بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

جدل عراقي عمره عشرون عاماً.. حصر السلاح بيد من؟

شبكة البصرة

مثلما فعل من سبقه، تعهد رئيس الوزراء الحالي “محمد شياع السوداني” في برنامجه الحكومي، بحصر السلاح بيد الدولة ضمن سقف زمني لا يتجاوز عاماً واحداً مر أكثر من نصفه، وسط شكوك بنواياه الوفاء بتعهده، وبقدرته على ذلك إن صدقت نواياه.

وفي عملية محدودة ضمن هذا البرنامج، هاجمت قوة من الشرطة الإتحادية صباح الاثنين 15 أيار/مايو الجاري عناصر من ميليشيا “حزب الله” في البوعيثة التابعة لمنطقة الدورة جنوب بغداد، وردت عليها الميليشيا بإطلاق النار.

وبحسب مصادر أمنية، فإن مواطنين أبلغوا الشرطة بأن هذه الميليشيا تجاوزت على أراض زراعية تعود لهم، وأراض اخرى تعود للدولة، فتوجهت قوة إلى المنطقة وطلبت من عناصر الميليشيا الإنسحاب، لكنهم ردوا بإطلاق النار مما أدى لإصابة اثنين من الشرطة.

وأصدرت خلية الإعلام الأمني في اليوم التالي توضيحاً جاء فيه، إن “الإعتداء وقع على مفارز أمانة بغداد والمفارز الأمنية المرافقة لها، والمكلفة بإزالة التجاوزات على الأملاك العامة في المنطقة المشار إليها”.

ورغم أن وجود ميليشيا “حزب الله” ليس جديداً في المنطقة، إلا أن إيضاح الخلية تجنب الإشارة المباشرة إليها وتحميلها مسؤولية الإعتداء على موظفين رسميين وقوات شرطة أثناء تأدية الواجب، وبدلاً من ذلك دعا المواطنين إلى “عدم التأويل ونشر الشائعات” حسب ما جاء في الإيضاح.

وكان مصدر أمني قد برّأ الميليشيا المذكورة من الإعتداء قبيل صدور الإيضاح، بزعمه أن “مجموعة (تدعي) انتمائها إلى كتائب حزب الله قامت بتجريف الأراضي الزراعية والبساتين وبيعها كقطع سكنية”.

 

مفاوضات لحماية المعتدين

وذكرت مصادر صحفية إن قوات عسكرية أحاطت بالمنطقة من كل جانب بعد الاشتباك وأغلقت الشوارع المؤدية اليها، لكنها لم تتعرض للميليشيا التي بقيت في المكان. وفي الأثناء بدأت مفاوضات بين قيادات في الحشد الشعبي الذي تنتمي إليه الميليشيا وبين جهات أمنية وعسكرية، من أجل انسحاب القوات الأمنية وضمان عدم تعرض عناصر الميليشيا لأي ملاحقة قانونية، وتجاهل الإصابات التي ألحقتها بعناصر الشرطة.

وفي حديث تلفزيوني، قال الخبير الأمني “محمد الحياني” إن جماعات مسلحة لم يسمها، تجاوزت على أراض زراعية في بغداد خاصة في منطقة الدورة، بعضها يعود للدولة وبعضها لمواطنين عراقيين، وأقامت عليها مصانع للأسلحة والأعتدة، كما اتخذتها قواعد لتنفيذ عملياتها في مهاجمة البعثات الدبلوماسية الأجنبية، مؤكداً أن عملية اغتيال الخبير الأمني “هشام الهاشمي” انطلقت من هناك.

الأيام المقبلة ستشهد فوضى مسلحة بسبب ضعف التصدي للسلاح المنفلت

وأضاف المتحدث إن الشرطة الإتحادية هاجمت هذه الجماعات، “بقصد إزالة التجاوزات لا بقصد التصادم مع هذه الفصائل”. وعن القرار الذي ينص على دفع الميليشيات خارج المدن، قال الخبير الأمني إن الحكومة عاجزة عن تنفيذه، وإن قادة هذه الجماعات المدعومة من الخارج متمسكون بمصالحهم الحزبية والشخصية، مؤكداً إن وجود الميليشيات داخل المحافظات يفسد العملية الأمنية بالكامل.

 

رعاية رسمية

وعن تأرجح مواقف السوداني بين التصدي للميليشيات وبين رعايتها، قال رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية “غازي فيصل”، إن “هناك خشية داخلية وخارجية من تقوية السلاح المنفلت في الحكومة الحالية، المشكّلة من قبل الإطار التنسيقي، الحامي السياسي لعدد من الفصائل المسلحة، خصوصاً مع ضعف حكومة السوداني في التصدي للسلاح المنفلت”. وعن توقعاته المستقبلية بعد أحداث البوعيثة قال فيصل، إن “ما حدث في منطقة البوعيثة يدل على أنّ الأيام المقبلة ستشهد فوضى مسلحة بسبب ضعف التصدي للسلاح المنفلت”، مؤكداً في حديث صحفي أن “السلاح المنفلت لا يزال يهدد أمن الدولة والسلم المجتمعي، دون وجود أي نية حكومية حقيقية لحصر هذا السلاح، الذي بات هو الفاعل والمتحكم الرئيس في القضايا السياسية والأمنية في الساحة العراقية”.

من جهته أشار “المركز الأوروبي” في تقرير له، إلى أن الميليشيات المسلحة في العراق حصلت على وضع قانوني بعد ضم 50 مليشيا قوامها نحو 150 ألف عنصر إلى تشكيلات وزارة الدفاع.

واستعرض التقرير الذي أعدته وحدة الدراسات والتقارير في المركز، بعض الطرق التي تتبعها الميليشيات العراقية لجمع العملة الصعبة وتهريبها، منها الإنخراط “بأنشطة فساد في عقود المشاريع الخدماتية العامة وعمليات غسيل الأموال التي تدار عبر مكاتبها الإقتصادية وشبكاتها السرية، وقيامها بفرض ضرائب ورسوم غير قانونية على دخول البضائع عبر المعابر البرية وعلى الأرصفة التجارية في الموانئ البحرية، وابتزازها التجار والموردين وتحصيلها الإتاوات مقابل السماح لشاحناتهم بالوصول للمخازن.” وقدر التقرير المبالغ التي تحصل عليها الميليشيات من عمليات تقاسم إيرادات المنافذ بنحو (11) مليار دولار سنوياً.

 

حصر السلاح بيد من؟

على صعيد متصل، أشارت تقارير صحفية إلى اعتراف وزارة المالية العراقية في آذار/مارس 2021، بأن الميليشيات ومن خلال علاقاتها بمتنفذين في الأحزاب الحاكمة ورجال أعمال على صلة بهم، نهبوا أموالاً عامة من الجمارك كان يمكن أن ترفد الخزانة بسبعة مليارات دولار سنوياً، لكن ما وصل منها لا يتجاوز 10-12% فقط.

واعتاد العراقيون على مشاهدة عمليات استعراضية مشابهة لعملية البوعيثة، تقوم بها حكوماتهم بعد تشكيلها، لإثبات نيتها القضاء على السلاح المنفلت وحصره بيدها، وسط وعود بتجريد الميليشيات والعشائر وغيرها، من أطنان الأسلحة والأعتدة والصواريخ والطائرات المسيرة التي بحوزتها، وهي تعلم جيداً أنها لم تعد ندّاً في صراعها -ان كان هناك صراع حقيقي- لهذه القوى التي تغولت بشكل كبير، وأصبحت لها مصادر تمويل من الموازنة ومن غيرها، ومساحات شاسعة من الأراضي تسيطر عليها، ومصانع للأعتدة، وتمثيل في الحكومة وفي البرلمان، ولم يعد بالإمكان ردعها. وتساءل مواطنون إن كان حصر السلاح في ظل هذه الظروف، سيكون بيد الميليشيات أم بيد الدولة، على فرض أن لديها نية صادقة بذلك.

وكالة يقين

شبكة البصرة

الاحد 8 ذو القعدة 1444 / 28 آيار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط