بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

على خطى المزارعين.. النحالون العراقيون يهجرون ديارهم

شبكة البصرة

لتأمين حاجة خليته من رحيق الأزهار الذي يصنع منه العسل، يقوم النحل برحلة يومية في المناطق المحيطة، ضمن دائرة يصل نصف قطرها إلى خمسة كيلومترات للبحث عن الزهور، لذلك يحرص النحالون في الظروف الإعتيادية، على وضع خلاياهم في مناطق تكثر فيها النباتات الزهرية، سواء في بساتين مزروعة، أم في الغابات الطبيعية أو المناطق الجبلية. ومثلما يحتاج النبات والحيوان والإنسان إلى الماء لاستمرار حياته، يحتاج النحل أيضاً إليه، مما جعل مشكلة المزارعين ورعاة الحيوانات والنحالين في شح المياه ومقاومة التصحر والجفاف واحدة.

ومع تضاؤل فرص بقاء النحل في العراق على قيد الحياة، سواء بفعل العوامل الطبيعية التي تفتك بالمزروعات، أم بالإهمال الحكومي والفساد، اضطر النحالون – كما فعل المزارعون قبلهم- لترك ديارهم والتنقل أو الهجرة بعيداً عنها، بحثاً عن مصادر الرحيق للنحل، وبالتالي عن رزقهم الذي ارتبط بحياة النحل.

وسلطت تقارير محلية الضوء على الضربة القاسية التي وجهها التغير المناخي لإنتاج النحل، مؤكدة أن ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض معدل هطول الأمطار، وتواتر العواصف الترابية، عوامل أثرت سلباً على البيئة التي يحتاجها النحل لإنتاج العسل، وبالتالي انخفضت كميات المنتوج، وتراجعت جودته.

 

معاناة النحالين

ونقلت هذه التقارير معاناة النحالين العراقيين الذين أفادوا بأن العواصف الترابية والحرائق والتلوث شتت النحل، وقال أحد النحالين إن عدد الخلايا في منحله تناقص من 300 خلية إلى 100 خلية فقط، مضيفاً أن كثيراً من النحالين يتنقلون من محافظة لاخرى لإنقاذ مناحلهم، ومنهم من لم يحتمل هذه المعاناة، فهجر المهنة والتجأ إلى مهن اخرى.

ويقول “عبد الكريم” من محافظة كربلاء، إن من بين الأسباب التي قضت على صناعة العسل في العراق “السماح للمستورد بغزو الأسواق المحلية بأسعار تكاد تكون رمزية، مما يعزز الرأي القائل إن هناك أيادٍ تعمل في الخفاء على تقويض المنتج المحلي لصالح الأنواع المستوردة”.

تناقص حاد بأعداد النحل، حيث اختفى بعضها وفقد البعض الآخر قدرته على الإنتاج بنسبة تصل إلى 80%، وأن العراق فقد نتيجة ذلك أكثر من 50% من ثروة النحل

ورداً على سؤال حول الجدوى من بيع بضاعة بسعر رمزي يقل عن سعرها الحقيقي، يقول المتحدث وهو مهندس زراعي عاطل عن العمل، “بينما يثبّت التاجر الأجنبي أقدامه في السوق المحلية، تكون المناحل العراقية قد لفظت أنفاسها وتركت له السوق يتحكم بأسعارها كيف يشاء، عند ذلك يعوض خسارته إن كان قد خسر بالفعل، وهذا ما حصل للعديد من المحاصيل الزراعية المستوردة من إيران، حيث كانت تباع بأقل من سعر تكلفة إنتاجها”، مؤكداً على دخول أنواع “صناعية” رخيصة من العسل لا يمكن تمييزها عن الطبيعية، خاصة مع وجود تأكيدات بعدم خضوع المستورد للتقييس والسيطرة النوعية”.

 

أمراض النحل مشكلة اخرى

ولا تتوقف المشكلة عند دخول كميات كبيرة من العسل المستورد إلى البلاد، بل أن أسراباً من النحل أيضاً تدخل من دول مجاورة، حاملة معها أنواعاً من الأمراض، قضت على أعداد كبيرة من النحل العراقي.

وأكد النحال “حسين العزاوي”، إن “معظم النحالين في غرب ووسط وجنوب العراق نقلوا مناحلهم إلى شمال العراق وخصوصاً كركوك ونينوى وبعض مناطق إقليم كردستان، بحثاً عن الأزهار التي تعيش عليها خلايا النحل”، لكن مشكلة اخرى واجهتهم هناك، تتمثل بانتشار”نحل غريب” دخل من الدول المجاورة عبر إقليم كردستان، لينشر أمراض النحل ويقضي على أعداد كبيرة من النحل المحلي، ألذي انخفضت مناعته ضد الأمراض بسبب المشاكل البيئية. وقال النحال “علي صفاء”، إن “التصحر الذي ضرب العراق، أدى إلى غياب النباتات الزهرية التي تعتبر الغذاء الرئيس للنحل، مما خفض مناعة النحل وساهم بانتشار الأمراض بسهولة داخل خلاياه الرطبة، وحدوث هلاكات كثيرة جداً”.

وتشير المصادر إلى تناقص حاد بأعداد النحل، حيث اختفى بعضها وفقد البعض الآخر قدرته على الإنتاج بنسبة تصل إلى 80%، وأن العراق فقد نتيجة ذلك أكثر من 50% من ثروة النحل”.

وكانت إحصاءات سابقة قد ذكرت إن الإنتاج المحلي بلغ أكثر من 2000 طن من العسل الطبيعي سنوياً، تنتجها 500 ألف خلية مسجلة رسمياً، فضلاً عن مربين هواة واسرٍ تمتهن تربية النحل.

 

خسائر متبادلة

ويقول المتخصصون في الزراعة، إن وجود خلايا النحل في المناطق الزراعية يساهم بزيادة إنتاجيتها بنسبة 3/1، وهو أمر يجعل العلاقة بين النحالين والمزارعين ومربي الحيوانات علاقة مصيرية، فزيادة إنتاجية المزارع عامل إيجابي للإنسان كما هو كذلك للحيوان، وبناء على ذلك تكون خسائرهم من قلة الموارد المائية والظروف الجوية واحدة، وعندما تدفع هذه العوامل المزارع ومربي الحيوانات للهجرة، لا يتبقى للنحال سوى الرحيل وهو يحمل ما تبقى خلاياه، بحثاً عن مصادر الرحيق والمياه.

وأجرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) عام 2016، دراسة ميدانية قارنت بين 344 رقعة زراعية في مناطق منتخبة من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، خلصت إلى أن المحاصيل الزراعية انخفضت بشكل ملحوظ في المزارع التي لا يتوافد عليها النحل، بالمقارنة مع المزارع التي اُنشئت المناحل فيها أو بالقرب منها، وهذا ما جعل العلماء الذين شككوا بمقولة منسوبة إلى عالم الفيزياء الشهير “ألبرت أنشتاين”، إعادة النظر في موقفهم منها. ولم تذكر المصادر ما يؤكد أن أنشتاين قد قال بالفعل إن “الإنسان سينقرض بعد أربع سنوات إذا انقرض النحل”، لكن حقيقة التخادم الإيجابي بين الإنسان والنبات والنحل والحيوان، تجعل تهديد أي عنصر منها تهديداً للآخرين، وفي الحالة العراقية بدا ذلك واضحاً، عندما تهددت كل هذه العناصر في آن واحد، بتعطيشها وتجويعها، ووضعها على طريق الإنقراض.

وكالة يقين

شبكة البصرة

الاحد 8 ذو القعدة 1444 / 28 آيار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط