بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

نتنياهو يسحق الشاهنشاهية في إيران وللأبد

شبكة البصرة

المحامي كامل الحساني

لا تربط العراقيين بشكل عام أية روابط و ذكريات تُسر الخاطر بحقبة الشاهنشاهية البغيضة في إيران فقد كانت جار سوء ومرحلة من أسوأ مراحل التاريخ المعاصر، ويصدف فقط أنها تزامنت مع حقبة الملكية العراقية الكريمة التي كانت تمثل عصر الازدهار والقيم الوحيد للعراق، والتي لا يمكن وضعها أيضاً كوجه مقارنة مع الشاهنشاهية الدكتاتورية التي قبرها الشعب الإيراني إلى حيث لا رجعة.

ولكن لما سقطت الشاهنشاهية في إيران لم يتاسف أغلبنا عليها، لأننا لا ننسى عصر الإضطهاد والعبودية التي عاشها الشعب الإيراني، وقد كنا نتناقلها على أنها قصص بطش وعبودية تتداولها حتى جداتنا بحكاياتها الشعبية، بالاضافة الى موقف نظام الشاه من حقوق الدولة العراقية وبعض الدول العربية، ولهذا كلما يظهر اسم الشاه المخلوع أو فلوله أو بقاياه العائلية لا نعير لها أي إهتمام خاصة وأننا لم نسمع بمشارق الأرض ومغاربها أن شعباً تخلص من حكم طاغوتي بغيض كالدكتاتورية الشاهنشاهية التي قبرها بالدماء والتضحيات والآمال العظام وقد عاد ليقبل بحكمها بعد إندثار وعلى رأسها من لا يصلح حتى لإدارة عائلة بنجاح، وحتى لم تمت مقارنة الأمر مع تاريخ بعض العوائل الملكية التي شاركت في نضال شعوبها ضد دولة الجمهوريات الاستبدادية فلم يكن ليُسمح لها بالعودة إلى منظومة الحكم، ومنها عوائل في أوربا الشرقية التي ناضل البعض منها مع شعوبها ضد الشيوعية والدولة السوفيتية ولكنها قبلت بالإنصهار مع الأنظمة الديمقراطية، وقد أسست أحزاب وتجمعات وحركات ومع ذلك لم ولن تصل إلى حكم دولها رغم انضمامها لنادي أوروبا، ذلك لأن التاريخ قد يعيد نفسه بصور مشابهة لكنه لا يعود إلى الوراء.

ولهذا دائماً ما نكرر توجيه تساؤلاتنا لقوى المعارضة الإيرانية، لماذا تعيرون الإهتمام لبقايا العائلة الشاهنشاهية التي لا يساوي ذكرها إلا ما ورد في كتب التاريخ المدرسية لتذكير الأجيال بنظام كان ومازال سبباً في أن يخلفه في التسلط على الأمة الإيرانية نظام ظلامي جاهلي رجعي كخليفةً وامتداداً له ولحقبته الرجعية الاستبدادية ألا وهو نظام الملالي نظام القرون الوسطى؟ قد نكون نعرف الجواب ولكننا نريد للشعب الإيراني ولشعوب المنطقة والعالم أن يعرف الأسباب هي أن كلا النظامين نظام الشاه المقبور، ونظام الشيخ المتهالك الآيل للسقوط كلاهما وجهين لعملة واحدة وامتداداً للآخر وما تحركات ابن الشاه المخلوع اليوم إلا لإطالة عمر دكتاتورية الملال وحمايتها من السقوط في يد الشعب المتواصل مع ثورته منذ عام 1979، تلك الثورة التي يحقد عليها ابن الشاه ويطعن فيها على الدوام، ولا يريد ابن الشاه بقاء الملالي والتدخل إن لزم الأمر ومشاركتهم العلنية في السلطة والإمتيازات، ويستخدم الملالي ابن الشاه كبيدق لتشويه الثوره الإيرانية الجارية والطعن فيها كما فعل الملالي الذين استخدموا على الفور زيارة ابن الشاه لإسرائيل كوسيلة للطعن في الثورة ووصفها بأنها حراك عميل لجهات أجنبية علماً بأنه لا علاقة لإبن الشاه بالمعارضة الوطنية الإيرانية لا من قريب ولا من بعيد.

فعندما تأججت ثورة الشعب الإيراني بقيادة الشباب نساءاً ورجال، وأُربِكت أركان نظام الملالي الذي فقد القدرة في السيطرة على الثورة الشعبية الوطنية التي امتدت في كل أرجاء إيران، وشعر الجميع بامكانية التغيير على يد الجماهير الإيرانية، تحرك صبي العائلة الشاهنشاهية رضا بهلوي بعد نداء الملالي (إستغاثة بجده) يحيطه فتات من بقايا الشخصيات التي كانت متنعمه من عصر الاستغلال والعبودية، وحتى مع الدعوة الغربية التكتيكية الخبيثة له كممثل بديل لنظام الملالي في إيران في مؤتمر ميونخ للأمن في هذا العام الجاري، ولم يكن تحركه بدعم غربي إلا بقصد إنقاذ الملالي وتعطيل وتأجيل إسقاطه، ومع ذلك تمنينا على المعارضة الإيرانية أن يعملوا بشكل أوسع على تعرية رضا بهلوي ويفرغوا أصحاب القصد السيء من محتواهم الخبيث ضد إنتفاضة الشعب الإيراني ومعارضته الحقيقة.

لم يقدم إبن الشاه أي خطةٍ ولا منهج ولا رؤية مستقبلية ولا دستور للتعامل في إيران نفسها ومع الآخرين حتى تعيد نفسها لحاضنة الدول الحضارية، وإنما كان كل مشروعه الارعن هو التواصل والتآمر مع كبار المجرمين من قيادات ما يسمى بـ الحرس الثوري تحت عنوان الإنقلاب على أسيادهم الملالي، ولما ابتزت هذه الدعوة المعارضة الايرانية وضحايا رجالات الحرس الإجرامي وافتُضِح أمره قفز ليستجدي مباركة إسرائيل لكي تفتح له الباب لحكم أمة إيرانية لها ١٤٠٠ عام تقدس وتبكي على حفيدٍ من أحفاد نبي الإسلام والمسلمين (الحسين وآل بيته) فكيف لها أن تتقبل منافقين لإسرائيل التي تنتهك على مدار الساعة حرُمات ملايين المسلمين بالصوت والصورة وأمام العالم أجمع؟

الأهم في هذه الزيارة، ومع زحمة ردود أفعال نظام الملالي الذي قدم هذه الزيارة على أنها (صورة للمعارضة الإيرانية التي تتوسل بـ إسرائيل) ولا علاقة للمعارضة الوطنية الإيرانية ولا الشعب الإيراني بإبن الشاه هذا ولا بعاره أينما كان وأينما حل، ولكن فاتهم الانطباع الذي عبرت عنه صورة لقاء ابن الشاه مع نتنياهو الذي أراد أن يستغل هذا المستجدي المفلس بإهانته ومعه إذلال إيران كدولة إسلامية كبيرة في الشرق الأوسط، فرتب صورة لقاءه بصبي الشاهنشاهية التي انتشرت في كل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عامداً متعمداً أن يكون لوحدة في مكتب وكأنه محجر لتوقيف المتهمين، لابساً قلنسوة المتطرفين اليهود وعاكفاً رجليه بحذاء موجهه بإمعان ضد هذا الزائر المستجدي الذليل الذي ظهر جالساً على كرسي من كراسي الإنتظار ومنحنياً وكأنه عبداً أمام سلطان ليقول نتنياهو لإيران ولأمة العرب والمسلمين وربما العالم أجمع هذا ابن من إدعى بأنه (الشاه العظيم) قد جاء برجليه مستجدياً إيانا ليحكمكم ببركات إسرائيل التي لم يمضي على تأسيسها سنيين.

ولكن نسي هذا النتِنْياهو بأنه قدم الحقيقة للشعب الإيراني ومعارضته الشريفة التي اعتبرت هذه الصورة المذلة آخر شهادة سحق بها نتنياهو بحذائه أمل الشاهنشاهية في إيران وللأبد، كما قدم معروف للشعوب العربية والإسلامية لترى من هو إبن الشاه وما هو حال يلتمس خيراً منهم خاصة أولئك الذين يعتقدون بأن إسرائيل هي (عصا موسى السحرية) التي تمكنهم من حكم شعوبهم بالإذلال والفساد والإجرام.

وبالنهاية، يبقى السؤال للمعارضة الايرانية الشريفة، هل يستحق هذا البهلوي من شعب إيران ومعارضته الشريفة أن تبذل من وقتها وجهودها العظيمة ما تبذله وتوليه وأمره عناية وإهتمام؟

*رئيس المركز الوطني للبحوث والدراسات القانونية والقضائية في العراق

شبكة البصرة

السبت 16 شوال 1444 / 6 آيار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط