بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سرقات القرن تظهر تباعاً.. فشل حكومة أم فساد نظام؟

شبكة البصرة

إقترب عمر الدولة العراقية الحديثة من مائة عام ولم تشهد سرقة مثل قضية الإستيلاء على الأمانات الضريبية، مما دفع ناشطين عراقيين لتسميتها ب “سرقة القرن”.

وأبدى هؤلاء الناشطون استغرابهم من محاولات إلقاء اللوم على حكومة الكاظمي لوحدها، حيث شهدت العشرون سنة الماضية سلسلة لا حصر لها من السرقات، كان آخرها ما اطلق عليه “سرقة القرن الثانية” التي طفت على السطح في حكومة السوداني، بمحاولة بيع الأراضي المحيطة بمشروع مطار الأنبار.

ومنذ شباط/فبراير الماضي أصدرت هيئة النزاهة أوامر قبض واستقدام بحق 12 موظفاً في الهيئة العامة للضرائب لصلتهم بقضية الأمانات الضريبية، كان من بينهم مدير قسم الرقابة والتدقيق الداخلي، ومسؤول شعبة الرديات، ومسؤول شعبة النقدية، ومعاون مدير القسم المالي، ومدير قسم الرقابة الداخلية، ومدير قسم الخزينة العامة في الإدارة العامة، ومسؤول شعبة الابلاغ عن غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وموظفون آخرون.

وكانت أوامر قبض قد صدرت في وقت سابق شملت 4 مسؤولين كبار في حكومة الكاظمي بينهم وزير، قال القضاء إن لهم صلة بسرقة مليارين و500 مليون دولار من أموال الأمانات الضريبية.

وأوضحت دائرة التحقيقات في هيئة النزاهة الاتحادية، إن هذه الأوامر شملت كلاً من مدير مكتب الكاظمي “رائد جوحي” والسكرتير الشخصي له “أحمد نجاتي” ومستشاره السياسي “مشرق عباس”، ووزير المالية في حكومته “علي عبد الامير علاوي”.

 

الكاظمي ينفض يده

وبررت الهيئة ملاحقة مستشار الكاظمي السياسي بعدم كشفه ذمته الماليَّة “دون عذر مشروع”، لكنها لم توضح ماهي الأعذار المشروعة التي تمكّن أي موظف في الدولة من إخفاء ذمته المالية. وشغل الصحافي “مشرق عباس” مناصب عدة في حكومة الكاظمي، قبل أن يعينه عام 2021، مستشاراً للشؤون السياسية.

ومن بين الشخصيات التي أثار اعتقالها لغطاً كثيراً في الشارع العراقي، رئيس اللجنة المالية النيابية في البرلمان السابق والمستشار المالي للكاظمي “هيثم الجبوري”، وذلك لكثرة ظهوره على شاشات التلفاز وهو يتحدث عن ملفات الفساد والسرقات. وألقت قوة أمنية تابعة للهيئة العليا لمكافحة الفساد القبض عليه في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي لتضخم أمواله بشكل كبير.

وبحسب الهيئة العليا لمكافحة الفساد، فإن “دائرة الوقاية في هيئة النزاهة الاتحادية تحرت عن أموال المتهم، وأقيام العقارات والعجلات، وكميات الذهب التي وجدت لديه، فضلاً عن القروض وراتبه بصفته مسشاراً لرئيس الوزراء السابق، قدرت بعدها الهيئة أموال الجبوري بـأكثر من 16 مليار دينار، ومع ذلك اُطلق سراحه بكفالة مالية قدرها 25 مليون دينار، بحسب ما أفاد به مصدر أمني.

وكان رئيس الوزراء السابق “مصطفي الكاظمي” قد أبدى امتعاضه من الملاحقات التي تنفذها الحكومة الحالية، بقضايا تتعلق بسرقات تمت خلال ولايته، مضيفاً أن أوامر القبض التي طالت العديد من أركان حكومته كانت “إنتقامية”، وبدوافع سياسية.

 

تجريد الكاظمي من حمايته

وتناولت تقارير صحفية الإتهامات المتبادلة بين الحكومتين الحالية والسابقة، مشيرة إلى أن الإطار التنسيقي يريد تحميل الكاظمي ومساعديه كل المسؤولية عن سرقات وإخفاقات حكومته، رغم أن الإطار كان شريكاً أساسياً فيها. واستدلت التقارير على ذلك بقرار رفع الحماية الأمنية عنه، خلافاً لما جرت العادة عليه، حيث يحتفظ كبار المسؤولين بحمايتهم الأمنية، حتى بعد انتهاء مهام عملهم في الدولة.

وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانية، قد أشارت في تقرير لها إلى تورط الأطراف العراقية الحليفة لإيران بسرقة أموال الأمانات الضريبية، أو على الأقل غضت النظر عنها. واستبعد التقرير أن تمر سرقة بهذا الحجم دون علم “مكتب رئاسة الحكومة والمصرف الذي سمح بسحب الأموال وهيئة النزاهة والمصرف المركزي، كما ألمح التقرير لضلوع أطراف في منظمة بدر التي يترأسها “هادي العامري” زعيم ائتلاف الفتح، أحد أعمدة الإطار التنسيقي، الذي دفع بالسوداني لرئاسة الحكومة.

وقالت الصحيفة إنها أجرت لقاءات مع رجال أعمال مطلعين على عمليات تبييض الأموال وشراء الأراضي والعقارات في المناطق الراقية، كما اطلعت على وثائق مسربة تشير بوضوح لتورط مسؤولين كبار بتلك السرقات، مشيرة إلى مراسلات حكومية تمت مع مكتب الكاظمي، حول إلغاء التدقيق المالي الخاص بعمليات السحب من هيئة الضرائب.

 

عصر “نورزهير”

ويرى محللون سياسيون أن تداخل الخنادق بين المال والسياسة، خاصة مع غياب عامل الإنتماء الوطني، يضعنا أمام عدد دوري للسرقات والكوارث الإقتصادية والسياسية، لا ينتهي بنهاية ولاية الكاظمي أو السوداني أو من سيخلفه، لأن الفساد مرتبط بشكل النظام السياسي وتركيبته لا بالفاسدين كأشخاص، معبرين عن قناعتهم بأن العراقيين لن يبصروا ضوءاً في نهاية النفق مع تشكيل حكومة جديدة، ولن تكون صورة السوداني محاطاً بالمليارات التي قال إنه استعادها بعد اعتقال “نور زهير” الا جزءاً من صفقات متنفق عليها مسبقاً، فالتشكيلات الحكومية اللاحقة كما كانت السابقة نتاج كتل سياسية فاسدة تقتسم الأموال مع السارق ثم توفر الحماية له، أو تتخلص منه، رغم الجعجعة المصاحبة لكل تشكيلة حكومية جديدة.

وقبل أن يفتضح أمر اشتراك أطراف اخرى بالسرقة، حاول القضاء العراقي تحميل شاب مغمور يدعى “نور زهير” لوحده المسؤولية عن سرقة مليارين و500 مليون دولار من أموال الأمانات الضريبية، ثم أطلقت سراحه بكفالة بعد أن استعادت مبلغاً ضئيلاً منها. وعلق قاضي النزاهة على اطلاق سراحه بالقول، إن “المتهم نور زهير لديه عقارات واستثمارات تفوق المبلغ الإجمالي للأموال المسروقة، ومن المستبعد هروبه خارج البلد بعد خروجه بكفالة مالية قياساً بحجم استثماراته وعقاراته” حسب تعبيره.

وكانت أرقام رسمية سبقت “سرقة القرن” قد تحدثت عام 2020، عن اختفاء أكثر من 400 مليار يورو خلال 17 عاماً من عمر حكومات الإحتلال، هُرب أكثر من ثلثها إلى خارج العراق.

شبكة البصرة

الاثنين 4 شوال 1444 / 24 نيسان 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط