بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مبادرة في الوقت الضائع.. مياه الشرب أم نخيل السوداني؟

شبكة البصرة

جاءت تعليقات الرئيس الإيراني بشأن قضايا بالغة الأهمية، طرحها نظيره العراقي خلال زيارته الأخيرة إلى طهران مقتضبة وقصيرة، خاصة فيما يتعلق بقضيتي المخدرات التي تدخل من حدود بلاده، والمياه التي تواصل حجبها.

وقالت مصادر مطلعة إن قضية المياه التي كان من المفترض أن تتصدر جدول الأعمال في هذه الزيارة، تراجعت إلى ذيل الجدول.

وكان رئيس الجمهورية “عبد اللطيف رشيد” قد وصل طهران أواخر الشهرالماضي، على رأس وفد ضم وزراء الخارجية والموارد المائية والكهرباء، ومستشار الأمن القومي، وعدداً من كبار المسؤولين.

وفي تعليق الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” على قضية تهريب المخدرات التي طرحها رشيد، قال إن بلاده (قدمت شهداء على هذا الطريق) حسب تعبيره، أما ما يتعلق بحصة العراق من المياه، فأجاب بأن بلاده “تؤكد ضرورة احترام حصة إيران من المياه وحصة دول المنطقة”، وأكد على ضرورة استفادة إيران من أروند رود (التسمية الفارسية لشط العرب)، وأن على البلدين احترام حصص بعضهما البعض حسب الاتفاقيات.

وعاد رشيد ووفده إلى بغداد خالي الوفاض بعد نحو 12 ساعة قضاها في طهران، مثلما عادت الوفود التي ترددت على العاصمة الإيرانية طوال السنوات الماضية، دون التمكن من إقناع المسؤولين الايرانيين بإطلاق حصة العراق من المياه، حسب الاتفاقيات كما قال رئيسي.

وفي أوج أزمة المياه هذه، كان رئيس مجلس الوزراء “محمد شياع السوداني” منشغلاً بمناقشة ما سُمي ب”مبادرة الرؤية الشاملة لتطوير القطاع الزراعي”، وإطلاق مبادرة لزراعة 5 ملايين نخلة وشجرة، بنفس الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الموارد المائية، إنّ خزين المياه في البلاد غير كاف، وإن الخطة الصيفية قد لا ترى النور هذا العام.

 

عجز عن تطبيق الخطة الزراعية الصيفية

وكانت وزارة الموارد المائية ممَثلة في الاجتماع الذي ترأسه السوداني وطرح فيه رؤيته، إلى جانب ممثلين عن اللجنة العليا للتنمية الزراعية، التي تضم هيئة المستشارين في مكتب السوداني، وممثلي وزارات الزراعة والتخطيط، والمالية والبنك المركزي ونقابة المهندسين الزراعيين ونقابة الأطباء البيطريين والجمعيات الفلاحية، بحسب بيان مكتب رئيس الوزراء. وجاء في البيان أيضاً أن السوداني أكد على أن تغطي مبادرته جميع القطاعات الزراعية، بما فيها الثروة الحيوانية، لكنه لم يذكر كيف يمكن تحقيق كل ذلك، مع أزمة المياه الخانقة.

وأكد وزير الموارد المائية “عون ذياب”، إن خطة وزارته منحت الأسبقية لمياه الشرب والاستخدامات البشرية، وإنّ “الزراعة ستكون محددة للموسم الصيفي المقبل لاسيما لمحصول الشلب، نظراً لأنه يستهلك كميات كبيرة من المياه، وقد يتم تأجيل زراعته في البلاد ضمن موسمه، ألذي ينطلق مطلع شهر حزيران/يونيو من كل عام”.

ورغم امتلاك العراق ل 19 سداً، إلا أنها أصبحت عديمة الفائدة، لاعتماد أغلبها على نهري دجلة والفرات وروافدهماالتي أصبحت شبه جافة، إضافة لتهالك هذه السدود بسبب غياب الصيانة المطلوبة.

وشهدت البلاد بالفعل تناقصاً حاداً بكميات المياه خلال السنوات الماضية، بعد إقامة إيران العديد من السدود وتحويلها مجاري الأنهار والروافد كدولة منبع، متحدية القوانين الدولية الخاصة بحصص المياه بين الدول المتشاطئة، والاتفاقيات الثنائية ذات العلاقة، فيما ارتفعت نسبة التلوث بشكل كبير بالكميات القليلة المتبقية، مما أدى إلى استبعاد بعض المحافظات من الخطة الزراعية.

وأيد متخصصون توقعات وزارة الموارد المائية بالعجز التام أو الجزئي عن تطبيق الخطة الزراعية الصيفية هذا العام بسبب نقص المياه، محذرين من “كارثة إنسانية” خلال الصيف المقبل قد تضاف إلى الكوارث السابقة، خاصة بعد نشر أرقام صادمة عن نسب التصحر في البلاد. وأخبر وزير البيئة السابق “جاسم الفلاحي” قناة العراقية الإخبارية الرسمية الصيف الماضي، أنّ العراق يفقد سنوياً 100 ألف دونم، وأن قلة التدفقات المائية تسبب زيادة معدلات التصحر وقلة الأراضي الخصبة. وبحسب الخبير في مجال المياه “عادل المختار” فإن هذه النسبة ارتفعت في العراق لأكثر من 70%.

 

مياه الشرب أم نخيل السوداني؟

وكان رئيس مجلس الوزراء “محمد شياع السوداني”، قد كرر طرح ما وصفها ب “مبادرة كبرى” لزراعة 5 ملايين شجرة ونخلة في عموم المحافظات، في مؤتمر العراق للمناخ الذي عقد في محافظة البصرة مؤخراً. وتحدث السوداني في كلمته في المؤتمر عن التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، وشح الأمطار، وازدياد العواصف الغبارية، ونقصان المساحات الخضراء، وتهديد الأمن الغذائي والصحي والبيئي والأمن المجتمعي، وتطرق إلى تضرر أكثر من 7 ملايين مواطن عانت مناطقهم من الجفاف، ونزوح مئات الألوف لفقدانهم سبل عيشهم المعتمدة على الزراعة والصيد، والجفاف الشديد الذي أصاب الأهوار، لكنه لم يتطرق من قريب أو بعيد إلى السبب الرئيس لهذه الكوارث، وهو إقامة السدود وتحويل مجرى الأنهار من قبل إيران.

وقال مهندسون زراعيون حضروا المؤتمر، إن الأولى الحديث عن توفير المياه بدل عقد مؤتمر عن خطط زراعية لن تنفذ بلا مياه، وأن زراعة 5 ملايين نخلة وشجرة في وقت وصل التهديد إلى مياه الشرب، يعتبر ضرباً من الخيال.

 

حصة الحشد في المشروع

وبالفعل فقد استعرضت مصادر في وزارة الزراعة الأضرار المترتبة على نقص المياه، والتي كان من بينها انخفاض أعداد النخيل في عموم المحافظات، حيث جُرفت بساتين بأكملها وبيعت كقطع أراض لأغراض السكن، بعد جفافها. وفي البصرة ذكرت مديرية زراعة المحافظة، إن أعداد النخيل انخفضت إلى 2.4 مليون نخلة نزولاً من 13 مليون، ووفق تصريح سابق لمدير زراعة المحافظة “هادي حسين”، فإن البصرة لم يعد فيها غير مليونين و800 ألف نخلة فقط، كما انخفضت أصناف التمور إلى 70 صنفاً نزولاً من 650، اشتهرت بها المحافظة. أما على مستوى البلاد، فقد تناقصت أعداد النخيل من 32 مليون نخلة عام 1979، حتى وصلت الى ماهي عليه الآن.

ولم يعرف لحد الآن كم ستستهلك مبادرة السوداني من أموال الموازنة، لكن مصادر صحفية أكدت أن شركة “المهندس” العامة التابعة للحشد الشعبي ستكون لها حصة كبيرة منها. وذكر بيان لهيئة الحشد أنها “افتتحت مشروع زراعة مليون نخلة في بادية المثنى الجنوبية”. وجاء في البيان إن مشروع الهيئة يأتي بالتزامن مع مؤتمر المناخ الدولي ومكافحة التصحر، وتتبناه شركة المهندس العامة التابعة لها.

وأبدى مراقبون خشيتهم، من أن يكون المشروع الذي اطلقه السوداني كغيره من المشاريع، ثغرة في جدار الموازنة، تتسرب منها الأموال إلى شركة المهندس ومثيلاتها من الشركات، ألتي أنهكت الاقتصاد دون نتائج تذكر.

وكالة يقين

شبكة البصرة

الخميس 21 شوال 1444 / 11 آيار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط