بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قانون العفو العام.. إتفاق على المبادئ واختلاف على التفاصيل

شبكة البصرة

يأمل كثير من الناخبين الذين وثقوا بمرشحيهم، أن يحدث التغيير الذي وعدوهم به بعد فوزهم بالانتخابات، لكنهم يجهلون ما يجري في الكواليس بعد ظهور النتائج، حيث تبدأ المساومات بين الكتل الفائزة. وفي هذه المرحلة التي اصطلح على تسميتها ب”مفاوضات تشكيل الحكومة”، يجري بيع وشراء كل شيء، بدءاً بالمناصب والمواقف، مروراً بالحصص من الموازنة، وانتهاءً بعضوية اللجان النيابية، التي تحدد مصير مشاريع القوانين المؤجلة من الدورات السابقة، والتي ينتظر الناخبون المخدوعون بهذه اللعبة إقرارها.

ومثلما تنتظر شريحة الخريجين العاطلين عن العمل، وشريحة المتقاعدين، وغيرهم من الشرائح الاجتماعية، إقرار القوانين التي يؤدي تنفيذها لتحسين أوضاعهم، تنتظر شريحة السجناء إصدار قوانين تنصفهم، خاصة وأن أغلبهم يقبع في السجون بوشاية المخبر السري، أو اقتيدوا من حواجز التفتيش، أو اعتقلوا خلال حملات الدهم، ألتي نفذتها ميليشيات وقوات أمنية، مدفوعة في الغالب بعوامل طائفية، دون أن يرتكبوا أي جريمة.

وبما أن أغلب هذه العمليات تمت في المناطق ذات الأغلبية السنية، فقد تعهدت القوى التي تطرح نفسها كممثل لأهالي هذه المناطق، بالعمل على إقرار قانون العفو العام من أجل إنصاف هذه الشريحة، وجبر خواطر عوائلهم التي تنتظر عودتهم منذ سنين، لكن ما الذي استطاعت هذه القوى تحقيقه لهم، بعد مرور سبعة أشهر من عمر الحكومة؟

 

الشيطان يكمن في التفاصيل

وكان زعيم تحالف تقدم، رئيس مجلس النواب الحالي “محمد الحلبوسي”، قد صرح بأن تشريع قانون العفو العام هو أحد شروطه للمشاركة في ائتلاف “إدارة الدولة” ألذي شكل حكومة السوداني، وهو القانون الذي لم تقره الحكومات السابقة لاعتراض كتلٍ اخرى عليه. وفي الشهر الماضي ألمح عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب “سالم العنبكي” لوجود توافق على أكثر من نصف فقرات مسودة القانون، لكنه أضاف أنه يتطلب “تمحيصاً ودراسة”. ومع أن القانون “يستثني القتلة والارهابيين ومن ارتكب جرائم ولم ينل جزاءه حتى الآن” بحسب العنبكي، إلا أنه أشار إلى “وجود خلافات حيال المشمولين وعددهم وغيرها من الفقرات”.

وغالباً ما يفشل تمرير مشاريع القوانين عند وصول المناقشات حولها إلى التفاصيل، حيث يبدأ المعارضون لها بمحاولة عرقلتها.

ويفسر مراقبون هذه الإشكالية بقولهم، إن الكتلة الأكبر تبدي موافقتها المبدئية على شروط الكتل الاُخرى من أجل كسب تأييدهم في تشكيل الحكومة، مثلما حصل مع قانون العفو العام، لكن المشاكل تبدأ عند مناقشة تفاصيلها.

وتوقعت مصادر مقربة من مجلس النواب أن تعترض بعض الكتل حتى على مناقشة القانون، خاصة الأذرع السياسية للميليشيات، لكن الحكومة أعدت نسخة “منقحة” منه وأرسلتها لمجلس النواب، وذلك لطمأنة القوى التي طالبت بإقراره، ولوحت بسحب دعمها لحكومة السوداني إذا حاول البعض عرقلة إقراره.

 

على ماذا يعترضون؟

وفي وقت ينتظر ذوي المختطفين والمسجونين ظلماً تشريع القانون وعودة أبنائهم، بدأ مسلسل مساومات جديد في كواليس البرلمان وخارجه، حيث تردد أن بعض الجهات داخل البرلمان تريد شمول تجار المخدرات بالقانون، كصفقة للقبول بتمريره. وقال عضو اللجنة القانونية “أوميد محمد”، إنّ “الفئات التي من المفترض أن يتم شمولها بقانون العفو من المتورطين بجرائم الإرهاب وتجارة المخدرات”. ومن المعروف أن تجاراً ومروجي مخدرات كانوا يعملون قبل القاء القبض عليهم بحماية ميليشيات لها أذرع سياسية داخل البرلمان، وهي الآن تحاول استغلال القانون للإفراج عنهم.

ويعترض نواب، خاصة من الاحزاب المكونة للإطار التنسيقي، على تشريع القانون وفق الصيغة التي طرح بها عام 2016، والتي تنص على إعادة المحاكمات. وقال عضو اللجنة القانونية “رائد المالكي”، إن “الإتفاق السياسي نص على تشريع قانون العفو العام، لكن لا نعلم الصيغة التي سيطرح بها، لأنه إذا كان على شاكلة القانون الذي شرّع عام 2016، فستكون هناك مشكلة، لأن القانون سمح بإعادة المحاكمات، وهذا انتقاص من مهنية القضاء وطعن فيه عندما قيل إن المحاكمات السابقة لم تكن حقيقية، وكانت الاعترافات تنتزع بالإكراه”، حسب تعبيره.

وكانت منظمات دولية ومحلية معنية بحقوق الانسان، قد أكدت بالفعل على انتزاع اعترافات السجناء بالاكراه، في مقدمتها منظمة العفو الدولية “هيومن رايتس ووتش”، التي أكدت تقاريرها المنشورة على موقعها الالكتروني، إن القضاة في العراق “لا يحققون في شكاوى- ذات مصداقية – بتعذيب قوات الأمن لمشتبه بهم في قضايا الإرهاب”.

وتحدثت مصادر صحفية عن تلقي مكتب مستشار رئيس الوزراء لحقوق الإنسان آلاف الشكاوى من سجناء يطالبون بإعادة التحقيق بقضاياهم بعد الحكم عليهم، إستناداً لاعترافات انتزعت بالاكراه.

 

تعديلات تفرغ القانون من محتواه

وخلال سبع سنوات مرت على طرحه، اُعيدت صياغة بعض فقراته أكثر من مرة، مما دفع بناشطين بمجال حقوق الانسان، للتحذير من افراغه من محتواه قبل إقراره.

وطرح القانون أول مرة عام 2016 وعُدل في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2017 بعد اعتراض القوى التي شكلت فيما بعد “الاطار التنسيقي”، وهي نفس القوى التي تعرقل اليوم اقراره. ومن بين تلك التعديلات شمول السجناء الذين تتم التسوية بينهم وبين ذوي الحق الشخصي بالعفو، وكذلك شمول السجناء الذين يسددون ما بذمتهم من الأموال العامة ذات الصلة بجرائم الفساد. كما عُدلت فقرة تمنع العفو عن المدانين وفق قانون مكافحة الإرهاب بعد 10 حزيران/يونيو 2014، وعدلت الفقرة 5 من المادة الثالثة من القانون، المتعلقة باستثناء جرائم الاغتصاب والخطف من العفو. وشمل التعديل إمكانية منح العفو لمن أمضى ثلث محكوميته بجرائم التزوير، على أن يدفع 50 ألف دينار عن كل يوم سجن.

ويقبع اليوم 60 ألف سجين بينهم 1500 امرأة في 30 سجناً في البلاد، فضلاً عن سجن “سوسة” في محافظة السليمانية، الذي يتبع بدوره لوزارة العدل الاتحادية، بحسب مصادر رسمية في وزارة العدل. وأكدت هذه المصادر، إن “الطاقة الاستيعابية للسجون تجاوزت 300%”، أما ما يخص السجون السرية وتلك التابعة للميليشيات فلا تُعرف أعدادنزلائها، ولا طبيعة الظروف التي يمرون بها.

وكالة يقين

شبكة البصرة

الخميس 21 شوال 1444 / 11 آيار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط