بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أرقام صادمة عن خسائر العراق من تهريب المشتقات النفطية

شبكة البصرة

كبلد ريعي يعتمد اقتصاده بشكل شبه تام على صادراته من النفط، يصبح تهريب النفط من الجرائم الاقتصادية الخطيرة التي تهدد سياسته الإقتصادية. ويصف الباحث الاقتصادي “بسام رعد”، جريمة التهريب بأنها “أشبه بثقب في جدار الإقتصاد الوطني”، مضيفاً أن “للتهريب آثار اقتصادية سلبية على البيئة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حيث أن قيام مهربي المشتقات النفطية بغسل الأموال غير المشروعة التي يحصلون عليها من خلال إدخالها في الدورة الإقتصادية المحلية يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم، وبالتالي ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، كما أن ظاهرة التهريب تودي إلى زيادة استيراد هذه المشتقات لتغطية الحاجة المحلية، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف الموازنة العامة للبلاد”.

وعن تهريب المشتقات النفطية من إقليم كردستان تحديداً قال أستاذ الإقتصاد الدولي “نوار السعدي”، إن التهريب “لم يقتصر فقط على النفط الخام، بل توسع ليشمل ايضاً المشتقات النفطية، فمنذ بداية عام 2022 حينما بدأت الأسعار النفطية العالمية بالارتفاع، إرتفعت أسعار الوقود في مناطق إقليم كردستان التي تتبنى سياسة بيع منتجات نفطية مغايرة عن المركز في بغداد، وتتبع سياسة السوق الحر بالنسبة إلى المستوردين والبائعين”.

وتنوعت أساليب أربيل في تهريب النفط ومشتقاته، حيث كشفت تقارير نشرت مؤخراً عن كميات ضخمة من المشتقات النفطية المهربة إلى إيران لم تتوقف عن التدفق حتى خلال أيام عيد الفطر. وتساءل ناشطون عن سبب صمت حكومة الإطار التنسيقي عن عبور الشاحنات من المنافذ الحدودية شمال العراق إلى إيران، وقد فتحها الإقليم بشكل رسمي ومعلن لقوافل تهريب المشتقات النفطية.

 

تصريح مقصود أم زلة لسان؟

ولم يعلق المسؤولون في حكومتي بغداد والإقليم على تصريحات جهات إيرانية تناولت الموضوع، حيث قال مسؤول إيراني إن النشاط التجاري مع الإقليم متواصل عبر منفذي “برويز خان وخسروي” الحدوديين، حيث تعبر مئات الصهاريج من الإقليم.

ونقلت وكالة أنباء فارس تأكيد “محمد حيدري” المشرف على قائممقامية مدينة قصر شيرين التابعة لمحافظة كرمانشاه (غرب إيران)، إنّ هذين المنفذين سيبقيان مفتوحين أمام التبادل التجاري خلال عطلة عيد الفطر، مؤكداً على دخول أكثر من 300 شاحنة محملة بالوقود من شمال العراق إلى بلاده يومياً.

وتساءلت مصادر صحفية إن كان هذا التصريح يعبر عن زلة لسان من مسؤول إيراني، نظراً لأن الإقليم ومنذ سنوات يستورد الوقود من إيران ولا يصدره، وبحسب تصريح سابق للمتحدث باسم حكومة الإقليم، فإنه لا يمتلك سوى محطتين لتكرير النفط وإنتاج البنزين، لا تكفيان للإستهلاك المحلي، فمن أين جاءت هذه ال 300 شاحنة؟.

وحاولت تقارير صحفية حصر حجم الخسائر التي يتكبدها الجانب العراقي لصالح إيران جراء تهريب 300 شاحنة يومياً من المشتقات النفطية، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت سلطات بغداد تعلم بمرور هذا العدد من الشاحنات أم لا.

 

هل ارتفع الاستهلاك المحلي فعلاً؟

وبحساب حمولة 35 ألف لتر لكل شاحنة كمعدل، يكون ما يدخل إيران من الإقليم يومياً 11 مليون لتر تقريباً من المشتقات النفطية. واستهلك العراق عام 2021 حوالي 25 مليون لتر من البنزين يومياً، أنتج منها 15 مليوناً واستورد 10 ملايين، ولم تمض 6 أشهر حتى أظهرت الأرقام منتصف 2022 ارتفاع استهلاكه للبنزين إلى 32 مليون لتر، بزيادة قدرها 7 ملايين لتر، وهو نفس الرقم الذي قالت وزارة النفط إنه يتم تهريبه يومياً!

أما ما يتعلق بزيت الديزل (الكاز)، فقد أكدت الوزارة إن استهلاكه ارتفع إلى 30 لتراً، بعد أن كان 22 مليون، بزيادة ثمانية ملايين برميل يومياً. ومن خلال عملية حسابية بسيطة، يتضح أن ما يدخل إيران من المشتقات النفطية العراقية، مقارب للأرقام التي نشرتها وزارة النفط تحت بند (الزيادة في الإستهلاك المحلي)، وهو أمر قالت الصحيفة إنه يؤكد عدم استهلاك المشتقات في الإقليم بسبب فارق السعر كما كان الاعتقاد سائداً، بل أن ما يدخل الإقليم منها يتجه إلى منفذي برويز خان وخسروي الحدوديين مع إيران وغيرها من المنافذ الرسمية وغير الرسمية، وأن ما يستهلكه الإقليم من المشتقات لا يتجاوز 4.5 مليون برميل يومياً.

وعبّر السعدي عن اعتقاده بأن “هناك تواطؤاً أمنياً مسانداً لشبكات التهريب في البلاد خاصة في ديالى، حيث لا يمكن مرور هذا الكم الكبير من شاحنات نقل وقود يومياً، من خلال الطرق البرية الرسمية من الجنوب إلى الشمال بتلك السهولة والمرونة، من دون وجود من يسهل تلك العمليات”.

 

خسارة مزدوجة

ويتحمل الجانب العراقي خسارة مزدوجة جراء دخول وخروج المشتقات النفطية عبر منافذه مع إيران، تتمثل الأولى بزيادة استيراده المشتقات النفطية منها بأسعار عالية بذريعة “زيادة الطلب”، والثانية عندما يعيد تصديره -أو تهريبه بشكل رسمي- ولكن بسعر مدعوم، حيث أن وزارة النفط تجهز المحافظات والمحطات بهذه المنتجات بسعر مدعوم، أي أن الدولة تستورد من إيران بمبالغ باهضة، ليعاد تصديره إليها بسعر مدعوم!

وأكد تحقيق صحفي أن تهريب 15 مليون لتر يومياً يكلف العراق 9 ملايين دولار، تذهب أكثر من 65% منها إلى إيران، فعند تهريب 10 ملايين لتر يومياً، يخسر العراق 0.6 دولاراً من كل لتر، أي 6 ملايين دولار يومياً، وبالمحصلة تصبح خسارة العراق أكثر من ربع مليار دولار شهرياً، على فرض احتساب (0.44) دولار للتر كمعدل سعري.

ولا يقتصر تهريب النفط والمشتقات النفطية بين البلدين على منافذ الإقليم، فقد كشف النقاب خلال الشهور الماضية عن العديد من هذه العمليات في محافظات حدودية عديدة، أشهرها الشبكة التي كانت تهرب 75 مليون برميل شهرياً من محافظة البصرة قبل تفكيكها.

وإثر ذلك اُعلن عن تورط مسؤولين كبار وضباط برتب عالية، ومدراء في شرطة الطاقة في محافظة البصرة، بعمليات تهريب كبرى، كما صودر ما يقرب من 50 صهريجاً والعديد من العجلات المجهزة للتهريب. وأعلنت السلطات في المحافظة أيضاً عن العثور على 93 وكراً وما يقرب من 500 خزان مخالف للضوابط، واُغلقت 11 محطة لمخالفتها الضوابط.

وكالة يقين

شبكة البصرة

الاثنين 11 شوال 1444 / 1 آيار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط