بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أزمة ثقة.. أزمة قيادة

شبكة البصرة

السيد زهره

اذا كانت فضيحة وثائث البنتاجون المسربة قد وضعت الإدارة الأمريكية في ورطة، فقد جاءت التصريحات التي ادلى بها الرئيس الفرنسي ماكرون لتضعها في ورطة أخرى وتفجر أزمة لها.

الرئيس الفرنسي في اعقاب زيارته للصين أثار لأول مرة بمثل هذا الوضوح والحسم أهمية فك تبعية الدول الأوروبية لأمريكا.

ماكرون طرح في هذا السياق عدة نقاط تشكل تحولا كبيرا:

1- ان أوروبا يجب أن تقاوم الضغوط الرامية لتحويلها إلى تابعة للولايات المتحدة وان أن تقلص ارتباطها بامريكا.

2- ان الدول الأوروبية يجب ألا تنجر إلى مواجهة بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان فليس من مصلحة أوروبا تسريع حدوث أزمة حول تايوان.

3- ان على دول الاتحاد الأوروبي "تقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي خارج الحدود الإقليمية"، هذا أعنف انتقاد لمواقف وسياسات أمريكا ولطبيعة علاقاتها مع الدول الأوروبية . وماكرون طرح آراءه هذه في اطار رؤية ترى ان اوروبا يجب ان تكون قوة عالمية عظمى مستقلة استراتيجيا عن أمريكا .

الدعوة لاستقلال أوروبا عن أمريكا ليست جديدة، لكنها هذه المرة تأتي من رئيس دولة أوروبية كبيرة مثل فرنسا وتطرح بكل هذه الصراحة والوضوح.

الأمر الذي يفزع أمريكا فيما قاله ماكرون انها تعلم ان دعوته هذه لم تأت من فراغ، وانما وراءها قاعدة من التأييد في الدول والمجتمعات الأوروبية. كما يفزعها ان الدعوة تأتي في وقت حرج بالنسبة لأمريكا وصراعها مع روسيا والصين ومساعيها لحشد تأييد حلفائها معها في هذا الصراع.

كثير من حكومات الدول الأوروبية في قرارة نفسها تتبنى دعوة ما كرون الى الاستقلال عن أمريكا، ولو ان قادتها لا يعبرون عن ذلك علنا.

الحكومات الأورويية تحت ضغط شعبي كبير جدا بسبب تبعيتها لأمريكا والثمن الفادح الذي تدفعه جراء ذلك.

الذي حدث ان ازمة حرب اوكرانيا كانت الدول والشعوب الأوربية هي اكبر من دفع ثمنها. أمريكا أجبرت الدول الأوروبية على سلسلة من المواقف السياسية والعقوبات ضد روسيا انسياقا وراء الموقف الأمريكي. كانت النتيجة ازمة كبرى غرقت فيها كل الدول الأوروبية .. ازمة طاقة وأزمة أسعار سلع أسايية وازمات معيشية هائلة، واستنزاف للموارد الأوروبية في دعم أوكرانيا.

والذي حدث ان قطاعا كبيرا مكن النخبة الأوروبية من كتاب ومحللين كتبوا ينتقدون انسياق أوروبا وراء امريكا واعتبروا ان هذه التبعية هي اكبر اسباب الأزمات التي يعاني منعا الأوروبيون وطالبوا بنفس ما طالب به الرئيس الفرنسي، أي عدم الإنسياق وراء أمريكا بهذا الشكل.

وهناك بالطبع تيار شعبي واسع في الدول الأوربية له نفس الرأي وعبر عن ذلك في مظاهرات واحتجاجات ويضغط على الحكومات الأوربية كي تفك ارتباطها مع أمريكا ويعتب ران ذلك سيخفف الأزمات الطاحنة التي تغرق فيها هذ الدول وتعاني منها الشعوب.

بالطبع لا يعني ما قاله الرئيس الفرنسي، ولا حتى هذه الضغوط غير الرسمية على الحكومات الأوروبية، ان دعوة ماكرون سوف تستجيب لها تلقائيا او سريعا الدول الأوروبية. فحقيقة الأمر ان أمريكا تحكم قبضتها على أغلب الحكومات الأوروبية.

لكن خطورة هذه التصريحات بالنسبة لأمريكا انها من الممكن ان تشجع حكومات أوروبية أخرى على ان تتخذ نفس الموقف علنا وان يكون هذا بداية لحركة استقلالية اوروبية.

على العموم، تصريحات ماكرون، وأيضا فضيحة الوثائق السرية المسربة، تكشف عن ازمتين كبيرتين لأمريكا في الوقت الحاضر.

الأولى : أزمة ثقة بين أمريكا وحلفائها، و توجه بعض اوثق الحلفاء مثل بعض الحلفاء الأوروبيين نحو التحرر من التبعية لأمريكا والخروج من اسرها.

والثانية : ازمة قيادة أمريكية للتحالف الغربي ومن ثم للنظام العالمي.

من البديهي ان تعتبر أمريكا ان مواقف ماكرون والمواقف الشبيهة لها تضعف موقفها كثيرا في صراعها الممتد مع الصين وروسيا والذي تعتبر ان الفوز فيه سيحدد استمرار موقعها القيادي في العالم.

وعموما، هذه الأزمات التي تواجه أمريكا ليست جديدة وليست وليدة التطورات الأخيرة، وانما بدأت منذ فترة طويلة بسبب عنجهيتها وسياساتها العالمية وعدم اكتراثها بمصالح حلفائها.

شبكة البصرة

الخميس 22 رمضان 1444 / 13 نيسان 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط