بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الخاسر الأوحد

شبكة البصرة

السيد زهره

مصعب ويعقوب شقيقان سودانيان، الأول يحارب في صفوف الجيش السوداني، والثاني في صفوف قوات الدعم السريع.

شقيقهما محمد وجه اليهما رسالة حزينة مؤثرة اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية.

محمد كتب يقول: "إلي شقيقي مصعب جالي بالقوات المسلحة، ليلة البارحة رزق الله شقيقنا الأصغر بقوات الدعم السريع يعقوب جالي بولد وحتى الآن لا يعلم بذلك. إذا وقع أسيرا في يدك أو وقعت أسيرا في يده فأخبره بهذا الخبر.أسأل الله أن يحفظكما جميعا في هذه المعركة التي أرى أن الخاسر الوحيد فيها أنا"

شقيقان يتحاربان قد يأسر أحدهما الآخ كما يقول شقيقهما، وقد يقتل أحدهما الآخر في الحرب الدائرة حاليا.

هذه المأساة هي مأساة الشعب السوداني كله. الشعب السوداني كله ممزق في هذه الحرب وأبناؤه يحاربون بعضهم البعض.

هذه حرب لا ذنب للسودانيين فيها. الجيش السوداني هو الجيش الوطني والانضمام اليه هو بالطبع شرف وواجب. وقوات الدعم السريع هي قوات شرعية كانت منذ انشائها جزءا من المؤسسة العسكرية وشريكا في الحكم. من الطبيعي انه كان دوما مدعاة للشرف ان ينضم السودانيون الى الجيش او الى هذه القوات.

على امتداد السنوات الماضية والسودانيون يشاهدون كل يوم البرهان قائد الجيش وحميدتي قائد الدعم السريع يقفان جنبا الى جنب يتقاسمان السلطة والسيطرة ويمثلان المؤسسة العسكرية ويقودان التفاوض مع القوى المدنية السودانية.

لا ذنب للسودانيين في أن ينقلب الرجلان احدهما على الآخر ويتبادلان الاتهامات بالخيانة والغدر والتمرد والعمالة، وان يقررا الدخول في حرب يريدانها ان تستمر حتى يقضي احدهما على الآخر.

حين نشر الشاب السوداني رسالته الى شقيقيه علق كثيرون عليها، لكنني توقفت امام تعليقين.

كتب احدهم يقول: "حالك وحال أشقائك ينطبق على الأمة العربية والإسلامية. نحارب بعضنا البعض إما بالقوة أو بالاقتصاد أو بالتآمر، فلا تحزن يا عزيزي فهذا حالنا منذ زمن."

معلق آخر أورد ابياتا للشاعر الفلسطيني محمود درويش لتوصيف الحالة، حين قال “ستنتهي الحرب ويتصافح القادة وتبقى تلك العجوز، تنتظر ولدها الشهيد وتلك الفتاة، تنتظر زوجها الحبيب وأولئك الأطفال، ينتظرون والدهم البطل لا أعلم من باع الوطن! ولكنني رأيتُ من دفع الثمن”.

نعم، كما قال محمود درويش كلنا نرى من يدفع الثمن في السودان. انه الشعب وحده. قد تنتهي الحرب بانفراد احدهما بالسلطة، او بجلوسهما للتفاوض والعودة لتقاسم السلطة او بأي طريقة اخرى. في كل الأحوال الشعب هو الذي يدفع الثمن. هو الخاسر الأوحد كا قال الشاب السوداني في رسالته لشقيقيه.

كيف وصل السودان الى هذا الوضع المأساوي؟ ومن المسئول عن ذلك؟ هذه وغيرها أسئلة مطروحة ومهمة. لكن الكارثة الأكبر في السودان اليوم ان الشعب بلا حماية. القوى العسكرية التي من المفروض ان تحميه وتؤمنه وتحقق الاستقرار هي التي تتحارب وهي التي تقتل وتدمر وتخرب.

الكارثة اليوم ان الشعب السوداني لا يعرف كيف يمكن ان تنتهي هذه المأساة المروعة، وأي مصير ومستقبل ينتظره حتى اذا توقفت المعارك.

الأمر الوحيد الواضح انه أيا كانت الطريقة التي ستنتهي بها هذه الحرب، فان كل احتمالات المستقبل مظلمة والافق مفتوح على توقعات كلها مأساوية.

الأمرن المهم اليوم هو الا تمتد وتتوسع هذه الحرب، والا تنضم اليها قوى وجماعات أخرى وتتحول الى حرب أهلية، وهو الأمر الذي ان حدث فسوف يعني نهاية السودان الذي نعرفه.

ويتطلب هذا اقصى درجات الوعي من الشعب السوداني وقواه المختلفة تجنيبا للسودان مصيرا أكثر مأساوية وقتامة.

شبكة البصرة

الاربعاء 6 شوال 1444 / 26 نيسان 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط