بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

محمد شياع المداهنة والدهان وما يبقى في الميزان

شبكة البصرة

علي الصراف

حزب الدعوة الذي ينتمي إليه السوداني لم يكن يوما واحدا حزبا عراقيا كان وما يزال عصابة من عصابات إيران، فكل الأفعال والسياسات وأعمال النهب والاغتيالات التي تم تنفيذها تثبت هذه الحقيقة.

لو لم يكن العراق وقع ضحية ميليشيات وحرامية بعد غزوه في العام 2003، لكن بالوسع القول إن “التغيير” يمكن أن يعيد صياغة العراق ونظامه السياسي وشعبه. ولكن الإناء ينضح بما فيه. فاللصوصية التي جاءت بالأميركيين إلى العراق هي ذاتها اللصوصية التي حكمته لعقدين من الزمن.

والأعمال بالأرقام، مما لا تقبل الجدل ولا المداهنات. فالأموال التي نهبتها الميليشيات الطائفية، والفساد الذي ظل يستحكم بمقدرات البلاد، والتشوهات الاجتماعية التي جعلت اللصوصية نمط حياة، وانهيار نظام القيم في مؤسسات الدولة التي تحولت إلى منافذ للنهب المنظم، وصولا إلى أوكار الحرامية التي تبدأ من المصرف المركزي إلى مصارف الميليشيات، تقول كلها شيئا واحدا. هو أن اللصوص الذين يحكمون العراق، والذين جاؤوا بمحمد شياع السوداني ليكون رئيس وزراء للعراق، ليسوا ممن ينوون الكف عن الجريمة. حتى لتغمر المرء شكوك جديرة بالاعتبار على أن يكون السوداني قادرا على الإفلات من أسوارها. ولو “أظهر” شيئا و”استبطن” آخر. لاسيما وأن “التقيّة” هي دهان المداهنين الدائم.

إسأل نوري المالكي، على سبيل المثال، عن رأيه بالطائفية، وحاول ألا تضرب شاشة التلفزيون بالقندرة.

يمكن للمرء أن يمنح بعض المبرر لانخراط السوداني في حزب الدعوة، بعد إعدام والده وهو في سن العاشرة. بمعنى أن يكون معارضا، على أسس ومبررات، للنظام السابق. ولكن حزب الدعوة وقياداته، وهو شخصيا، لم يكونا معارضين للنظام السابق. لقد كانوا معارضين للعراق؛ معارضين لشعب العراق، معارضين لمعنى أن يكون العراق بلدا مستقلا ذا سيادة.

هم أنفسهم الآن “أسوأ من النظام السابق”، كما تتفق الغالبية العظمى من العراقيين، وفقا لكل استطلاعات الرأي التي جرى تنظيمها على امتداد العقدين الماضيين.

العراقيون الذين يتأسفون على انهيار النظام السابق، إنما يتأسفون أكثر على ما انتهى إليه العراق بأيدي عصابات إيران. هذه حقيقة لا تقبل المداهنات.

لقد كان يمكن إقامة نظام أفضل. وما يزال بالإمكان إقامة نظام أفضل. ولكن الإناء ظل ينضح بما فيه.

حزب الدعوة الذي ينتمي إليه السوداني، لم يكن يوما واحدا حزبا عراقيا. كان وما يزال عصابة من عصابات إيران. كل الأفعال والسياسات وأعمال النهب والتخريب والاغتيالات التي تم تنفيذها تحت سلطة زعيم الحزب نوري المالكي بين العامين 2006 و2014 تثبت هذه الحقيقة. وكل ما تم تكراره من تلك الأعمال في العهود التالية، حيث ظل حزب الدعوة لاعبا رئيسيا في “العملية السياسية”، يكرّر إثبات هذه الحقيقة أيضا.

قاعدة “المحاصصة الطائفية” تكفي بمفردها لكي تدل على الجريمة بأبشع صورها وضوحا وصراحة.

والفضيحة بجلاجل، إلى درجة أنها لا تخفى على أحد. والأطراف الأخرى التي تشارك في “عملية النصب” الطائفية، بين “مكون” السنة و”مكون” الأكراد، زادتها وضوحا بأن جمعت ذئابا وكلابا وجرذانا لاقتسام المائدة.

فكرة تقسيم العراق إلى “مكوّنات” هي بحد ذاتها جريمة متأصلة بين عصابات اللصوص الذين يحكمون العراق، لأنها تعيد بناء تصوّر العراقيين عن أنفسهمـ ولأنها تمحو مفهوم أن يكون هناك لهذا العراق شعب ينتمي إليه، فيدعى “شعب العراق”، فأصبح “مكوّنات”، ولكل مكوّن منها ميليشيا وجرذان.

ما لا يجب أن يغيب عن بال السوداني هو الطريق الذي أوصله إلى السلطة. لعل في تذكاره ما يفيده في النظر إلى موطئ قدميه.

اندلعت انتفاضة امتدت لنحو عام كامل ضد نظام المحاصصة الطائفية. قتل فيها الآلاف وجرح فيها عشرات الآلاف بأيدي عصابات إيران.

هذه الانتفاضة التي أحرقت مقرات الأحزاب الموالية لإيران، نددت بفسادها وعمالتها، وخيانتها لمصالح العراق.

انهارت حكومة عادل عبدالمهدي، أحد أركان منظومة الجماعات الموالية لإيران، فدخلت السلطة في فراغ وفوضى، حتى بعد تشكيل حكومة مصطفى الكاظمي، بانتظار إجراء انتخابات.

أجريت تلك الانتخابات في أكتوبر 2021، وفاز بها “التيار الصدري” داخل كتلة “المكون الشيعي”.

“الإطار التنسيقي”، وهو النواة الصلبة لتلك الجماعات، والتي يشكل فيها “حزب الدعوة” قطب الجذب الأكبر، اختار أن يعرقل تولي “التيار الصدري” إدارة السلطة. لماذا؟ لأنه أظهر مقدارا من الرغبة في انتماء العراق إلى العراق.

بالقليل أو الكثير من الضغوط وأعمال الابتزاز، ظهر أن مقتدى الصدر لا يعدو كونه “قشة في مهب الريح”. ريحه هو بالذات. فانسحب تاركا “الجمل بما حمل” لكتلة “الإطار التنسيقي”.

جاء السوداني ليكون رئيسا للوزراء. وطرح برنامجا كانت غايته الوحيدة هي إعادة بناء الصورة؛ صورة الحرامية الذين يعرفهم العراقيون، لتبدو وكأنها صورة أنبياء وأتقياء، يريدون الخير للعراق، ويريدون، احزر ماذا…، “مكافحة الفساد”! (أرجوك، لا تجلس قرب التلفزيون، لكي لا تضطر لشراء جهاز آخر).

هذا هو السياق الذي جاء بالسوداني إلى السلطة. إنه سياق يؤكد المعضلة، وهي أن العراق عاد ليقع بين براثن الذين نهبوه وخربوه وأفسدوا مؤسساته، وحوّلوا سيادته إلى “مضرطة” يعتدي عليها كل مَنْ شاء. كما أنه لا يمحو شيئا من الذاكرة.

مع ذلك، وبما أنه ابن “شهيد”، وبما أن لمعارضته للنظام السابق ما يبررها، فهناك ما قد يمكن لمحمد شياع السوداني أن يضعه في الميزان؛ ميزانه الشخصي، أمام العراق والعراقيين وأمام الله. وهو أن يكف عن معاداة العراق، وأن يرعى مصالح شعبه لا نظام الولي الفقيه ولا أيّ نظام آخر في الكرة الأرضية، وأن يضع حدا للفساد، (لا أقول “مكافحته”، لأنه لا يقدر على ذلك).

ليس مطلوبا من السوداني، وهو في منصبه هذا، الذي وصل إليه بحكم تقلبات الأقدار، سوى أن يكف عن المداهنة ويتخلى عن طلاء أعمال عصابة نوري المالكي بما لا يمكن لكل دهان الكرة الأرضية أن يغطيه.

هل يخاف من أحد، لو أنه قرر الكف عن معاداة العراق؟ لا شيء يبرر هذا الاعتقاد.

في المفاضلة بين المداهنة والدهان، فإنه يستطيع اختيار ما يوضع في الميزان.

العرب

شبكة البصرة

الاثنين 11 شوال 1444 / 1 آيار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط