بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

العرب والغرب يحيون من مات سريرياً في إيران

شبكة البصرة

د. محمد الموسوي

عندما تسقط الأنظمة وهي قائمة في سلطانها؛ وتكون الصورة أبلغ من الحرف فلا حاجة عندئذ لحديث الخبراء عن أوضاع تلك الأنظمة ومآلها ومستقبلها وبقائها الشكلي على حافة الهاوية أو على سرير الإحتضار ومنه إلى مثواه الأخير، وتعيد الإيمان إلى الأذهان الغافلة بأن الملك والدوام لله، وأن خير خلائف الله على الأرض هم الأطفال إذ تستمر بهم وبنقائهم الحياة حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

سقط نظام الخديعة في إيران منذ أن تسلق إلى السلطة سارقاً أحلام الثوار والمناضلين والسجناء السياسيين، ومدنساً لدماء الشهداء الطاهرة التي أراقتها دكتاتورية الشاهنشاهية المقبورة التي خلفها على نهجها بإتقان وكان الإسلام الوسيلة والضحية في آن واحد؛ إذ سرعان ما تكشفت الأقنعة وبدا المسار غير الذي ثار وضحى من أجله الشعب، وقد اغتنم في حينها خميني وجنوده فرصة إعدام الشاه لكثيرين من القادة السياسيين المعارضيين وتغييب الآخرين في غياهب السجون، وأما اليوم فواقع الحال وما يجري على الأرض في إيران وفي أوساط المجتمع الإيراني وكل الدول التي تعاني من تدخلاته وجرائمه خير دليل على سقوط هذا النظام حتى وهو قائم على عرش السلطة وامتيازاتها وقد أظهر الشعب الإيراني حقيقة نظام الملالي كمجموعة من مراكز القوى التي هي أبعد ما تكون عن مفاهيم الدول والحكومات والوطنية والمواطنة والثورية والإسلام، ولم تكن مراكز القوى هذه سوى مجموعة من المفسدون في الأرض شوهوا الدين ولم يُصلِحوا وأفتوا بالباطل وقتلوا وسفكوا الدماء وأباحوا لأنفسهم مقدرات البلاد والعباد وفي ظلهم فاض الفساد والإجرام والإلحاد عن الحد ليس في إيران فحسب بل في العراق ولبنان وأينما حلوا وتمكنوا.

لم تكن القوى الإستعمارية غافلة عما يجري من أحداث ثورية ضد دكتاتورية الشاه صنيعتهم في إيران، إذ لا يمكن للإستعمار أن ثورة الدكتور مصدق والتفاف الشعب حوله شخصاً وفكراً ونهجا ورؤيةً مُدركاً أن وفاة الدكتور محمد مصدق رحمة الله عليه ليس نهاية المطاف في إيران التي ستتوارث فيها الأجيال سيرة ونهج ومسار مصدق، وكان الملالي أفضل الخيارات والأدوات البديلة لدى القوى الإستعمارية لخلافة الشاه على عرش الإمتيازات في إيران ولم يطل مكوث خميني في فرنسا طويلا حتى عاد ليقفز هو ومن معه على الثورة الإيرانية ويؤسس نظاما مكملا لمسيرة الشاه ولكن بوسيلة ورداء الدين ونسي هو ومن ورائه أن ثورة فبراير 1979 قامت لحرق الباطل والطغيان وأن من أسقط الشاه سيسقطه لا محالة، وأما القوى الإستعمارية فقد استتب لها الأمر على الأقل لمرحلة قد بدأت للتو، ولم يأتي اختيارهم للملالي من فراغ فقد كانوا يعلمون أن الملالي من أعداء الدكتور مصدق وأنهم الأنسب لتوجهاتهم لمرحلة ما بعد الشاه.

سقط الملالي منذ أن سلبوا حقوق الثوار وأقصوا الرأي الآخر وأعدموه ونكلوا به وشردوه وسلبوه حق الحياة والكرامة، واليوم يقع عليهم ما وقع على سلفهم الشاه لا بل فقدوا اعتبارهم وسيطرتهم قبل أن يخلعهم الشعب على الرغم من أجهزتهم القمعية المتعددة، ولم يُعد يثق فيهم الشعب بما في ذلك عناصر وفئات من جسد النظام!! لا يثق فيهم ولا يعول عليهم ولا يأتمنهم على أيٍ من الأمور الحياتية اليومية البسيطة اليومية التي هي من أبسط واجبات ودلائل وجود الدولة وحكومتها الشرعية الكفوءة.

رُبَ صورةٍ بسيطةٍ لكنها تحمل ألف معنىً ومعنى، وفي صورة فريدة من نوعها يظهر الشعب الإيراني فيها أو من خلال مضمونها عدم اعترافه بسلطة حكم الملالي عندما قررت الأمهات حماية بناتهن من الهجمات الكيميائية التكتيكية الموجهة ضد مدارس البنات وقد أدت تلك الهجمات إلى إصابة الآلاف من الفتيات ووفاة بعضهن وخلق رعب وهلع في أوساط المجتمع في ظل تخلي الملالي عن مسؤوليتهم في إدارة الدولة في كافة المجالات وعدم تحليهم بالشجاعة وتحملهم مسؤولية هذه الهجمات الكيميائية واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الطلاب ما دفع بالأمهات إلى الذهاب والجلوس أمام المدارس تحدياً للنظام وتصديا لتلك الجرائم ومَن ورائها مِن أجل حماية فلذات أكبادهن.

تبرز هذه الصورة تفسيراً واضحاً يدل على عزلة وفجوة كبيرة بين الشعب الإيراني ونظام الملالي الحاكم.. وهنا يبرز سؤالاً هاماً وهو أين هي حكومة النظام؟ وهل هي معنية بهذا الشعب.. فإن كانت معنية فلماذا لا تتحمل مسؤلياتها وإن كانت لا تتحمل مسؤولياتها وبلغت من العجز ما يفضحها من خلال هذه الصورة وغيرها فإنها في هذه الحالة لا تمثل لا هي ولا نظامها ولا ولي فقيهها الشعب الإيراني ودولة إيران وبالتالي سقطت إعتبارياً وكليا عندما يكون هذا العجر مقرونا بالتزوير في مسرحية الإنتخابات الإستعراضية المعتادة لتُخرج رئيساً عينه ولي الفقيه كونه من أقرب الموالاة ومن مخلصي النظام المُدانين بارتكاب مجازر إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية بحق السجناء السياسيين وبحق عموم الشعب الإيراني، والمؤسف أن المجتمع الدولي قد اعترف بهذا الرئيس الذي عينه خامنئي، وعلى ما يبدو أنها كانت مكافئة للنظام الإيراني وليست هذه المكافئة بجديدة على مسيرة علاقات الغرب المهادن مع سلاطين جمهورية الموت في إيران فقد كانت حقبة محمد خاتمي اشد لؤماً وخبثاً وخداعاً وإجراماً.

وإن كان هذا هو الحال في إيران.. فمع من يُطبع العرب، ومع من يهادن ويسترضي الغرب.. مع مراكز قوى قمعية لا سلطة لها ولا شرعية.. وهنا نتساءل ما هو تفسير المطبعون والمهادنون لهذه الصورة وصور أخرى.. لا شرعية لنظام قائم على الخديعة والتطرف الإرهاب ونقض العهود والإستهتار بالمواثيق والقيم والقوانين والأعراف الدولية؛ وفي القانون يُفسر التغاضي عن محاسبة الجناة جريمة، والتستر على الجريمة جريمة!! فهل سيستمر الغرب في استرضائه للملالي ودعمهم بشكل أو بآخر؟ وهل سيجني العرب شيئاً من وراء تطبيعهم مع كيان محتضر بالكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة كسلطة حكم.. إن غداً لناظره قريب.

كاتب عراقي

شبكة البصرة

الثلاثاء 3 ذو القعدة 1444 / 23 آيار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط