بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ضوابط جديدة للإستراتيجية الايرانية.. كيف نفسرها؟

شبكة البصرة

د. أبا الحكم

ألزمَ "علي خامنئي" الدبلوماسية الايرانية بضوابط مضخمة بحيث لا تستطيع الخروج عن مسارها السياسة الخارجية الفارسية.. وحذر من أن عدم الالتزام بهذه الضوابط سيؤدي إلى حدوث مشكلات في (نظرية) السياسة الخارجية وبالتالي في الأداء الدبلوماسي وعملياتها الخارجية.. وكأن الدولة الايرانية كانت تخلو من ضوابط وسياسات خارجية، دبلوماسية وأمنية، فضلاً عن مشكلات معقدة ما تزال غارقة فيها.

فما هي هذه الضوابط الستة التي يؤكد عليها خامنئي في توجيهاته الأخيرة لوزير الخارجية وللسلك الدبلوماسي الذي يتشكل عادة من دبلوماسيين آيديولوجيين وجنرالات من الحرس الايراني؟

أولاً- (القدرة على التبيين المقنع لمنطق مقاربات البلاد للقضايا المختلفة).. وهذا الضابط يكشف ان الدبلوماسية الايرانية تفتقر الى القدرة على الإقناع لكونها تعيش مفارقات فاضحة مع الواقع، كما يعوزها منطق المقاربات للأحداث والقضايا والمواقف الإقليمية والدولية، فهي في المحصلة سياسة خارجية فاشلة أراد خامنئي ترقيعها وتجبيرها ولكن (الشَكْ جبير والركعه صغيره) كما يقول المطرب العراقي الشهير عزيز علي.!!

ثانياً- (الحضور الفعال والموجه في مختلف - الظواهر- والأحداث والتوجهات السياسية - الاقتصادية في العالم). وهذا الضابط يشير الى زج القدرات السياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية والاجتماعية والثقافية في كل الفعاليات والاحداث التي تجري على الكرة الارضية.. ولكن القدرات الايرانية الاقتصادية منهارة والسياسية مبعثرة والدبلوماسية مشكوك فيها تماماً والثقة في التحرك الايراني معدومة، لأن أساس النيات الايرانية مبطنة وتعمل بالتقية، أي تعلن خلاف ما تبطن، والتاريخ الفارسي يتحدث بوضوح وإسهاب عن فضائح السلوك الخارجي والداخلي الايراني.. فكيف يمكن ان تكون عليه النتائج والتدخلات الايرانية في الاحداث و (الظواهر) والمواقف وتوجهات السياسات والاقتصادات في العالم؟

ثالثاً- (إزالة السياسات والقرارات التي تهدد إيران أو الحد منها).. هذا الضابط يرتبط، ليس بالقدرات الخاصة على إزالة السياسات والقرارات التي تهدد إيران فحسب، إنما يكشف عدم وجود قوة تهدد إيران أصلاً.. الأقطار العربية لا أحد منها يهدد ايران لا في الماضي ولا في الحاضر.. إسرائيل لا تهدد إيران لا في الماضي السحيق ولا في الحاضر، وإن حدود فلسطين المحتلة بعيدة عنها كلياً.. وامريكا لا تهدد ايران بل كانت صديقة لشاه ايران وحكومة خميني تعاونت مع الشيطان الاكبر في افغانستان وتعاونت معه في احتلال العراق وقدمت نفسها للشيطان الاكبر كأداة فاعلة في مشروع الشرق الاوسط الجديد 1- هشمت الجيوش العربية وأحلت محلها المليشيات الطائفية 2- دمرت كيانات الدول العربية وتعاونت مع المحتل الغازي على إسقاط النظم الوطنية العربية 3- هجرت الشعب العربي من ساحاته العراقية والسورية واليمنية والفلسطينية بالتعاون مع الكيان الصهيوني وشقت الشعب الفلسطيني على جغرافيتين- سياسيتين الضفة وقطاع غزة.. فهذا الضابط ينطوي على الخداع كما ينطوي على الدوافع الخاصة لخلق توترات وإحتقانات وصراعات وتدخلات في الساحات العربية.

رابعاً- (إضعاف المراكز الخطرة).. لم يحدد خامنئي ما هي المراكز الخطرة، وترك الأداة الدبلوماسية- الإستخباراتية الإيرانية تأخذ مجالها في إختراق القوى الوطنية والقومية التي تدافع عن نفسها تجاه أي عدوان خارجي.. وهذا يعني ان خامنئي يكشف من خلال بضع كلمات مراميه الاجرامية ودوافعه الخبيثة نحو الساحات العربية، قوى وحكومات عربية.

خامساً- (تقوية الحكومات والمجموعات المتحالفة والمؤيدة لإيران، وتوسيع العمل الاستراتيجي للبلاد).. التساؤل هنا، من هي الحكومات المراد تقويتها في المنطقة والعالم؟ والجواب، واضح ومحدد، فليس هناك حكومة في المنطقة يمكن أن تؤيد السلوك الايراني الخارجي المارق سوى (حكومة دمشق وحكومة بغداد، ومليشيات حزب الله الارهابي في الجنوب اللبناني، ومليشيات مسلحة مدعومة من ايران في العراق وسوريا ومليشيات الحوثي في اليمن، اضافة الى خلايا استخباراتية في عدد من الدول.. أما الشق الثاني من الضابط الخامس وهو ((توسيع العمق الإستراتيجي للبلاد))، فما الذي يعنيه هذا العمق؟ وما الذي يخفيه من مدلولات استراتيجية بعيدة المدى؟ وما الذي يرسمه هذا العمق وحدوده؟ هذه التساؤلات تكشف بما لا يقبل الشك او الجدل ان هذا الضابط يعني التوسع الاستراتيجي خارج نطاق الجغرافيا- السياسية للدولة الايرانية بإتجاه منطقة المشرق والخليج العربي واقطار المغرب العربي، وكذلك نحو دول القارة الافريقية، فضلاً عن إدارة خلايا استخباراتية تحت حماية الدبلوماسية الايرانية.. لماذا كل هذا التخطيط وكل هذا الرصد؟ والجواب، هو الوصول الى هدف إعادة تشكيل الامبراطورية الفارسية البائدة على أساس القوة في عصر لم يعد للامبراطوريات من أثر او وجود.

سادساً- (القدرة على تشخيص الطبقات المخفية في القرارات والاجراءات الاقليمية والدولية).. والمعنى في هذا هو العمل من اجل اختراق دوائر صنع القرار ولجان اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتطبيقها على المستويين الاقليمي والدولي.. وهذا، على ما يبدو هراء، إذ من الصعوبة الوصول الى دوائر صنع القرار، إلا عن طريق التجنيد الإستخباراتي لمعرفة دواخلها او التأثير عليها، وهنا يتجلى التضخيم الفارسي للقدرات التي هي اساساً محدودة لكونها قدرات دولة إقليمية متخلفة وليست دولة كبرى او عظمى.. ومع ذلك فإن النيات الفارسية واضحة يكشف عنها ظل الله على الأرض.

ويربط خامنئي نجاح السياسة الخارجية الايرانية بتحسين اوضاع البلاد الاقتصادية.. ولكن، هذه الاوضاع متردية ومتهاوية امام عدد كبير من العوامل، فكيف يمكن للسياسة الخارجية الايرانية التي تعاني اساساً من العزلة الاقليمية والدولية ان ترقى بالاقتصاد الايراني الى مستوى الازدهار والرفاهية؟!

ان الوصول الى هذا المستوى يتطلب الكف عن التوسع والتمدد والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والعمل على اعطاء الحقوق للشعوب الايرانية لتحسين اوضاعها المعاشية المستلبة وحقوقها الانسانية المهانة.. إلا أن نظام طهران يتعمد استمرار ماكنة الاعدامات كل يوم على رافعات الطرق العامة بسبب مطالبة الشعوب الايرانية بحقوقها.

مفاتيح السياسة الخارجية الايرانية - حدد خامنئي هذه المفاتيح بعبارات أسماها (مفاتيح العزة والحكمة والمصلحة):

اولاً- العزة - وتعني عدم ركون الدبلوماسية التي اسماها دبلوماسية الاستجداء في القول والمضمون، وتجنب عقد الآمال التي يتقول بها مسؤولوا الدول الاخرى حتى وقراراتهم.. وهنا يتضح ما يسمى في علم النفس (إسقاط الذنب)، فالنظام الايراني يكذب ولا احد يثق به ولا في قراراته، فيقلب الحالة تماماً على الاخرين عند التعامل معهم رغم قلتهم.. وهذا مرض تاريخي موروث تعاني منه النظم الصفوية وكذلك خامنئي نفسه.

ثانياً- الحكمة - يرى خامنئي (أن يكون السلوك والاقوال حكيمة ومدروسة وعقلانية).. فهل هي كذلك على أقل تقدير منذ عام 1979 بمجيئ خميني الى رأس السلطة في طهران بتوافق بريطاني فرنسي امريكي؟ ما الذي حققته ايران منذ ذلك التاريخ لحد الآن؟

- استنزفت ايران وارداتها الضخمة في التمدد والتوسع بتشكيل المليشيات العراقية والسورية واليمنية واللبنانية والافغانية - فاطميون والباكستانية - زينبيون ومليشيات افريقية.

- افقرت الشعوب الايرانية التي لم تعد قادرة على السكوت على (الصبر الإستراتيجي)، الذي ارغمها خامنئي وخميني قبله بوسائل البطش والقمع والسجون والقتل، على الركوع والاذلال منذ عام 1979 ولكن لا حيلة امام حرية الشعوب وكرامتها.

- جعلت دول العالم تعادي النظام الايراني نتيجة لسلوك النظام الفارسي المذهبي والعرقي في سياساته الخارجية التدخلية.

- دمرت الاقتصاد الايراني ودفعت به الى مستويات يصعب تحملها، بحيث زادت معدلات الفقر ومعدلات المجاعة وتفكك العوائل الايرانية لحد التهتك الاخلاقي وبيع الاطفال والاعضاء البشرية من اجل لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة.. فماذا يعني (الصبر الاستراتيجي)؟

ثالثاً- المصلحة - وهي كما يراها خامنئي (المرونة البطولية)، أي امتلاك المرونة لتجاوز العقبات.. فهل يشهد تاريخ الدبلوماسية الايرانية (مرونة) في التعامل مع المحيط القريب والبعيد من الدول؟ إن ايران مغرقة بالتعنت والتصلب والمراوغة والخداع والمساومة ووضع العراقيل وبالتالي (شراء الوقت التفاوضي الطويل للوصول الى اهداف لن تتحقق، ألم تفسر حكومة النظام الفارسي في طهران بأنها تتبع سياسة (الإبتسامة الدبلوماسية) مع الدول الغربية على انها ضوء اخضر لتقديم تنازلات في المفاوضات؟ أليس ذلك هو رأي خامنئي في عهد وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف؟

ولي الفقيه المأزوم يكذب، ويدعي بأنه رجل دين ومسؤول عن الجمهورية الإسلامية الايرانية، ولا يتذكر انه يكذب ويحاول اسقاط ما يشعر به على الاخرين ومنهم حتى أركان نظامه البائس في طهران.

ويختتم خامنئي حديثه التعيس بأن يطلب من وزارة الخارجية الايرانية والجهاز الدبلوماسي (ضرورة تحديد موقع ايران في النظام العالمي الجديد)., هل تلمسون شيئاً خطيراً من الخرف أصابه أيها الناس؟

والملاحظ هنا: أن ضوابط خامنئي الموجهة للجهاز الدبلوماسي والإستخباراتي الإيراني جاءت في ظل عاملين أولهما: محاولة فك الإختناقات التي تحيط بالدولة الايرانية عن طريق (الإنفتاح) على المحيط القريب لتخفيف الضغط والتنفيس، والإبقاء على إستراتيجية التمدد والتوسع والتدخل والتهديد بتفجير دواخل الاقطار العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية واقطار المشرق والخليج العربي، وإن إعادة التمثيل الدبلوماسي بين الرياض وطهران لا يعالج المشكلات العويصة والخطرة على الأمن القومي السعودي والأمن القومي العربي. وثانيهما: تبديل أمين عام مجلس الأمن القومي الايراني (علي شمخاني) واتهامه بالتجسس لصالح المخابرات البريطانية، وهو إتهام سخيف لأن المتحكم برجالات (قم) استخبارات (m16) كما أعلن في حينه من قبل الصحافة البريطانية ذاتها، وإستبداله بجنرال الحرس الايراني المخضرم (علي أكبر أحمديان) الذي سيتولى قيادة العمليات الخارجية بالتنسيق مع الجهاز الدبلوماسي بضوابط جديدة، وخاصة تنفيذ ما يسميه خامنئي بـ(العمق الإستراتيجي الايراني) و (إيجاد مكانة للدولة الإيرانية في النظام الدولي الجديد)، بعد أن أكمل شمخاني مهمته بإختراق المملكة وخارج حدودها الخليجية,!!

شبكة ذي قار

شبكة البصرة

الاحد 8 ذو القعدة 1444 / 28 آيار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط