بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

من المسؤول عن كارثة السودان 2

شبكة البصرة

صلاح المختار

علينا أن نتساءل بعد كل ما حصل: من المسؤول عن وصول السودان الى هذه الكارثة؟ هل تتحمل قوى الحرية والتغيير مسؤولية الخانق الذي دخل فيه السودان حاليا، واذا كان الجواب نعم تتحمل مسؤولية، فما هو السبب؟

قوى الحرية والتغيير تتحمل المسؤولية نتيجة عدم استخدام العنف الثوري في لحظة الذروة لحسم الصراع وإيقاف تداعياته وتعاقب خطواته المرسومة من قبل أجهزة المخابرات والقوى المعادية، إضافة للقوى الداخلية، فلو حسمت المعارضة الصراع بدون التنازل لعسكر النظام والموافقة على تسليمهم السلطة فهل كان السودان سيواجه الحرب الحالية؟ ام انه سيقطع الطريق على العسكر المتناحرين للاقدام على ما يقومون به الان ويوقف التعاقب المرسوم لخطوات الازمة؟ دون ادنى شك الحسم سيقطع الطريق على توالي حلقات مسلسل تدمير السودان. الانقلاب الثوري بصفته الاقل تكلفة بشريا وماديا بمراحل من استمرار تعاقب خطوات الصراع سوف يفتح ابواب انقاذ السودان خصوصا ان تصرفت قيادته بمنطق التوافق مع بقية القوى، لان ايقاف عملية تعاقب خطوات الازمة يمنع تصعيدها وتعقيدها، فهي كلما دخلت طورا جديدا زادت تعقيدا وتكلفة فيصبح الحل معقدا جدا، وهو ما نراه الان.

وبما ان قوى الحرية والتغيير تجاهلت هذا الخيار الصائب فأنها مهدت الطريق للعسكر للسيطرة، ويجب ان لا نغفل دور أجهزة المخابرات الدولية والإقليمية والعربية في التأثير على مواقف بعض قوى الحرية والتغيير سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة، كما يجب ان لانغفل سببا جوهريا وهو ان درجة وعي قوى سياسية للمخططات الدولية والاقليمية محدود وهو ما دفع هذ النوع من القوى للتورط في كارثة لم تكن تتخيلها وكانت تظن انها اختارت الطريق الصحيح! وعلينا هنا ان نذكر بأهم بديهيات الثمانية عقود الماضية المتفق عليها عالميا وهي ان امريكا هي العدو الاخطر لحركات التحرر العالمية، لذلك فمن السذاجة، او التساذج، منح الثقة لامريكا بتقبل وساطتها وخطتها للحل في السودان، خصوصا وانها مهندس مخطط تقسيم السودان وهي التي صنعت فصل الجنوب، وهذه بديهية معروفة، فكيف يمكن دعم خطة امريكا للحل من قبل قوى الحرية والتغيير؟ هل هو وقوع في الفخ نتيجة عدم معرفة امريكا وتاريخها ودورها واهدافها؟ ام انه وعي مسبق بوجود الفخ اصلا؟

من هنا فان إن الخطيئة الكبرى لاكثر قوى الحرية والتغيير كانت الاستمرار في الصراع وفقا لقاعدتين ملغومتين اوصلتا الانتفاضة الشعبية السودانية الى الخانق القاتل الحالي، وحولتاها الى فوضى هلاكة تفتك يالسودان بلا رحمة، وهما:

1- قاعدة سلمية الانتفاضة وعدم الخروج عنها رغم انها الجزء الرئيس في مخطط المخابرات الامريكية فيما سمي ب(الثورات البرتقالية) اوربيا، و(الربيع العربي) عربيا، وهذه السلمية المخابراتية ظهرت نتيجتها العملية عندما اتاحت الفرصة المطلوبة لتشرذم قوى الحرية والتغيير لعدم الحسم واطالة الصراع بصورة مخططة، وهو ما ادى الى تفاقم الخسائر البشرية، وهي الاغلى بالنسبة لنا، وتعاظم الازمة الاقتصادية وما تركته من ضغوط هائلة على العائلة السودانية، وتوسع الفلتان الامني وتململ المنظمات الانفصالية او المسلحة بعد ان وجدت في انفلات الصراع مبررا للعودة الى نهجها السابق، وانعكس ذلك على الجماهير التي تشرذمت وخارت قوى كثير منها بعد مرور اكثر من عامين على الانتفاضة دون حسم، فأدى كل ذلك للخروج القسري للانتفاضة عن اهدافها الحقيقية، وادخال السوادن عنق الزجاجة.

 

2- قاعدة قبول الدور الامريكي في الانتفاضة والمتميز بالدفاع عنها وعن رموزها، فقد رحبت قوى الحرية والتغيير -باستثناء حزب البعث السوداني (امينه العام الاستاذ يحيى الحسين) والحزب الشيوعي- بالدور الامريكي رسميا وتعاملت مع هذا الدور على انه دعم للانتفاضة رغم ان المخابرات الامريكية مازالت تعمل على تقسيم السودان علنا، وهذه حقيقة معروفة للسودانيين، وتقوم بتنفيذ خطتها على مراحل، واول مرحلة هي نشر الفوضى الهلاكة في السودان، والانتفاضة بطابعها العفوي خير بيئة لتحقيق ذلك الهدف الخطير، وشملت الفوضى الهلاكة كما نراها الان قوى الحرية والتغيير والاوساط الشعبية والعناصر العسكرية التي انشقت عن رأس النظام وتعاونت مع قوى الحرية والتغيير، وهي الان في حالة صراع دموي يتضرر منه الشعب والوطن بطريقة غير مسبوقة! والصورة الخطيرة الشاخصة امامنا هي الحرب القاسية التي تدور الان وتمثل مرحلة من مراحل الفوضى الهلاكة، لهذا لابد من طرح السؤال التالي: كيف ولماذا قبلت قوى الحرية والتغيير العمل وفقا للقاعدتين المذكورتين؟

ننتقل الان الى الدور التخريبي للسيد علي الريح السنهوري لانه محسوب على حزبنا وعلينا ان لاندع مجالا للشك بان موقفه المشبوه لاصلة له بحزبنا من اي ناحية، ونتسائل: ماهو دوره في تنفيذ اخطر مخطط امريكي وهو نشر الفوضى الهلاكة سواء في السودان او بقية الاقطار العربية وداخل حزب البعث؟ وما دلالات هذا الدور ونتائجه؟ لمن خدم؟ وهل كان نتاج قلة وعي او انه ثمرة تجنيده مخابراتيا؟

1- لنبدأ بالسودان فمن يعرف ما حصل في حزب البعث في السودان يعرف جيدا ان هناك اسما لعب الدور الحاسم في انشقاقات وتشرذم الحزب فهناك الان على الاقل ثلاثة تنظيمات تعمل باسم البعث وكلها تعرضت لخطوات تأمرية كان السنهوري مدبر غالبيتها، وادت للانشقاقات فقد كان يتعمد ترتيب قرارات فصل او اقصاء قادة في الحزب وهو ما يدفعهم للرد عليه وعلى من معه على اعتبار ان الاجراءات ضدهم كانت غير شرعية في الواقع، وهكذا يصل الحزب للنتيجة المطلوبة وهي التشرذم والانشقاق، وتشير كافة المصادر الحزبية القديمة في السودان الى ان السنهوري لم يكن يكتفي باصطناع الازمات بل كان يكملها بمنع او افشال اي محاولة لاعادة التوحيد، احيانا برفضها كليا، واحيانا اخرى باشتراط تقديم من فصل تقريرا يعتذر فيه ثم يقرر هو هل يقبل اعتذاره ام لا! وكان هذا الاسلوب اهانة لقادة اقدم منه واكثر خدمة للحزب وللسودان منه بمراحل، وهي طريقة استخدمت ليس لتطبيق النظام الداخلي بل لاذلال هؤلاء القادة ودفعهم للرفض وتحميلهم المسؤولية عن الانشقاقات فيقدم حجة تقول بانه لم يغلق باب التوحيد!

2- ولكن الاكثر خطورة في دور السنهوري التدميري هو انه اتهم بعمله مع اجهزة امنية للنظام السابق ومن اهم ما ذكر هو انه كشف لها انقلابا اعده البعث وكان ناجحا ومن شارك فيه وهم ضباط بعثيون تخرجوا من العراق، وسيطروا على المراكز الاساسية بما في ذلك الاذاعة والتلفزيون، وكان الانقلاب ناجحا بكل المعايير ولكن السنهوري المكلف بالاشراف على تنفيذه اصدر اليهم تعليمات بالانسحاب والغاء التحرك رغم انه انكشف للسلطة! وكانت النتيجة اعدام 28 ضابطا بعثيا! ان الشهود على هذه الحادثة احياء وابرزهم عوائل الضباط الشهداء الذين حمّلوا السنهوري مسؤولية اعدام ابناءهم ولذلك رفضوا حضوره مجالس الفاتحة التي اقيمت على ارواحهم الطاهرة. ان هذا الدور الخطير والمحاط بالادلة القوية جدا يؤكد انه كان مجندا من الاجهزة الامنية السودانية!

3- ولو نظرنا الى الحزب في بقية الاقطار لرأينا ان السنهوري كان وراء الانشقاقات التي حصلت في الاردن والجزائر وتونس وفلسطين واليمن وكانت جريمته الاعظم تفتيت الحزب في العراق! فلقد اقام تكتلا واضحا بعد غزو العراق وعمل على توسيعه، وفي تكتله جمع عناصر متناقضة وهي اضافة لمواقفها المعادية للحزب وتجنيدها من قبل اجهزة مخابرات معادية، وهدف التكتل السيطرة على اعلى قيادة وخطفها وهي القيادة القومية واستخدام اسمها المحترم لتحييد قادة الحزب الرافضين لانحرافاته!؟

4- تدخل في امور قطر العراق وشل قيادة القطر وفرض عليها امين سر ضعيف وثقافته متدنية جدا وصحته متدهورة، وعندما تم الاحتجاج من قبل القيادة على ذلك قام بفصل ومعاقبة أعضاء فيها بدون التقيد بالنظام الداخلي. انشق الحزب بسبب هذه الإجراءات وبدلا من أن يعالج هذه الأزمة بروح رفاقية وصدر منفتح حريص على وحدة الحزب خصوصا في مرحلة خطيرة كان يجب فيها أن يواصل دوره النضالي في اسقاط المؤامرة الإيرانية الأمريكية على العراق، ذهب السنهوري في سلوكه الى رفض إعادة النظر في قرارات الفصل وتجاهل وأهمل كل المحاولات لرأب الصدع، فادى كله الى تشرذم الحزب، مثلما فعل في السودان والجزائر وتونس واليمن ولبنان والاردن، وبذلك أصبح الحزب في الوطن العربي في حالة انشقاقات خطيرة كان وراءها السنهوري.

وهذه الانشقاقات لا تظهر خطورتها إلا حينما نربطها بالفترة الزمنية التي وقعت فيها وهي فترة وصول المخطط الامريكي الايراني الاسرائيلي ذروة غير مسبوقة من الخطورة والنجاح في تفكيك الأقطار العربية ونشر الفتن والحروب والتشرذم والانهيارات داخلها وكان ذلك دافعا حقيقيا للحزب كي يصعد نضاله ويوحد الصفوف لكي يتفرغ لمواجهة هذه المؤامرة ويحبطها مع بقية القوى الوطنية، لكن تفتيت الحزب شله وجعله ينطوي على ذاته وهو يخوض صراعا داخليا، فهل كان هذا الدور عفويا؟ او ناتجا عن دوافع شخصية؟ أم أنه على صلة مباشرة بمخطط اجتثاث البعث والذي طبق ليكون وسيلة من وسائل تمهيد الطريق لتقسيم الاقطار العربية؟

5- وزادت الأدلة على انحراف السنهوري وخدمته المخطط الامريكي الصهيوني الايراني عندما اشترك في حكومة مطبعة في السودان اعترفت بالكيان الصهيوني وشارك بوزير في الوزارة وعضو في مجلس السيادة، ورغم الاعتراضات على هذا الاشتراك وانسحاب حزبين هما حزب البعث السوداني برئاسة الاستاذ يحيى الحسين والحزب الشيوعي السوداني إلا أن السنهوري رفض الانسحاب حتى طرد من الوزارة ومن مجلس السيادة بعد الانقلاب الذي قام به العسكر على المدنيين في السودان. وإصرار السنهوري على البقاء في نظام مطبع مع اسرائيل هو دليل حاسم على قبوله التطبيع والتبعية لامريكا. وجاءت تأكيدات اخرى من خلال ما قاله السيد وجدي صالح عضو قيادة السنهوري في مقابلة تلفزيونية مع قناة البي بي سي البريطانية ومع قناه روسيا اليوم الروسية حينما أكد فيهما بأن حزبه ملتزم بكافة الاتفاقيات والقرارات الاقليمية والدولية التي تضمن السلام في المنطقة وتوفر ظروف التعاون بين دولها كلها، وهذا اعتراف باسرائيل وان كان بصيغة خجولة ومموهة، مثلما اعترف بكل صراحة بأن حزبه يقبل الحل الأمريكي للأزمة السودانية، وبذلك قدم تأكيدأ إضافيا لاندماج السنهوري في النهج الأمريكي والصهيوني.

6- ولم يتوقف الأمر عند هذه الحدود بل اعلن السنهوري رسميا بأن حزبه تخلى عن العنف ولا يؤمن إلا ب(النضال السلمي الديمقراطي)! وهذا الاعتراف بحد ذاته يعني بصورة رسمية وواضحة بأن الاحتلال لن يقاوم بالمقاومة المسلحة سواء في العراق او فلسطين وغيرهما وإنما بالنضال السلمي الديمقراطي، وهو ما أدى إلى الكارثة السودانية الحالية اي الحرب الدائرة في السودان التي لم تقم الا لان المدنيين الذين انتفضوا ضد نظام البشير لم يستعملوا احتياطياتهم العسكرية داخل الجيش من اجل اسقاط النظام في لحظة الذروة الثورية وتركوا الأمر بيد العسكر نتيجة عدم الحسم.

وفي فلسطين رأينا راكاد سالم يطبق هذا النهج السنهوري بحرفيته فقد اتفق مع الموساد على أن تتخلى جبهة التحرير العربية عن المقاومة المسلحة نهائيا وهو ما جعل الجبهة الوحيدة من بين فصائل المقاومة الفلسطينية التي لاتمارس المقاومة! وباع أسلحة جبهة التحرير العربية كلها وسرق المال! وهذا ما حصل ايضا في العراق حيث انسحب الذي فرضه امينا لسر القطر من الانتفاضة التشرينية والتي حدثت لانهاء الغزو الايراني للعراق، وكان ذلك ضربة قاسية للانتفاضة! يتبع...

Almukhtar44@gmail.com

18-5-2023

شبكة البصرة

الخميس 28 شوال 1444 / 18 آيار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط