرات القطرية كانت حتى وقت قريب تشارك في تلك الطلعات الجوية، وأظهرت قطر انحيازا إلى الحوثيين وبالتالي إلى إيران في خطوات مفاجئة ولكنها لم تذهل المراقب الذي يعرف حقيقة الخلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي، والتي يعود بعضها لخلافات بين زعماء القبائل التي توزعت حكم الدول بعد أن ظل رؤساؤها شيوخا للقبائل بينهم من أسباب الخلاف أكثر من أسباب المودة.

ولكن المراهن على الدعم الخارجي إنما يراهن على سراب مهما كانت قوة وعود الدعم الخارجي، لأنه لا يمكن أن يحمي النظام من السقوط، ولنا في تجربة شاه إيران ونظام حسني مبارك ونظام زين العابدين بن علي أمثلة على سقوط الاعتماد على الأمن المستورد.

والآن وبعد ما عانت المنطقة من ويلات هيمنة المشروع الإيراني، المدعوم أمريكيا وأوربيا، والمسكوت عنه عربيا، بعد خروج العراق من معادلة الأمن القومي، نرى أن من حق العربي الذي استبشر خيرا من المواقف السعودية التي أعلنتها السعودية بُعَيدَ الإعلان عن عاصفة الحزم في اليمن، هل شعرت السعودية أنها تعجلت في الانخراط في نزاع خارجي، بعد أن ظلت تنأى بنفسها عن الدخول في أية مواجهات عسكرية مع أي طرف، هذا إذا تجاهلنا ما فعلته في اليمن في عقد الستينيات، أو دخولها بثقل استثنائي، سياسيا وعسكريا واستخباريا في عاصفة الصحراء ضد العراق عام 1991، وخاصة من طراز ما يحصل في اليمن وهي العارفة بحقيقة التوازنات السياسية والعشائرية وتأثيرها على التحالفات العسكرية في البلد المجاور لها؟ وهل دفعت الظروف القاهرة، الأمير محمد بن سلمان إلى مد اليد إلى إيران، في خطوة فسرها المراقبون بأنها هزيمة مؤكدة للرؤية السعودية في مواجهة التهديد الإيراني لمكانتها الدولية والإسلامية خصوصا، وهل شعر محمد سلمان بأنه ومن أجل الحفاظ على حكم عائلة آل سعود، مضطر لتقديم هذا القدر من التنازلات المعلنة لإيران وغيرها مما لم يعلن، كي توافق على فتح صفحة جديدة لا يمكن أن تكون جادة بالالتزام بها في ظل أي ظرف من الظروف، بل تعتبرها خطوة وكأنها استراحة محارب شعر بأنه بحاجة إلى استرداد الأنفاس، كي يكرس ما حققه حتى الآن من مكتسبات سياسية ونفوذ إقليمي ومن هيمنة عسكرية حقيقية في أربعة أقطار عربية، فهذا الأسلوب الإيراني الذي يعتمد خطط المراحل العقدية لتنفيذ صفحات خطة السيطرة على المنطقة، خاصة بعد أن أوقف العراقيون مشروع تصدير الثورة الإيرانية لأكثر من عشرين سنة عند الحدود السياسية لإيران.

فهل درس محمد سلمان ومعه القوة المسيطرة على حكم المملكة العربية السعودية، نمط التفكير الفارسي الموروث منذ آلاف السنين والذي يتسم بالغدر والمراوغة والمناورة والخديعة، كما ينبغي قبل أن يتخذ قراره بالتقارب مع إيران ومنحها الفرصة للتخلص من أعباء الأزمات الداخلية التي توشك أن تعصف بحكم آيات الله؟ ولعل سؤالا صامتا ظل يتردد لدى كثير من القوى المؤثرة في القرار السياسي في البلاد، من الحكومة السعودية ومن الذين يخشون على مصيرهم أو امتيازاتهم مثل الامراء وعلماء الدين والصحفيين وخاصة من غير السعوديين، لماذا تبادر الرياض في اثبات حسن النية تجاه إيران، في حين أن الاخيرة تمثل دور المتأني الحريص على أن تكون خطواته مدروسة بعمق ومن دون استعجال المضطر، ولنأخذ أمثلة مما حصل بعد توقيع اتفاق بكين، ولعل أول خطوة تم رصدها، هي زيارة السفير السعودي في بغداد للسفارة الإيرانية تلبية لدعوة السفير الإيراني في العاصمة العراقية، لحضور مائدة إفطار، ألا يدل ذلك على أن السعودية اعترفت لإيران بزعامة العالم الإسلامي وخاصة أن ما أدخله محمد بن سلمان ينزع عن السعودية مكانتها كمركز اشعاع اسلامي لدى اكثر مليار ونصف مليار مسلم؟ والخطوة الثانية كانت عند حضور وزيري الخارجية السعودي والإيراني، في بكين في احتفالية لتكريس الاتفاق الثنائي، كان يجب أن يتصافح وزيرا خارجية البلدين ليضع وزير الخارجية الصيني يده فوق يديهما، تعبيرا عن ضمانة الصين لما جرى حتى الآن، ولكن الذي جرى أن وزير الخارجية السعودية مدّ يده للوزير الصيني فتصافحا ثم مدّ وزير الخارجية الإيراني ووضع يده فوق يديهما تعبيرا عن معنى لا يخفى على العارف بآليات العمل الدبلوماسي.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أن السعودية هي التي أرسلت وفدا فنيا لإعادة فتح سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد، وهما اللتان تعرضا للحرق من قبل عناصر مكلفة من أعلى مركز قيادي في إيران لتنفيذ تلك الجريمة، التي تشكل خروجا فاضحا لاتفاقية فيينا المنظمة للعلاقات الدبلوماسية بين الدول، وأخيرا زيارة السفير السعودي في اليمن إلى صنعاء في تنازل فاضح يؤكد أن السعودية وصلت حدا من الاستهانة بأرواح الضحايا السعوديين واليمنيين الذين سقطوا في الحرب، وسلمت اليمن للمحاصصة الطائفية التي تأكد فشلها في العراق ولبنان.

ومن أجل تبيان الصورة الحقيقية لما جرى ويجري على السطح، أرى أن من المناسب أن أسلط الضوء على حقيقة ما تفكر به إيران وما تخطط له:

1- طبيعة الحكم المعقدة في إيران، والتي تتمثل بوجود المرشد، والذي بيده كل قرارات الحل والربط في إيران، ويعتمد على الحرس الثوري في فرض وصايته على الدولة، وكل المناصب الرسمية من رئيس الجمهورية إلى السلطتين التشريعية والقضائية، أي أن الحكومة لا صلة لها باتخاذ القرارات المصيرية، إلا ما يأتيها من طبخات جاهزة من مكتب الولي الفقيه ويراد لها أن تمرر فكرة ملتبسة عن علاقات السلطات الحاكمة في إيران.

على هذا لا يمكن أن يُعتمد في سياسة إيران الخارجية، على أي رأي صادر من رئيس الجمهورية أو من وزارة الخارجية حتى في أكثر القضايا التصاقا بواجباتهم المعروفة، وهذا ما ينبغي على الحكومة السعودية أن تضعه في اعتبارها، ففي أية لحظة قد تجد أن كل ما اتفقت عليه مع إيران عبر المؤسسات الرسمية، قد تلاشى وأخذ طريقه إلى المحرقة أو الالقاء في صندوق القمامة إذا ارتأى المرشد ذلك، وسوف يجد لذلك ألف تفسير أو فتى ملزمة بأنه ليس في مصلحة المذهب.

أن سلطة تكوّين الجماعات والمليشيات المسلحة والأحزاب والمنظمات المختلفة، وكاملة الولاء لإيران تبقى حصرا من اختصاص المرشد، ولا تخرج عن طاعته، وتنفذ حرفيا ما يصدر لها من أوامر إيرانية على وفق ما تقتضي المصالح العليا لإيران وأمنها القومي، وحتى لو أعطت الحكومة الإيرانية أو وزارة الخارجية وعدا بحلها أو وقف نشاطها، فإن ذلك يبقى مثل شيك بدون رصيد، وبالتالي فإن طهران تسّخر هذه الجهات لفتح جبهات حرب سياسية وإعلامية وحتى ساخنة، مع أي طرف خارجي إقليميا ودوليا، يُراد ابتزازه أو أي طرف يدخل في مواجهة مع إيران، فتكون تلك الجهات أداة الزعامة الإيرانية في ممارسة شتى أنواع الضغوط بما في ذلك تنفيذ عمليات إرهابية ضد الطرف أو الأطراف التي يراد إضعاف مركزها التفاوضي، كل هذا بهدف تحسين الموقف الإيراني في مواجهة الجهات الخارجية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن إيران الرسمية لا تتردد بالتبرؤ مما يصدر عن هذه الجهات المرتبطة بها.

 

2- يدين أتباع إيران في كل مكان بالولاء العقائدي المطلق لأوامر الولي الفقيه ونواهيه، وهذا الفكر التكفيري لا يصح صدق الانتماء إليه، إلا بسب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه المطهرات من الأرجاس بالنص القرآني، وعلى الرغم من أن معممي إيران ما وصلوا إلى مواقعهم المتقدمة، إلا بالرضا الصامت بل والمُبارك لهذا الفكر التكفيري، إلا أنهم وحتى لأسباب سياسية لم يقل واحد منهم كلمة واحدة لوقف هذا السيل من القيح.

بالمقابل لا يوجد سني واحد يضع علي بن أبي طالب في غير مكانته من القدسية باعتباره أحد الأعمدة التي نهض بها الإسلام وثبت أركانه في المدينة المنورة ثم انطلق منها إلى سائر الأرجاء، ثم أن علي بن أبي طالب رضي الله هو رابع الخلفاء الراشدين وتحمل مع من سبقه من الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم بناء دولة الإسلام الأولى، وهذا ما تستغله إيران أبشع استغلال، لتأكيد صواب خطها الاعتقادي، وربما أرادت بكيل الشتائم والإساءة لصحابة رسول الله وأزواجه، استدراج موقف مماثل لمن تسميهم آل محمد صلى الله عليه وسلم، كي يكون الفريقان سواء، فتزعم حينذاك أن السنة النواصب ليقتفوا أثارها في السب واللعن، وهذا محال أن يحصل، لأن السنة ينظرون إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، بمن فيهم علي بن أبي طالب وولديه الحسن والحسين نظرة واحدة لا فرق فيها بين هذا أو ذاك، من دون إعطاء أحد صفة تفوق ما للبشر من صفات، فهم لا يعلمون الغيب ولا معجزات لهم أبدا.

هنا لا بد من الإشارة إلى أن إيران على استعداد لافت لتجنيد الأنصار من كل الأديان والمذاهب بمن فيهم القوى المتنافرة، وهنا نتوقف عند الموقف السعودي والإسلامي عموما الذي يأبى تجنيد الأتباع المختلفين معه، وربما حدث ذلك لمرة واحدة وقد لا يتكرر وذلك عندما مولت وجندت ما يسمى بالمعارضة الشيعية في العراق وفرشت لقادتها السجاد الأحمر في كل زيارة للسعودية، بل إن السعودية طفقت بالتبرؤ من معتقداتها تحت لافتة الانفتاح الذي يقوده بن سلمان، فتخلى بذلك عن أقوى سلاح معنوي كانت المملكة تمتلكه، كما أن السعودية لا تحسن التعامل المؤسساتي مع الجهات التي تمولها، بل تبحث عن أتباع مطيعين مهما تغيرت مواقفها.

العراق العربي

شبكة البصرة

الخميس 22 رمضان 1444 / 13 نيسان 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط