بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

عودة سوريا إلى الجامعة العربية وجهود تشكيل نظام شرق أوسطي جديد...

واشنطن تلوح بسلاح العقوبات لمواجهة تحدي الركائز الأمريكية

شبكة البصرة

عمر نجيب

تعقد القمة العربية الثانية والثلاثون بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية يوم الجمعة 19 مايو 2023، لتسجل خطوات تحول جديدة في السياسات العربية بعيدا عن تأثيرات الضغوط والتدخلات الخارجية. القمة سوف تشهد مشاركة الجمهورية العربية السورية بعد غياب دام 12 سنة تقريبا. فقبل أكثر من عقد من الزمن ويوم السبت 12 نوفمبر 2011 قرر وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقدوه في القاهرة تعليق عضوية سوريا في الجامعة اعتبارا من السادس عشر من الشهر نفسه وذلك بعد سبعة أشهر من اندلاع الحرب شبه الدولية على ارض بلاد الشام. كما أعلنوا كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة من الدول المتحالفة معها فرض عقوبات اقتصادية وسياسية ضد دمشق.

قرار استعادة دمشق لمقعدها في المنظمة العربية اتخذه في القاهرة وزراء الخارجية العرب يوم الأحد 7 مايو 2023 بعد معركة سياسية كبيرة خلف الكواليس قادتها أساسا واشنطن مع العديد من الحكومات، وأفاد القرار بأن استئناف مشاركة سوريا في "اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها" سيسري على الفور بينما دعا أيضا إلى حل الأزمة الناجمة عن الحرب السورية.

وبينما دفعت دول عربية منها الإمارات في اتجاه إعادة العلاقات لطبيعتها مع سوريا والرئيس الأسد، عارضت دول أخرى منها قطر التطبيع الكامل دون وجود حل سياسي للصراع السوري.

بعد صدور القرار بدقائق قليلة انتقدته الولايات المتحدة بشدة، قائلة إن دمشق لا تستحق هذه الخطوة، كما شككت في رغبة الرئيس السوري بشار الأسد في حل الأزمة الناجمة عن الحرب في بلاده وذلك وفق المفهوم والقواعد الأمريكية.

وصرح متحدث بإسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة تعتقد، مع ذلك، بأن الشركاء العرب يعتزمون استخدام التواصل المباشر مع الأسد للضغط من أجل حل الأزمة السورية التي طال أمدها وأن واشنطن تتفق مع حلفائها على "الأهداف النهائية" لهذا القرار.

روسيا حليفة دمشق أشادت بعودة سوريا إلى الجامعة العربية. وذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في بيان "ترحب موسكو بهذه الخطوة التي طال انتظارها وهي النتيجة المنطقية للعملية التي اكتسبت زخما لإعادة سوريا إلى الأسرة العربية".

ابتداء من يوم الاثنين 8 مايو شرعت واشنطن في تكديس التهديدات بأنواع مختلفة من العقوبات الاقتصادية والسياسية وغيرها تجاه كل المطبعين مع سوريا والمتعاونين معها والكاسرين لسياسة العقوبات الأمريكية ضد دمشق وخاصة ما يسمى بقانون قيصر.

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، صرح للصحفيين "لا نعتقد أن سوريا تستحق إعادتها إلى جامعة الدول العربية في الوقت الحاضر". وأضاف "ما زلنا نعتقد أننا لن نطبع علاقاتنا مع نظام الأسد ولا ندعم حلفاءنا وشركاءنا في القيام بذلك".

وحض أعضاء في الكونغرس من الحزبين بلهجة أكثر حدة الولايات المتحدة على استخدام العقوبات لمنع التطبيع مع الأسد.

وقال بيان مشترك للرئيس الجمهوري للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، مايك ماكول، والعضو الديمقراطي في اللجنة، جورج ميكي، إن "إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية خطأ استراتيجي فادح سيشجع الأسد وروسيا وإيران على الاستمرار في ارتكاب المجازر بحق المدنيين وزعزعة استقرار الشرق الأوسط".

في الغرب الذي سجل مرحليا تخلف حدة عداء بعض دوله على الأقل علنيا لدمشق أو دعمه لتهديدات واشنطن تجاه سوريا وبقية الدول العربية، اعتبر اغلب المحللين عودة سوريا إلى الجامعة العربية نكسة كبيرة للسياسة الخارجية الأمريكية تضاف إلى سجل متسع من الإخفاقات.

شكلت سوريا نقطة أساسية في مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي وضعه المحافظون الجدد في العاصمة الأمريكية خلال العقد الأخير من القرن العشرين والذي نص على إعادة رسم حدود دول المنطقة العربية الممتدة من البوابة الشرقية للأمة العربية وحتى السواحل الغربية للشمال الأفريقي على أسس طائفية ودينية وعرقية وقبلية ومناطقية وذلك إلى ما بين 54 و56 دولة وذلك بإتباع تكتيك الفوضى الخلاقة وصنع الثورات الملونة.

كانت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كوندوليزا رايس، قد تبنت مفهوم "الفوضى الخلاقة"، وأوضحت لصحيفة "واشنطن بوست" عام 2005 كيفية انتقال الدول العربية والإسلامية من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، معلنة أن الولايات المتحدة ستلجأ إلى نشر الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط، في سبيل إشاعة الديمقراطية. "الفوضى الخلاقة" نظرية ترى أن وصول المجتمع إلى أقصى درجات الفوضى متمثلة بالعنف والرعب والدم، يخلق إمكانية إعادة بنائه بهوية جديدة.

بدأت العملية في عام 2011 وحقق المخطط نجاحا باهرا لاسيما في ليبيا واليمن، لكنه واجه مقاومة عنيفة في سوريا، واصطدم بتحالف شكلت روسيا أهم أعمدته.

 

القيمة الإستراتيجية

تظهر القيمة الإستراتيجية والجيواستراتيجية لسوريا أكثر في اعتماد الخارطة الطبيعية للمنطقة، أي قبل رسم الحدود السياسية المعاصرة، بدءا من سوريا الطبيعية بحدودها الممتدة حتى جبال طوروس شمالا، والمتوسط غربا بما فيها جزيرة قبرص، وما بين شمال الحجاز مع سيناء جنوبا، وجبال زاغروس شرقا، حيث إيران متجاورة مع سوريا الطبيعية بحكم الامتداد الجغرافي مع بلاد ما بين النهرين.

لكن هذه الحدود تقلصت تدريجيا ما بين الحربين العالميتين وما تم خلالهما من اتفاقيات دولية اقتضتها سياسة الانتداب على المشرق العربي، بعد توقيع اتفاقية سايكس ـ بيكو المعروفة عام 1916، وبعد تخلي فرنسا الاستعمارية عن لواء الاسكندرونة لتركيا وضمه نهائيا في 23 يونيو 1939، فأصبحت حدود سوريا السياسية الجديدة مشتركة من الشمال مع تركيا "كيليكيا وإسكندرون"، ومن الشرق مع العراق، ومن الجنوب مع الأردن، وفلسطين، وبقي الحد الغربي مفتوحا على البحر الأبيض المتوسط نافذة مهمة على العالم.

وبذلك تشكل سوريا قلب المنطقة العربية الذي يكون جسر اتصال ما بين آسيا وأوروبا، وما بين آسيا وإفريقيا، على رأي هنري بولور سنة 1860 بقوله: "إن سوريا كانت دائما تعد لدى أولئك الذين أنشأوا إمبراطورياتهم في الشرق، المرتكز الخاص الذي يبنون عليه أي تخطيط عتيد للفتوحات الشرقية، فهي في الواقع حلقة اتصال بين إفريقيا من جهة وآسيا من جهة أخرى".

 

تحديات مع بداية سنة 2011

لا بد من الإشارة إلى أن الأزمة الطاحنة التي تعيشها سوريا منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي، ليست وليدة تلك اللحظة فحسب، بل تعود جذورها التاريخية إلى مرحلة سابقة، عندما تزايدت الضغوط الأمريكية على دمشق منذ الغزو الأمريكي للعراق في سنة 2003، وهي ضغوط مستمرة منذ أن طلب كولن باول وزير الخارجية الأمريكي السابق في مايو 2003، إنهاء دور سوريا الإقليمي في لبنان وفلسطين والعراق، ووضعه في خدمة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة.

وعلى الرغم من هذه الضغوطات الأمريكية والعزلة الخانقة التي عاشتها سوريا وهي الدولة التي لطالما اعتبرت نفسها مفتاح الشرق العربي، وبيضة قبان الصراع العربي ـ الصهيوني والقضية الفلسطينية، ونقطة توازن الشرق والغرب في الوطن العربي، والجهة التي تمسك بالتوازنات العربية والإقليمية، منذ أن عمل الغرب على إخراج مصر من دائرة الصراع العربي ـ الصهيوني، فإن الدولة السورية ظلت متمسكة بثوابتها الوطنية والقومية تجاه أزمات المنطقة، ولاسيما بعد أن أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية ترى في سوريا عقبة كأداء فيما يتعلق بخلق نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط يقوم على حطام النظام السابق الذي كان في نظرها هشا ومفبركا ومفتوحا أمام منافسيها.

 

حقيقة الصراع

اعتمدت واشنطن في حملتها الدولية لعزل وتصفية الدولة السورية، زيادة على تجنيد وتسليح أكثر من 180 ألف مسلح من حوالي 80 دولة وذلك حسب تقارير دولية، على أساليب التضليل عبر إمبراطوريتها الإعلامية المنتشرة والمؤثرة بقوة في كل أرجاء المعمور، تماما كما فعلت بشأن كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق والأحداث في ليبيا وأفغانستان. وهكذا أصبح التعامل مع ما روجته يعتبر لدى البعض حقيقة مسلمة.

الكاتبة الألمانية كريستين هيلبيرغ حاولت تحليل التغطية الإعلامية للحرب السورية فقالت:

في ظل تعقيدات النزاع السوري بات عدد متزايد من المواطنين وحتى الإعلاميين والخبراء "ذوي النظرة الانتقادية" -مثلا في ألمانيا- يثقون بنظريات المؤامرة المنتشرة في الإنترنت أكثر من ثقتهم بتحقيقات الأمم المتحدة التي يقول واضعوها أنها قائمة على الحقائق العلمية.

كم مرة سبق لكم أن سمعتم عن أن أوَل ضحية في الحرب هي الحقيقة؟ وأن المرء لا يمكنه أن يثق بأي طرف - مثلا في الأزمة السورية، لأن الجميع ينشرون دعاية مغرضة ويخوضون "حرب الصور"؟ وربما يفعلون ذلك كثيرا جدا. إلى أن يقرر بعض قراء الصحف ومشاهدي التلفزيون أن يكفوا عن تصديق أي شيء.

كذلك يميل بعض الصحفيين إلى الاستسلام لنقل واستنساخ كل ما يقال حول حدث ما. هجوم بالغازات السامة في سوريا؟ يدعي البعض إن "الأسد هو المسؤول" ويقول الآخرون أن "المتمردين هم المسؤولون".

في النهاية يبقى لدينا شعور بأننا لا يمكننا معرفة من هو المسؤول، لأن الحقيقة ماتت منذ زمن طويل في هذه الحرب. وهكذا نكون قد وقعنا بالفعل في الفخ.

تعود العبارة القائلة بأن "الحقيقة ضحية الحرب" إلى عام 1914 بداية الحرب العالمية الأولى. تفيد هذه العبارة بأن أطراف الحرب يحبون وبصرف النظر عن الحقائق نشر رواياتهم حول ما حدث. ولكن يجب ألَّا يؤدي هذا إلى جعلنا ندفن الحقيقة، بل يجب -وعلى العكس من ذلك- أن يشجعنا على البحث عن الحقيقة.

ولكن أليست الحقيقة نسبية؟ أليس كل شخص لديه حقيقته الخاصة؟ لا، فكل شخص لديه تصوراته وإدراكه، نظرته إلى أحداث محددة. هذا التمييز بالذات أمر أساسي في الحرب: الحقيقة يمكن التقصي عنها بشكل موضوعي، بينما التصورات والإدراك أمر ذاتي.

 

نظام شرق أوسطي جديد

الصدمة التي تلقتها الإدارة الأمريكية في واشنطن بفشلها في استمرار عزل سوريا عربيا دفعها إلى تحليل الأسباب وطرح سبل العلاج.

إن عودة دمشق إلى الجامعة العربية تعتبر انتصارا دبلوماسيا لدمشق، التي حصلت حكومتها على إعادة اعتراف عربية.

وتقول صحيفة نيويورك تايمز إن عودة دمشق تعني أيضا أن الجميع اعترف بانتصارها في الحرب الدامية المستمرة منذ 12 عاما.

مع هذا قد يكون وجود الأسد بين الزعماء العرب، ومن بينهم حلفاء واشنطن الموثوقون، غير مريح للإدارة الأمريكية التي دأبت منذ سنوات على وصف الأسد بالمجرم والقاتل.

يقول زميل معهد هدسون، المحلل السياسي الأمريكي ريتشارد وايتز إن عودة سوريا إلى الجامعة يمكن أن تفهم على أنها جزء من "النمط السائد حاليا في المنطقة، حيث يبدو تأثير الولايات المتحدة أضعف".

لكن وايتز يقول لموقع "الحرة" إنه مع ما يجري حاليا في المنطقة، من عودة العلاقات بين إيران والسعودية، وتقوية عدد من حلفاء الولايات المتحدة لعلاقاتهم مع الصين، فإن واشنطن تبدو أقل انخراطا في الشرق الأوسط عما كانت عليه في السابق.

ويستدرك وايتز بالقول إن "عودة دمشق إلى الجامعة العربية ليست سوى اعتراف بالواقع على الأرض"، مضيفا أن سوريا لا تمثل تهديدا لمصالح الولايات المتحدة، أو على الأقل ليست تهديدا كبيرا لهذه المصالح "خاصة وأن الجيش السوري مرهق من عقد من القتال" والخزانة السورية شبه خالية.

وتقول نيويورك تايمز إن إعادة احتضان سوريا يمكن أن تطلق مليارات الدولارات الخليجية العربية في مشاريع إعادة الإعمار وغيرها من الاستثمارات لاقتصادها المترنح، مما يزيد من دعم الأسد.

ونقلت نيويورك تايمز عن ليلى كيكي، المديرة التنفيذية لحملة سوريا، وهي منظمة غير ربحية تدعم منظمات المجتمع المدني السورية "تتهمها عدة أوساط في العالم بالعمل لحساب المخابرات الأمريكية"، قولها "اليوم، وضعت الدول العربية أجنداتها السياسية الواقعية والدبلوماسية الساخرة فوق الإنسانية الأساسية".

وأضافت "باختيارها استعادة عضوية النظام السوري في جامعة الدول العربية، تكون الدول الأعضاء قد خانت بقسوة عشرات آلاف من ضحايا جرائم الحرب، ومنحت الأسد الضوء الأخضر لمواصلة سياساته مع الإفلات من العقاب".

وقبل يومين من اجتماع جامعة الدول العربية، كرر وزير الخارجية أنتوني بلينكن قوله أن الولايات المتحدة تواصل معارضة التطبيع مع سوريا.

وقال إن الانتقال السياسي السلمي الذي سيحل محل الأسد في نهاية المطاف من خلال الانتخابات كان "الحل الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء الصراع".

وإدراكا منهم أنهم لا يستطيعون منع الحلفاء العرب من استعادة العلاقات، وفقا لنيويورك تايمز، فقد حث المسؤولون الأمريكيون على محاولة انتزاع ثمن من الأسد في المقابل.

ووفقا لزميل معهد دول الخليج العربي في واشنطن، حسين أبيش، فإنه "لم يكن هناك أي شيء يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لمنع حلفائها وشركائها العرب من إعادة الانخراط مع سوريا الذين يمتلكون مصالح في دمشق".

ويضيف إيبيش لموقع "الحرة" أنه "بالنسبة للدول الأصغر مثل قطر والكويت، لا يهم كثيرا ما يحدث في سوريا ولكن بالنسبة لدول مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة والعديد من الدول الأخرى، هناك العديد من المصالح الحالية في سوريا، والتي تشمل ملفات إيران وتركيا ولبنان وحزب الله واللاجئين والمخدرات وجميع أنواع الاعتبارات الأخرى التي لها عواقب إقليمية وحتى محلية على تلك الدول".

ويقول إبيش لموقع "الحرة" إن الخيار كان أمام تلك الدول هو "إما متابعة مصالحهم من خلال إعادة الانخراط باستخدام الوسائل الدبلوماسية والتجارية والسياسية وغيرها، أو أن يكون لديهم نوع من الوجود العسكري المباشر أو غير المباشر في البلاد".

وأضاف "بمجرد سقوط الجزء الشرقي من حلب الذي كان يسيطر عليه المتمردون في أيدي الحكومة السورية قبل سنوات عديدة، كانت إعادة دمج نظام الأسد في جامعة الدول العربية أمرا لا مفر منه تقريبا".

ولهذا، يقول إبيش إنه لا يعتقد أن هذا سيكون له أي تأثير كبير على علاقات الولايات المتحدة مع أي من الدول العربية التي تعيد الانخراط مع سوريا الآن، مضيفا "لا يوجد سبب يدعو إلى ذلك. ليس من المنطقي أن تحاول واشنطن معاقبة تلك الدول أو الحكم عليها بقسوة لفعلها ذلك، على الرغم من أنه بغيض، فإنه من الواضح أنه في مصلحة تلك الدول".

 

أكبر من مجرد نصر محلي

جاء في تقرير نشر في واشنطن يوم 11 مايو 2023:

تمثل عودة سوريا إلى الجامعة العربية نصرا لنظام الأسد وفقا لكثير من المراقبين. وفي مقال تحليلي لخبير السياسة الخارجية في مركز سياسة الشرق الأوسط، نشر على موقع معهد بروكنغز، يشير الكاتب، ستيفن هايدمان، إلى أن عودة سوريا قد تعني ما هو أكبر من مجرد نصر محلي للنظام.

وفقا لأسوشيتد برس، فقد لعبت السعودية دورا رئيسيا في الضغط من أجل عودة سوريا إلى الجامعة العربية واستضافت اجتماعا شهر أبريل 2023 لمناقشة الموضوع. واستضاف الأردن اجتماعا آخر في وقت سابق من شهر مايو في السياق ذاته.

وظلت قطر أبرز المعترضين، ومع ذلك، بعد قرار يوم الأحد بإعادة قبول دمشق، قالت قطر في بيان إنها "لن تكون عقبة" أمام "إجماع عربي".

ويقول هايدمان إن التطبيع مع الأسد قد يشير إلى وجود "نظام شرق أوسطي جديد" لا تسيطر عليه الولايات المتحدة وتحالفاتها كما في السابق.

ويشير إلى أن التطبيع، يمكن أن يمثل بحد ذاته اعترافا من قبل الأنظمة العربية، بأنه لا يمكن التخلص من الأسد وأنه يجب التعامل معه، ولو كان ذلك فقط للحد من قدرته على خلق مشاكل لجيرانه.

ونقلت وول ستريت جورنل عن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قوله قبل أيام إن "كل مراحل الأزمة السورية أثبتت أنه لا يوجد حل عسكري لها ولا رابح وخاسرون"، وقال إن قرار الأحد سيمثل بداية عملية سياسية متجددة في البلاد.

ويأمل العرب، وفقا لهايدمان أن يكون إغراء التطبيع أكثر فعالية من العقوبات في إقناعه بمعالجة المخاوف الإقليمية، مع وضع اللاجئين على رأس جدول أعمالهم.

لكن الصورة الكبيرة، كما يقول هايدمان، فإن عودة الأسد تمثل شيئا أكبر أهمية من هذه الملفات.

ويذكر في مقاله "تمثل عودته إلى الحظيرة العربية التوطيد المستمر لما لا يمكن وصفه إلا بهيكل أمني إقليمي جديد، وهو إطار لإدارة المنافسات" في المنطقة.

ويضيف إن "التطبيع، مثل خطوة إضافية نحو وقف تصعيد الصراعات الإقليمية المستعصية إلى جانب الخطوات الأخرى التي ضيقت الانقسامات الإقليمية - بين إيران والسعودية، وقطر ونظرائها في مجلس التعاون الخليجي، وتركيا والمنافسين الآخرين في المنطقة مثل مصر، وإسرائيل ولبنان حول القضايا البحرية، أو اتفاق إبراهيم بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين".

ويقول إن "آثار هذا التحول أيضا في اليمن، حيث أتاح التقارب السعودي الإيراني أطول وقف لإطلاق النار حتى الآن في الحرب المستمرة منذ عقد من الزمان في البلاد".

 

تحدي الركائز الأمريكية

وفي مقاله، لا يبشر هايدمان بتضاؤل أو اختفاء الخلافات الإقليمية المعقدة، لكنه يقول إن الجهات الفاعلة عززت كما يبدو "الفلسفة العملية الواقعية" مقابل الانقسامات المزمنة.

ودعمت دول المنطقة - بما في ذلك السعودية وقطر ودول أخرى - المتمردين المناهضين للأسد لسنوات، لكن الجيش السوري، المدعوم من إيران وروسيا والجماعات شبه العسكرية المتحالفة معه، استعاد معظم البلاد.

وفي السنوات الأخيرة، تحركت العديد من الدول العربية نحو إعادة العلاقات الدبلوماسية، وأبرزها الإمارات العربية المتحدة في عام 2018. وأعاد الأردن وسوريا فتح حدودهما في عام 2021.

ويقول هايدمان إن "هذه البنية الأمنية الناشئة ستختبر كيفية استجابة الجهات الفاعلة الإقليمية للتحولات الجيوسياسية الأوسع، ولا سيما الدور المتضائل للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والنظام الدولي متعدد الأقطاب بشكل متزايد".

ويقول إنه "إذا لم ينه الإطار الذي انبثق عن هذه الظروف الانقسامات الإقليمية، فقد يعمل على منع المنافسات الدائمة من الغليان إلى صراع مفتوح، وإذا حدث ذلك، فقد يشهد الغرب سابقة تاريخية للعالم العربي، هي تشكيل إطار أمني منظم محليا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة".

ويذكر إن هذا المشهد الأمني "يثير أسئلة جوهرية حول دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط"، وكيفية تعامل الولايات المتحدة مع النظام الإقليمي الذي يتحدى العديد من ركائز سياستها في الشرق الأوسط.

 

موقف الإدارة الأمريكية

ذكر تحليل نشر في العاصمة اللبنانية بيروت حول عودة سوريا العربية، ان اللافت هو موقف الإدارة الأمريكية، الذي أظهر نوعا من العجز وعدم القدرة على التأثير على حلفائها من الدول العربية، عندما قال المتحدث باسم وزارة خارجيتها، أن واشنطن لا تعتقد بأن سوريا تستحق العودة إلى الجامعة العربية في هذه المرحلة، لكنها تفهم أن شركائها يسعون للتواصل المباشر مع الرئيس السوري، لمزيد من الضغط باتجاه حل الأزمة السورية. مضيفا بأن إدارته تشكك فيما وصفه بـ "رغبة الأسد في حل الأزمة السورية"، لكنها تتفق مع شركائها العرب حول الأهداف النهائية.

وهذا يؤكد بأن الإدارة الأمريكية ليست قادرة على التأثير في هذا الملف، وهذا ما كشفه رئيس ما يسمى بهيئة التفاوض السورية المعارضة بدر جاموس، في معرض انتقاده لـ"جهود التطبيع العربي مع النظام"، حينما اعتبر بأن موقف واشنطن "ثابت لم يتغير، ربما هناك ضعف في التصرفات ولكن الموقف ثابت". كما كشف داموس بأن الدول العربية التي زارها مع وفد من الهيئة أخبرته بأن قيامها بإعادة العلاقات مع الحكومة السورية هو "لمصلحة السوريين"، وأنه "لا يمكن استمرار الأزمة 12 عاما، ولم تنجح محاولات السياسة القديمة بغلق الباب على النظام، ولا توجد قوة ستذهب لإسقاطه، فيجب الحديث معه لإيجاد الحلول". وهو اعتراف إضافي بأن ما نشهده في هذه المرحلة، هو اعتراف بالفشل والهزيمة أمام سوريا، وأن كل شعارات الحوار من أجل حل الأزمة السورية، هي ذريعة لعدم إظهار ذلك.

 

تهديدات للجميع

إذا كان بعض المحللين في واشنطن قد أوصوا إدارة البيت الأبيض بتجنب الصدام مع الحكومات العربية خاصة التي يستمر البعض في الولايات المتحدة بوصفها بالحليفة إلا أنه يظهر أن الاتجاه السائد لدي واضعي السياسة الأمريكية هو منطق المواجهة رغم أن العالم يمر بفترة مخاض تنبئ بنهاية نظام القطب الواحد الأمريكي.

تقدم مجموعة مشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يوم الخميس 11 مايو 2023، بمشروع قانون يطالب الإدارة الأمريكية بعدم الاعتراف ببشار الأسد رئيسا لسوريا وبتعزيز قدرة واشنطن على فرض عقوبات، في تحذير للدول التي تطبع علاقاتها مع دمشق.

وبحسب رويترز، يمكن للتشريع المقترح أن يمنع الحكومة الفيدرالية الأمريكية من الاعتراف أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة في سوريا يقودها بشار الأسد الذي يخضع لعقوبات أمريكية.

كما يهدف إلى توسيع نطاق قانون قيصر الذي بموجبه فرضت واشنطن عقوبات قاسية على سوريا منذ عام 2020.

يأتي مشروع القانون بعد طي عدد من الدول العربية صفحة سنوات المواجهة مع دمشق، حيث دعمت دول عربية لسنوات، المعارضين لنظام الأسد، لكن الجيش السوري المدعوم من إيران وروسيا، استعاد السيطرة على أغلب المناطق في البلاد.

كما تطورت العلاقات بين تركيا وسوريا إلى حد عقد لقاء بين وزيري الخارجية في موسكو، بعد سنوات من العداء والتدخل السافر وفي ظل وصف سوريا لوجود قوات تركية في مناطق شمالي سوريا بأنه "احتلال".

وقدم عضو الكونغرس، جو ويلسون، مشروع القانون رفقة عدد من المشرعين البارزين مثل مايكل ماكول وبراندون بويل.

وصرح عضو كونغرس بارز عمل على صياغة مشروع القانون، لرويترز، إن التشريع هو تحذير لتركيا والدول العربية من أنهم قد يواجهون تبعات حال الانخراط والتعاون مع حكومة الأسد.

ويدعو المشروع وزارة الخارجية الأمريكية إلى إستراتيجية لخمس سنوات حول كيفية مواجهة عمليات التطبيع مع نظام الأسد. وتوضيح كيفية مواجهة التطبيع مع حكومة الأسد وضمن ذلك قائمة الاجتماعات الدبلوماسية التي تعقد بين الحكومة السورية وتركيا والإمارات العربية المتحدة ومصر وغيرها من الدول.

كما سيوضح مشروع القانون إمكانية تطبيق العقوبات الأمريكية على الخطوط الجوية السورية وشركة طيران أجنحة الشام. وقال الموظف الكبير في الكونغرس إنه بموجب مشروع القانون المقترح، ستفرض عقوبات على مطار أي دولة تسمح لشركتي الطيران بالهبوط فيه، كما ستفرض عقوبات على الشركات والدول التي تتعامل مع دمشق وشركاتها.

في حالة إقراره، سيتطلب مشروع القانون أيضا مراجعة التحويلات المالية، وضمن ذلك التبرعات التي تزيد على 50 ألف دولار، من أي شخص في تركيا والإمارات ومصر ودول أخرى عديدة، للمناطق السورية التي تسيطر عليها حكومة الأسد.

وأشارت رويترز أيضا، إلى أن مشروع القانون يدعو لفرض عقوبات على الدول التي تسمح لشركة الطيران الرسمية السورية باستخدام مطاراتها.

وصرح موظف كبير في الكونغرس، عمل على مشروع القانون، إن مشروع القانون سيقدمه رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب مايكل ماكول، وعضو الكونغرس جو ويلسون، والديمقراطيان ستيف كوهين وفيسنتي غونزاليس وآخرون.

كما صرح الموظف الكبير حسب رويترز، إن مشروع القانون تحذير لتركيا ودول عربية من أنها ستواجه عواقب وخيمة إذا تفاعلت مع حكومة الأسد. وأوضح مقترحو مشروع القانون أن "إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية أثارت حفيظة أعضاء الكونغرس وكشف الحاجة إلى ضرورة التحرك بسرعة لإرسال إشارة".

السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارين جان بيير ذكرت، إن واشنطن أبلغت شركاءها في الشرق الأوسط بأن العقوبات الأمريكية ضد دمشق لا تزال سارية. وأضافت: "أوضحنا لشركائنا أننا ملتزمون بحزم بقانون قيصر ونشاورهم كي لا يخاطروا بالتعرض للعقوبات".

 

بكاء إمبراطورية على الأطلال

الولايات المتحدة الأمريكية كغيرها من القوى أو الإمبراطوريات سواء في فترة الأفول أو أثناء عملية استعادة القوة، وعندما تواجه نكسة ما تسعى للتعامل معها ويتم تقديم تحليلات حول الأسباب وكذلك برامج ومشاريع وخطط لمواجهة النكسات وطرق وأساليب علاجها ومنع تكررها.

طغيان منطق التبريرات سلبية وإيجابية يعطي دلالات ويقدم فرص استنتاجات منطقية عن مسار توجه هذه القوة.

خلال الحرب الكورية 1950 إلى 1953 وبعد عدم حسمها لصالح التحالف الغربي تم وضع تفسيرات وتبريرات في الغرب وكذلك في الشرق وكلها متناقضة حول السبب في عدم الحسم. في حرب الفيتنام 1954 إلى 1975 وبعد تبادل الأدوار بين فرنسا والولايات المتحدة قدمت في واشنطن وغيرها تبريرات لتحويل هزيمة المارد الامريكي إلى مجرد نكسة ناتجة عن أخطاء سياسية وتكتيكية وليس ضعف أو مؤشر انحسار. الأمر تكرر في 30 أغسطس 2021 في أفغانستان.

دافع البيت الأبيض في تقرير سلمه للكونغرس عن مسار انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في 2021، الذي أنهى 20 عاما من المحاولات الفاشلة لهزيمة حركة طالبان وأكد أن "إدارة الرئيس جو بايدن فعلت كل ما في وسعها".

وذكر مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض إن ما من شيء كان بإمكانه "تغيير مسار الانسحاب" وإن "الرئيس بايدن رفض إرسال جيل آخر من الأمريكيين لخوض حرب كان يجب أن تنتهي بالنسبة للولايات المتحدة منذ فترة طويلة".

الأمر نفسه يعيد نفسه الآن وإن كان مرحليا ربما بأبعاد أقل سطوة من السابقات ولكن ماذا عن ما يتبع، الأمر يتعلق بفشل واشنطن أولا وبعد 12 سنة من الحرب في اسقاط دمشق، ثم ثانيا فشل فعالية فرض المجاعة والجمود على سوريا بفضل العقوبات، وثالثا وليس أخيرا منع عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية يوم 16 مايو 2023:

هل يكفي اتفاق الإدارة الأمريكية وقادة الكونغرس على رفض التطبيع العربي مع النظام السوري لعرقلة الأمر؟. وما هي السياسة الأمريكية تجاه سوريا في المرحلة المقبلة؟.

برنامج "عاصمة القرار" على قناة "الحرة"، طرح هذا الموضوع مع الأستاذ الجامعي الأمريكي بول بيلار، مساعد مدير "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية سابقا، وديفيد أديزنِك، مدير الأبحاث في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات".

كما شارك في جزء من الحوار: السفير الأميركي السابق ديفيد ساترفيلد، والكاتب السعودي أحمد الشهري، والناشط السياسي السوري سمير التقي، مدير "مركز الشرق للدراسات".

يقول بول بيلار إن قرار جامعة الدول العربية هو "اعتراف بالواقع، واقع عدم التخلص من نظام الأسد الذي ربح الحرب السورية. فسياسة عزل بشار الأسد لم تؤد إلى نتيجة. والخلاصة أن القرار العربي منطقي وواقعي، وعلى واشنطن عدم معارضته". وينتقد ديفيد أديزنِك، مدير الأبحاث في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" القرار العربي و"إدارة بايدن، التي رغم انتقادها العلني للتطبيع مع الأسد، قد أعطت الضوء الأخضر للدول العربية بفعل ذلك".

يعتقد السفير الأمريكي السابق ديفيد ساترفيلد أن قرار التطبيع العربي مع النظام السوري "ليس له علاقة بالولايات المتحدة، بل بالهواجس العربية من ترك سوريا للأجانب، وبتخفيف التوتر مع إيران. أنا لا أدعم شرعنة النظام السوري دون أي مقابل للجامعة العربية. فالقرار العربي لن يغير أو يؤثر على دور إيران وتركيا في سوريا، بل سيؤدي إلى شرعنة وجود إيران في سوريا والمنطقة. فالقرار باختصار هو انتصار للنظام السوري وروسيا وإيران، اللتين لم ولن تساعدا في تنفيذ القرار الأممي 2254".

ويدعو الباحث الأمريكي ستيفن هايدمان إدارة بايدن "لمواجهة قرار التطبيع بوضوح وحزم. فالتطبيع العربي مع النظام السوري يؤشر إلى نشوء نظام جديد في الشرق الأوسط، وهي هندسة جديدة وكبيرة في المنطقة دفع إليها التراجع الأمريكي، الذي وضع الدول الإقليمية أمام حتمية المصالحة والتعاون". ويضيف هايدمان أن "هذا التطور سيخلق تحديات كثيرة للولايات المتحدة، ومصاعب في تنفيذ سياساتها الإقليمية القائمة في معظمها على مواجهة إيران".

يقول جوشوا لانديس، مدير قسم الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما: "لن يساوم الأسد مع المعارضة، فطبيعة نظامه تجعل هذا مستحيلا".

ويرى بوبي غوش، الكاتب الأمريكي في بلومبرغ أن قرار الجامعة العربية "إعادة دمج سوريا الأسد، هو رهان كارثي. ويضيف أن القرار لن يحل أي شيء في الشرق الأوسط، بل سيضيف إلى لائحة مشاكله، وسيضع إدارة بايدن أمام موقف حرج بخصوص إلغاء العقوبات عن نظام الأسد".

وتعتبر الكاتبة الباحثة لينا الخطيب أن "الجامعة العربية منحت الأسد انتصارا بلا قيود ومن دون أي شروط. وإن عدم امتلاك هذه الدول العربية أوراق ضغط على الحكومة السورية، يزيد الشكوك بشأن إحراز تقدم في أربعة ملفات رئيسية وهي: قضية اللاجئين، ومكافحة تجارة الكبتاغون، وملف المختفين والمعتقلين داخل سوريا، وأخيرا التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية".

ويرى ديفيد أديزنِك أن " العرب أعطوا جائزة للأسد الذي لن يشارك السوريين بالسلطة وليس لديه أي حافز لتطبيق القرار 2254". فيما يدعو بول بيلار إدارة بايدن إلى "التخلّي عن السياسة الأمريكية الحالية تجاه سوريا لأنها لم تحل مشاكل السوريين".

ويقول تشارلز ليستر، مدير قسم سوريا في "معهد الشرق الأوسط" إن "الخاسر الأكبر من إعادة ضم سوريا إلى الجامعة العربية هو الشعب السوري، والرابحون هم الأسد وإيران وروسيا وداعش والأنظمة الدكتاتورية العربية".

وفي الإطار الأوسع، يرى الكاتب الأمريكي هانس كريستنسن أن قرار جامعة الدول العربية "إعادة قبول مجرم الحرب بشّار الأسد في المجموعة يشير إلى قوة توطيد الاستبداد في الشرق الأوسط، ويخدم المصالح الروسية في المنطقة وفي أوكرانيا".

 

واشنطن وتل أبيب

صدمة تل أبيب بفك سوريا عزلتها العربية النسبية كانت مساوية لشعور البيت الأبيض، خاصة ان ذلك سيزيد الضغط على واشنطن وتركيا لسحب قواتهم من سوريا كما سيوثق تعاون دمشق مع مكومات المقاومة الفلسطينية وحزب الله اللبناني وإيران.

"تمثل عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية نقطة تحول رمزية في وجه الربيع العربي، وجزءا من حقبة دبلوماسية جديدة في المنطقة، تمنح الفوز لإيران وروسيا".

هكذا يخلص تحليل لصحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية نشر يوم 8 مايو، يشير إلى أن القرار العربي، يمنح الفرصة لإيران في زيادة تهديد إسرائيل.

ويقول التحليل إن القرار بعودة سوريا إلى الحضن العربي يأتي باعتبارها "مكافأة مقاومة"، وهي الخطوة التي تأتي مباشرة بعد زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق. ويضيف: "يبدو هذا كأنه ختم موافقة على دور إيران في سوريا".

ويتابع: "كما ستسعد روسيا بهذا القرار، كونها حليفة لرئيس النظام السوري بشار الأسد منذ سنوات"، لافتا إلى أن القرار يتعارض كذلك مع التوجه الأمريكي الذي لا يرى أي تغيير في موقف النظام السوري يستلزم عودته للجامعة العربية.

ويستطرد التحليل: "قد يمنح القرار تركيا أيضا فرصة لتطبيع العلاقات مع سوريا، ومواصلة اجتماعاتها متعددة الأطراف المستمرة مع دمشق".

أما فيما يتعلق بإسرائيل، فيقول تحليل "جيروزاليم بوست" أن للقرار تداعيات كبيرة على إسرائيل، خاصة في الصراع مع إيران.

ويضيف: "إيران تهدد إسرائيل من سوريا، بينما تقوم أيضا بتهريب الأسلحة إلى حزب الله في لبنان"، في مقابل شن إسرائيل منذ سنوات حملة "الحرب بين الحروب" ضد ترسيخ الوجود الإيراني في سوريا.

ويتابع التحليل: "مع عودة سوريا للجامعة العربية وسعي الدول العربية إلى إنهاء الصراع هناك، قد تتحول الأضواء إلى التوترات الإسرائيلية الإيرانية في سوريا".

ويضيف: "قد تسعى إيران إلى تحويل مواردها من اليمن أو العراق إلى سوريا، لتعزيز تهديداتها لإسرائيل". ويستطرد: "قد تحاول إيران أيضا تهديد قوات الولايات المتحدة الموجودة في سوريا".

ويزيد: "كما قد تحاول إيران استخدام عودة سوريا كغطاء لنقل المزيد من الأسلحة إلى دمشق، في محاولة لاستفزاز إسرائيل، الأمر الذي قد يضع القدس في موقف معقد".

 

الحرب من جديد

يقدر بعض المراقبين أنه في نطاق محاولات واشنطن وقف تقلص نفوذها على الساحة الدولية في مواجهة كل من روسيا والصين والقوى المتحالفة معهما، والنكسات التي يواجهها حلف الناتو في الحرب الدائرة في وسط شرق أوروبا منذ 24 فبراير 2022، توجد توجهات قوية في البيت الأبيض والبنتاغون لشن تصعيد عسكري جديد في بعض مناطق العالم حيث يوجد تنافس مع بكين وموسكو من أجل إثبات الذات وتحذير الآخرين من أن واشنطن قادرة على استعادة زمام المبادرة.

يوم 10 مايو 2023 حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من أن الولايات المتحدة الأمريكية تجهز ما يسمى بـ "جيش سوريا الحرة" لزعزعة استقرار الأوضاع في سوريا.

جاء ذلك خلال الاجتماع الرباعي الذي عقد في موسكو لوزراء خارجية روسيا وسوريا وإيران وتركيا، حيث تابع لافروف أن الولايات المتحدة لم يعد يكفيها مجرد دعم السلطات الكردية المعلنة من جانب واحد في منطقة ما وراء الفرات، وكذلك لم يعد يكفيها ضخ مزيد من الأسلحة للجماعات المسلحة غير الشرعية التي أنشأتها، مضيفا: "بحسب معلوماتنا، فقد بدأ الأمريكيون في تشكيل ما يسمى بـ "جيش سوريا الحرة" في محيط الرقة السورية بمشاركة ممثلين عن العشائر العربية المحلية ومسلحي داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية. والهدف واضح: استخدام هؤلاء المقاتلين ضد السلطات الشرعية للجمهورية العربية السورية، لزعزعة استقرار الوضع في البلاد. وقد نوقشت هذه القضية مؤخرا من قبل زملائنا العسكريين الذين وافقوا على مخطط للعمل المشترك في هذا الاتجاه. وآمل أن يتم تنفيذ جميع الخطوات في هذا العمل بنجاح".

وكانت موسكو قد أشارت في وقت سابق إلى استخدام واشنطن للإرهابيين لتحقيق أغراضها الخاصة، حيث أفادت دائرة الاستخبارات الخارجية الروسية بأن الولايات المتحدة كانت تدرب مسلحين مرتبطين بجماعات "داعش" الإرهابية في قاعدة التنف التابعة لها لتنفيذ هجمات إرهابية في روسيا ودول رابطة الدول المستقلة الأخرى.

من جانبها ذكرت وكالة الأنباء السورية "سانا" أن مجموعات مسلحة من "قسد" داهمت بمؤازرة قوات الاحتلال الأمريكي قرى تابعة لناحية تل حميس ومدينة الطبقة بريفي الحسكة والرقة، "للبحث عن مطلوبين رفضوا الخدمة مع قوات تدعمها واشنطن".

Omar_najib2003@yahoo.fr

شبكة البصرة

الاربعاء 27 شوال 1444 / 17 آيار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط