بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مجلة شهرية يصدرها حزب البعث العربي الاشتراكي - قطر الجزائر

العدد: 16 مايو 2023

شبكة البصرة

قال الله تعالى: مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا

كلمة العدد

إن هاجس السودانيين هذه الأيام لم يعد تلك الأحلام الكبار التي كان يمكن لها أن تصبح خططا ممنهجة وبرامج عمل واضحة وإنجازات مشهودة قاعدة لبناء سودان الغد وبناء المجتمع الجديد الذي تطلعت إليه الملايين عبر تاريخ هذا البلد وما كان هذا الأمل حلما عابرا أو غاية عصية المنال. ولم يعد الحلم هو الفكر السياسي ولم يعد هو ارتياد تخوم المستقبل... هاجس أهل السودان اليوم هو ساعة بدون سماع صوت رصاصة او دوّي قصف املهم في الحصول على رغيف خبز ليس ملطخا بالدم هذا الخبز الذي اريد له أن يكون سلة غذاء العالم.. وأقصى ما يطمحون إليه هو الحد الأدنى من الخدمات الضرورية، لقد تغير الحلم الكبير وتلاشى، وأضحى كل ما يطمح اليه الشعب السوداني هو الحق في الحياة.

 

الافتتاحية

إن الاقتتال الذي يدور في السودان هذه الأيام هو حلقة متجددة في سلسلة طويلة من الصراعات السياسية التي تتطور في كل مرة لحد اتخاذ صوت الرصاص والمدفعية وسيلة لفض الخلافات. والملفت للنظر أن قيادات الجيش كانت دائما في عين الصراع بل المحرك الرئيسي والفاعل الأساسي فيه بسيطرتها على دواليب الحكم والسلطة من خلال الانقلابات العسكرية المتعددة والتدخل المباشر في إدارة دواليب الحكم، فرجال العسكر هم الأكثر ظهورا في المشهد السياسي في السودان منذ الاستقلال هذا المشهد الذي تميز بالفشل في إدارة وتسيير شؤون البلد.

وبالتالي فإن القسم الأكبر من المسؤولية يتحمله قادة المؤسسة العسكرية في مواجهة الشعب والوطن فلا هم حققوا أمال الشعب في الرقي والتقدم والتنمية، ولا هم حافظوا على أمنه واستقراره ووحدته.

كما أن الطبقة السياسية والنخبة المثقفة لم ترق هي الأخرى إلى مستوى ما يكتنزه البلد من مقومات التطور والنمو التي يزخر بها هذا البلد المتربع على مساحة شاسعة هي الأكبر في قارة افريقيا قبل انفصال الجنوب بسبب فشل النظام العسكري القائم في إدارة الصراع والمحافظة على وحدة البلد الترابية والشعبية، فهذه المساحة التي تكتنز ثروات مادية وبشرية وحيوانية متنوعة وأراضي زراعية هي الأخصب في العالم أسالت لعاب الدول الغربية المصنعة ذات النزعة الامبريالية.

المؤسف حقا هو أن يتحول حماة الوطن وحراسه إلى أدوات لتدميره وتقسيمه سعيا لفرض توجهات سياسية معينة أو تحقيق مصالح ذاتية ضيقة لا تخدم إلا مشاريع خارجية معادية والدليل على ذلك أن الشعب السوداني بجميع فئاته وأطيافه وشرائحه غير منخرط بأي شكل من الأشكال في هذا الصراع، فلمصلحة من يتقاتل حلفاء الأمس أعداء اليوم؟؟

 

مقتطف من ثورية الوحدة العربية

"... نفسية التجزئة هي التي تفسر الى حد بعيد ليس تكاثر الاتجاهات المتنافرة المتناقضة فحسب، بل ايضا سلبية هذه الاتجاهات وعجزها عن كل بناء. هي نفسية الفرار والعجز، فرار الى التوسع الوهمي (الاممية التقدمية والرجعية) او التقلص المصطنع (الاقليمية اللبنانية والمصرية) كأن ربط العرب بعجلة عالم اوسع من عالمهم يغنيهم عن التحرك الذاتي، او كأن الجهد الروحي الذي يبذل لبعث الحياة في قسم منهم لا يكفي لبعثهم جميعا. نفسية التجزئة تحلم بالثورات الصاخبة العاصفة وتقنع بالإصلاحات الرخيصة والترقيعات الهزيلة المضحكة، تتكلم عن المبادئ وتعني اقتسام المناصب والمنافع. نفسية الوحدة تخلق الفكر الجريء النزيه والعمل العميق الصبور.

ان شعار "البعث العربي" (امة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة) يشير الى مستوى الوحدة اذ يقرنها بالرسالة. فالتفكير في الرسالة والكلام عنها لا يكونان مشروعين وجديين الا على نطاق الوحدة. ذلك لان الانقلاب، وهو خلق الشروط التي تمكن الامة من التغلب، بقواها الذاتية، على اسباب تخلفها، لا يكون مشروعا ولا جديا إلا على نطاق الوحدة ايضا. والرسالة ليست الا الانقلاب وثمراته. فانقلابية البعث العربي نابعة مباشرة من فكرة الوحدة، واداة هذا الانقلاب هو الجيل الذي له عقلية الوحدة ونفسيتها، الجيل العربي الجديد الذي يستمد قيمه من امكانات الامة العربية الكامنة لا من الواقع المريض."

الرفيق المرحوم احمد ميشيل عفلق

 

تقرؤون في هذا العدد:

عيد العمال

موجة الجفاف

ركود الساحة السياسية

الاقتتال الاعتباطي في السودان

السودان... مسيرة واحداث

الحرب العبثية في اليمن

دبلوماسية حارطة الطريق روسيا - الصين

 

عيد العمال

يتكرر الاحتفاء بعيد العمال في الفاتح من ماي من كل سنة في روتين ممل، تبرزه بعض المهرجانات المستنسخة من السنوات الخوالي، وبعض المشاهد والروبرتاجات التلفزيونية المستخلصة من صور فلكلورية عفا عنها الزمن.

كل سنة والطبقة الشغيلة على حالها، لا هي تجددت وتطورت، ولا سوق العمل ازدهر وتنوع، فالتراوح في المكان هو السائد، ومظاهر البطالة يسوقها لنا الشارع المكتظ بالبشر أثناء ساعات الدوام، والمقاهي نشطة بروادها لا تكاد تفرغ طيلة ساعات اليوم بالطاقات الشبابية المعطلة.

اي عيد نحتفي به؟ ومئات الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد عاطلون بعضهم يقتات من منح البطالة، والبعض الاخر ينتظر حضه في التوظيف، والقلة القليلة منهم تحظى بمنصب عمل. وعشرات الآلاف من الطاقات المتعلمة تغادر البلاد قاصدة الدول الغربية لعلها تجد ضالتها في العيش الكريم وتصرف طاقاتها بما يخدم اختصاصها المعرفي والحرفي.

واي احتفاء بعيد العمال، والتنمية راكدة وعاجزة على امتصاص جيش الشباب البطال، والذي تحول من طاقة قادرة على الإنتاج، إلى طاقة جامدة مستهلكة تهدد الاقتصاد الوطني، إذ اصبحت عالة على المجتمع والدولة، بل بعضها تحول إلى مصدر منتج للانحراف.

فثمة عوامل مرتبطة ببعضها البعض، تتكامل وتتفاعل لإنتاج استراتيجية علمية قابلة للتنفيذ، فهناك مؤسسات الدولة التي تبني البرامج والخطط، وترسم السبل والأهداف - بعيدة عن الشعبوية واستيراد القوالب الجاهزة- لإحداث تنمية شاملة، بإعداد ثروة بشرية واعية ومتكونة وقادرة على تحمل المسؤولية، مع خلق فرص استغلال طاقات هذه الثروة في المجالات المختلفة للتنمية الاقتصادية والصناعية والزراعية والخدماتية، العلاقة جدلية بين الثروة البشرية والتنمية. اي لا تنمية دون وجود فرد مكون قادر على التأقلم والابداع لتحقيق المردود، ولا فرد مكون دون إتاحة الفرصة له وتوفير الاختيارات الإبداعية في مجال التنمية الشاملة.

ويبقى الجهد المبذول والمتميز كشرط أساسي لإحداث التطور على مستوى الفرد ومجال العمل، مع توفير الحقوق المطلبية المحفزة لتفعيل الطاقة الفنية والعقلية والمهنية للعامل.

فالتطور الذي يحد من حالة التسيب، وهدر الطاقات الشبابية _ لا يمكن تحقيقه الا بتطور المنظومة التربوية بأطوارها المختلفة، وبناء علاقة جادة بين الجامعة والمعاهد مع المجال التنموي المتنوع. ومن الأخطار التي تهدد سوق العمل بالتصحر في بلادنا، يكمن في النزوح المروع للطاقات البشرية الحاملة للشهادات العليا في مختلف الاختصاصات. فالوطن ينفق الملايير في إعداد وتكوين الفرد، والدول المستقبلة لهذه الفئة من الطاقات.. تستثمرها دون أن تخسر عليها فلسا، فهي جاهزة للاستغلال -نحن نكوّن والغرب يستفيد-

الغرب في الماضي ينهب الثروات الباطنية، ويستغل جهد الطبقة العاملة للدولة المستعمرة، وحاليا ينهب الثروة المادية والبشرية في آن واحد، وبذلك ضمن استغلال المخزون المادي والبشري من جهة، وحقق هدف إبقاء البلد المنهوب متخلفا، ويقوم بدوره بملء الفراغ وتحويله الى سوق لترويج منتوجاته الصناعية.

فالأمن السياسي لا يتحقق إلا بتحقيق الأمن الاقتصادي وبه يضمن الأمن الاجتماعي الذي يجعل من الثروة البشرية للبلد عامل استقرار ومستغلة لتحقيق التطور والازدهار والعيش الكريم والسيادة الوطنية.

 

موجة الجفاف

لقد عرفت الجزائر هذه السنة موجة من الجفاف لم تمر عليها منذ سنين، لقد جفت السدود، وشحت المياه الجوفية، وتضررت الزراعات المطرية والمسقية مما أثر سلبا على المردود الفلاحي والحيواني، وعطل التنمية الزراعية وأحال مئات الآلاف من العمال في الحقل الزراعي على البطالة. وقد أصبح الأمن الغذائي للمواطن مهددا، وتضرر دخل الفلاحين، والكسبة من مربي المواشي.

وتضاعفت أسعار الخضر والفواكه، واعلاف المواشي، وانعكاس ذلك على القدرة الشرائية للمواطن، وتنامى السلوك الطفيلي للمضاربين والمحتكرين يغرق السوق والتحكم في قوت المواطن.

إن لم تسع الدولة إلى ضبط وتيسير هذه المرحلة الخطيرة بإيجاد آليات علمية وقانونية متحكم فيها، منها توفير مياه الشرب، ومراقبة وتسيير السوق وتنظيمه للحد من الفوضى التجارية، التي تخلق أزمة قد تستغلها الجيوب القذرة المرتبطة بأجندات الخارج، فالدولة لمسؤولة على عدم ترك الفرصة لهؤلاء الخونة للعبث باستقرار الجبهة الاجتماعية.

كما على مؤسسات الدولة أن ترقى بمسؤولياتها وقدراتها إلى مستوى ضبط السلوك العام التجاري، وتوفير ضرورات العيش، والتحكم في التسيير والتوزيع العادل لموارد المياه.

انها سنة قحط، ولا تجابه الا بالصبر وعدم التبذير والرضى بالقليل، والتأقلم النفسي والاستهلاكي استجابة للوضعية التي فرضها الجفاف.

 

ركود الساحة السياسية

تشهد الساحة السياسية في الجزائر ركودا وخاصة وأن البلاد تعيش تحديات خطيرة منها الصراع بين السلطة وبارونات الاحتكار والمضاربة والتهريب والمخدرات ومخاطر وجود الكيان الصهيوني على الحدود الغربية وتنامي ظاهرة الارهاب في الساحل والوضع في ليبيا وتونس كلها قضايا تتطلب نقاشا ونشاطا سياسيا لتنوير الراي العام. والا ما الجدوى من وجود هذا الكم من الاحزاب السياسية المعتمدة، ام ان نشاطها لا يظهر الا في المناسبات الانتخابية؟!

امام هذا الوضع نطرح عدة تساؤلات: هل ان هذه الاحزاب فقدت بريقها في الوسط الشعبي وخاصة الاسلامية منها والوطنية وعلى راسها جبهة التحرير الوطني او الاحزاب المعارضة التقليدية؟ فالنشاط السياسي ضرورة لمتابعة عمل الحكومة بدعم كل ما هو ايجابي ونقد اي مسار لا يخدم المواطن والدولة.

هذا الركود السياسي سيؤدي حتما الى انسحاب الشعب وخاصة الشباب في المشاركة في الشأن العام. فالحياة العامة تحتاج الى الراي والراي الاخر. ما يلاحظ ان قضية المضاربة وغلاء المعيشة قد طغت على التفكير الجماعي للمجتمع والدولة، وتم تغييب الخوض في المسائل الجوهرية المتعلقة بالقضايا الاستراتيجية كالأمن الغذائي وتنويع الاقتصاد الوطني والتنمية وتطوير المنظومة التربوية وعصرنة الإدارة والقضايا الحساسة الاخرى كالسياسة الخارجية والدفاع.

هذا الركود السياسي سيؤدي حتما الى طغيان الاحادية وعدم القدرة على اكتشاف اخطائنا وعيوبنا. فالسلطة لها مهام هي تنفيذ برنامجها المعلن والاحزاب دورها الرقابة وطرح البديل. فتنشيط العمل السياسي يؤدي الى التنمية البشرية واعداد الكادر الواعي الملم بدوره في تسلم مقاليد المسؤولية. فبقدر ما تتنوع المشاريع والبرامج والافكار بقدر ما ينموا الوعي الجماعي للمجتمع.

وعلى هذا الأساس من واجب الدولة ان تشجع النشاط السياسي من خلال فتح الفضاءات الاعلامية وتنظيم الندوات والملتقيات لمناقشة القضايا الوطنية والقومية والدولية الراهنة. وتسهيل عملية اعتماد الاحزاب وفي المقابل على الاحزاب ان تتحرك وتبادر لأداء مهمتها المنوطة بها.

 

عيد سعيد وكل عام وأنتم بخير

" بمناسبة عيد الفطر المبارك لسنة 2023م/1444ه يتقدم حزب البعث العربي الاشتراكي قيادة قطر الجزائر بأحر التهاني والتبريكات لكل أفراد الشعب الجزائري وللأمة العربية والإسلامية، سائلا المولى عز وجل أن يتقبل الصيام والقيام وصالح الأعمال وأن يعيده علينا وعلى أمتنا بالخير واليمن والبركات وأن يضمد جراحنا ويرفع عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن."

عيد سعيد وكل عام وأنتم بخير

حزب البعث العربي الاشتراكي

عن قيادة قطر الجزائر الرفيق بلقاسم بلعباس

 

الاقتتال الاعتباطي في السودان

لم يعرف السودان الاستقرار أزيد من نصف قرن، وكل الأنظمة المتعاقبة بعد الاستقلال لم تتوفر لديها شروط قيادة الدولة لكونها تستمد قوة سيطرتها في الحكم من القوى القبلية والطائفية الدينية والإثنية ومن الدعم الخارجي المخترق لدواليب السلطة.

ولم تنتقل السلطة عبر الإرادة الشعبية بل بالانقلابات، وكان حكم العسكر هو السائد، وكل الشؤون المدنية والمؤسساتية ولائية كانت أو مناطقية تسير بشكل مباشر من ضباط الجيش.

ولكون السودان من أغنى البلدان الإفريقية والعربية بتوفره على أخصب الأراضي واغناه موارد زراعية وحيوانية وطبيعية مستكشفة غير مستغلة فان الاستعمار الخارجي ركز أجندته على هذا البلد الغني من حيث الثروة، والفقير من حيث عدم استغلال خيراته جراء التطاحن القبلي والإثني، مما زاد استمرار الوهن والتردي الاقتصادي والثقافي، ونتيجة مركزية الحكم وانحصار مهام السلطة في إطفاء نار الفتن مع استمرار التمرد الذي تغذيه القوى الاستعمارية الصهيونية والأمريكية، مما أدى إلى فصل جنوبه عن الوطن الأم، الشيء الذي شجع القوى المناطقية وبدعم خارجي على حمل السلاح ضد الدولة المركزية في دارفور والنيل الأزرق، والمنطقة الشرقية المحاذية للحدود الإثيوبية والغضارف، هذه الفوضى المستمرة نتيجة الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها السلطة في حق الشعب وغياب الحوار البناء، وجعل الولاء للقبيلة والمنطقة والطائفة وليس للوطن.

ومن خلال هذه الثغرات ولجت الأجندات الأجنبية وراحت تتصارع فيما بينها لأجل النيل والسيطرة على هذه المنطقة الثرية، وأصبح السودان ساحة التطاحن بين قوى الشر باستغلالها للقوى المحلية المتناحرة المسيرة من طرف استخباراتها.

ان عدم الاستقرار الأمني قوض الاستثمار المحلي والاجنبي، وقد عملت القوى الكبرى على تعطيله بإثارة الفتن واللاأمن، وأضحى السودان من بلد يكفي بثرواته الزراعية والحيوانية الوطن العربي إلى بلد نصف سكانه تحت سقف الفقر.

وما الصراع الدائر بين طرفي المؤسسة العسكرية إلا نتيجة للتطبيع مع الكيان الصهيوني وتدخل القوى الاستعمارية الكبرى لتوسيع دائرة الهيمنة لتلامس الساحة الليبية ومنطقة الساحل.

وقد ازداد النشاط الخارجي الاستخباراتي والتمويل العسكري والمادي لتغذية القوى المتصارعة ولكل منها بيدقها الذي تراهن عليه على تحقيق مآربها ولو على حساب تدمير البلد وسقوط الآلاف من الضحايا وتشريد الملايين وتعطيل التنمية وانتشار المجاعة.

إن تدخل القوى الخارجية في الشأن الداخلي السوداني (لغرض حل الأزمة) ما هو إلا بداية لتأسيس مرحلة خطيرة لتوسيع رقعة الصراع وانتقاله إلى مرحلة أخطر وهي الحرب الأهلية حيث أرضيتها مهيأة منذ سنين بانتشار الميلشيات وتوفر السلاح، ومظاهر التمرد المسير من هذه القوة أو تلك تمهيدا لتقسيم السودان وانهاء وجوده جغرافيا، كقطر ينتمي إلى الأمة العربية.

وجامعة الدول العربية تتحمل مسؤوليتها التاريخية لكونها شجعت وشرعنت فصل الجنوب نزولا عند رغبة المشروع الصهيوني الغربي ولم تعارض الانفصال، وبذلك ساهمت في تأسيس مرحلة التفتيت لأقطارها وانسحبت من مسؤولياتها وتركت مصير الأمة تتقاذفه قوى الشر. والأدهى مباركة القوى المدنية السودانية المشاركة في المرحلة الانتقالية بالانسياق والانقياد والانبطاح لمشروع التطبيع الذي أسس للاسيادة ورهن مصير البلد للصهيونية والأمريكان للعبث بسيادته. ان تحييد المنافقين العسكريين منهم والمدنيين الذين شاركوا في زرع الفتنة وارتضوا مقاسمة السلطة مع أركان النظام السابق هو الطريق الأسلم لخنق الأزمة، وغير القبول بأي مبادرة أجنبية مهما كان منبعها، واخذ العبرة مما حدث في سوريا والعراق وليبيا واليمن، وكل تدخلاتها غذى الصراع واستبعد الحل الوطني، وسجل حضورها العسكري للسيطرة على الثروات، ونقاط ارتكاز لتوسيع هيمنتها استراتيجيا.

فمصير السودان لا يقرره الا ابناؤه الصادقون، بدءا باستبعاد الكانتونات المسيرة من عبدة الدولار وغلمان قوى الشر.

 

السودان... مسيرة واحداث

منذ استقلال السودان عام 1956، شهدت البلاد صراعات وحروبا أهلية، بهدف السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد، التي انفصل عنها جنوبها بعد سلسلة من الحروب والصراعات.

وبدأت الانقلابات العسكرية بعد عام واحد من الاستقلال، حيث نفذت مجموعة من ضباط الجيش بقيادة إسماعيل كبيدة، انقلابا ضد أول حكومة وطنية ديمقراطية، لكن رئيس الحكومة إسماعيل الأزهري، أفشل المحاولة الانقلابية.

- وسيطر الفريق إبراهيم عبود مع مجموعة من الضباط على حكومة ائتلافية بين حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي عام 1958، بيد أن اندلاع ثورة شعبية عام 1964 أدى إلى سقوط حكم عبود.

دخلت الأطراف السياسية والعسكرية في السودان بين أعوام 1964 – 1969 حلقة جديدة من الصراعات على السلطة استمرت أربع سنوات، وانتهت بتنفيذ مجموعة "الضباط الأحرار" بقيادة جعفر النميري انقلابا عسكريا، بعد فترة من الأزمات السياسية والمؤامرات والتحالفات المتهافتة على السلطة.

النميري وإفشال الانقلابات

ومنذ سيطرة جعفر النميري على السلطة في السودان، شهدت البلاد عددا من الانقلابات العسكرية الفاشلة.

وقاد الضابط هاشم العطا ومجموعة من الضباط المحسوبين على الحزب الشيوعي في الجيش السوداني انقلابا استولوا فيه جزئيا على السلطة لمدة يومين، لكن النميري استعاد سلطته وحاكم الانقلابيين وعددا من المدنيين.

وفي عام 1973، وقع خلاف داخل المؤسسة العسكرية تحول إلى تمرد عسكري جديد، قام به مجموعة من الضباط معلنين عزمهم محاربة "الاستعمار الجديد" وإنهاء التبعية للغرب التي اتهموا بها نظام النميري.

لكن التمرد لم يستمر سوى ثلاثة أيام، تدخلت بعدها قوى دولية وإقليمية تتقدمها مصر وليبيا بشراكة بريطانية، إلى جانب دعم داخلي لهذا التدخل قاده رجل أعمال سوداني هو خليل عثمان، الأمر الذي ساعد في القضاء على التمرد في وقت قياسي، وأعيدت السلطة للنميري، وفق "بي بي سي".

وأفشل النميري خلال عامي 1975 و1976 محاولتي انقلاب فاشلتين، إحداهما بقيادة ضابط الجيش حسن حسين، والثانية بقيادة العميد محمد نور سعد، واستمر بعد ذلك حكم النميري حتى عام 1985 حيث أعلن الجيش السوداني انتهاء حكم النميري، إثر عصيان مدني شامل واحتجاجات على الغلاء.

وحاول الفريق عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب، التصدي لعملية عزل النميري معلنا تشكيل مجلس عسكري أعلى لإدارة المرحلة الانتقالية تحت رئاسته، وحدّد مدة هذه الفترة في سنة واحدة تجرى الانتخابات في نهايتها.

ومع بداية عام 1986 بدأت الأحزاب الإسلامية تظهر على الساحة السودانية، لكن الانقلاب العسكري الذي نفذه عمر حسن البشير ضد الحكومة المدنية المنتخبة برئاسة رئيس الوزراء الراحل الصادق المهدي آنذاك، تسبب في تراجع دور الإسلاميين، حيث شن الانقلابيون حملة اعتقالات طالت قادة جميع الأحزاب السياسية بمن فيهم حسن الترابي زعيم الجبهة الإسلامية القومية.

وسيطر البشير بقوة على السودان، وعمل على اجتثاث جميع الحركات المناهضة لوجوده على سدة الحكم، حيث أعدم 28 ضابطا عام 1990 بعد محاولة انقلاب نفذها اللواءان عبد القادر الكدرو ومحمد عثمان، كما أنه سجن العقيد أحمد خالد بعد محاولة انقلاب فاشلة عام 1992، نسبت حينها إلى "حزب البعث".

وفرض البشير سيطرته على السودان، حتى عام 2019 بعد أن أطاح مجلس عسكري بنظام البشير الذي حكم البلاد 30 عاما، بعد أشهر من انتفاضة شعبية تزعمتها نقابة المهنيين السودانيين وطلاب الجامعات بمساندة من قوى إعلان الحرية والتغيير.

وفي عام 2021 أعلن الجيش السوداني إحباط عدة محاولات انقلابية، واعتقل خلالها عشرات الضباط، الذين اتهمهم بالارتباط بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ومن بينهم رئيس أركان الجيش حينها، هاشم عبد المطلب أحمد، بوصفه قائد ومخطط محاولة الانقلاب.

وفي 25 تشرين الأول/أكتوبر عام 2021، قاد رئيس مجلس السيادة في السودان الفريق عبد الفتاح البرهان انقلابا عسكريا، أعلن فيه عن إجراءات استثنائية، حل بموجبها مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وجرى خلالها إعلان حالة الطوارئ واعتقال مسؤولين وسياسيين وإقالة ولاة (محافظين).

ومنذ ذلك اليوم، يشهد السودان احتجاجات شعبية تطالب بعودة الحكم المدني وترفض الإجراءات الاستثنائية التي يعتبرها معارضو البرهان "انقلابا عسكريا".

 

هل تعلم...

أن أفضل ارض صالحة للزراعة على وجه الارض هي أرض السودان لكن لسوء الحظ تتم زراعة 2% فقط من مساحتها والتي تبلغ 175 مليون فدان (71 مليون هكتار تقريباً) نسبة لقلة الإمكانيات المالية وايضا للخطة الدولية المعتمدة لضرب اقتصادها وعدم السماح لاستخدام خيراتها.

حسب منظمه (FAW) العالمية: فإن زراعة موسم واحد في السودان من القمح والخضروات والفواكه والأعلاف بكل المساحة يكفي لإطعام 800 مليون نسمة لمدة سنة.

ربنا إحفظ السودان وشعبه الشقيق. منقول

 

الحرب العبثية في اليمن

انتهت الحرب العبثية التي دامت ثماني سنوات كاملة والتي فرضت على الشعب اليمني وأتت على الأخضر واليابس هذه الحرب الطاحنة أزهقت أرواح مئات الآلاف من البشر وخلفت أعداد مماثلة من الجرحى والمفقودين وملايين اللاجئين والمشردين ودمرت بنى تحتية من مستشفيات ومدارس وجامعات وجسور وطرق وحضارة عمرانية عمرها آلاف السنين واودت بحياة رئيسه "علي عبد الله صالح" الذي كانت جريمته التوحيد بين اليمن الشمالي والجنوبي في دولة واحدة.

هذه الحرب التي دارت على أرض اليمن بين طرفين بالوكالة جماعة الحوثي بالوكالة عن إيران والسعودية والإمارات بالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية.

فإيران كانت تنفي علاقتها بالحرب لكن اتضح في الاخير ومن خلال المفاوضات وتوقيع اتفاقية السلام أنها عنصر فاعل وأساسي في هذه الحرب التي دفع ثمنها شعب عربي اعزل يتطلع إلى حياة تحفظ كرامته انتهت باتفاقية تبادل السفراء على طاولة شاي بين أطراف جعلت أرض اليمن مسرحا لأجندات لا علاقة لها باليمن ولا مصلحته

إن ما حدث يستوجب على امريكا والسعودية والإمارات وإيران تعويض اليمن عن كل الخسائر البشرية والمادية والاعتراف بجريمتهم في حقه.

والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا لم تكن الحرب مباشرة بين السعودية وإيران وتستخدم فيها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والمقنبلة وغيرها من الأسلحة الفتاكة؟

الجواب إن أمريكا لا تقبل أن تضرب السعودية وتصاب "شركة أرامكو للبترول" شريان حياة الغرب عموما وايضا لا تقبل أن تضرب إيران أو تخسر لأنها تنفذ مشروعا أمريكيا صهيونيا في داخل جغرافية الوطن العربي كلبنان والعراق وسوريا واليمن فأينما حلت إيران حل الخراب والدمار والفتن وهذه النظرة عبّر عنها وزير خارجية أمريكا لوزير خارجية العراق "طارق عزيز" -رحمه الله- عام 1991 حين قال: سوف نرجعكم إلى العصر الحجري.

إن هذه الحرب العبثية المدمرة وهذا الاتفاق بين فاعليها سيفرز يمنين شمالي وجنوبي مثقلان بالفقر والتخلف يعيدانه إلى الوراء خمسين سنة وهذا هو هدف امريكا وإيران وعملائهما والمتمثل في إعادة أقطار الوطن العربي الى العصر الحجري واحدا تلو الآخر.

 

ديبلوماسية خارطة الطريق: روسيا والصين

في تصريحات لافتة لوزير الخارجية الروسي بأن مساعي التخلي عن الدولار لا يمكن إيقافها والتحول نحو العملات المحلية في التسويات المالية بين الدول بدلا من الدولار الأمريكي أصبح نهجا معتمدا كما اشار إلى دولرة الاقتصاد العالمي تفيد أطرافا دولية دون أخرى.

واوضح بأن الأمريكيين هم أنفسهم من بدأوا عملية إزالة الدولرة.. فإذا اخذنا هذه التصريحات واضفنا لها تحذيرات الوزير الروسي من تصاعد النزعة العسكرية داخل الإتحاد الأوروبي حيث قال بانها تصاعدت بمعدل قياسي وأكثر عدوانية بالإضافة إلى هدفهم احتواء روسيا وأشار إلى الشراكة الإستراتيجية بين الناتو والإتحاد الأوروبي وهذا التوثيق في حد ذاته لا ينص على أن الناتو سيضمن أمن الإتحاد الاوروبي،

نلاحظ ان هذه التصريحات لا تدخل في الحرب النفسية بل هي خارطة طريق روسية تؤكد حتمية تغيير النسق الدولي تحت المجهر الروسي، هذا من جهة،

ومن جهة اخرى الحراك الصيني على الساحة الدولية وفي اكثر من مناسبة وتبنيها ديبلوماسية السلام كان آخرها محادثة الرئيس الصيني مع "زيلينسكي" وقيامه بدور وسيط السلام بين روسيا وأوكرانيا أعربت الصين عن استعدادها لإرسال ممثل عن الحكومة الصينية مسؤول عن الشؤون الأوروبية الاسيوية إلى اوكرانيا ودول اخرى لإجراء محادثات مع جميع الأطراف من اجل تسوية سياسية للازمة الأوكرانية وجاء على لسان مسؤول بوزارة الخارجية الصينية ان هذا الاتصال ينم عن موقف الصين الموضوعي والمحايد وإحساسها بصفتها دولة كبيرة وهنا يجب أن نضع أكثر من خط تحت دولة كبيرة..

فالصين تعلم جيدا ان السلطات الأوكرانية وداعميها الغربيين هم من قوضوا مبادرات السلام، فكل هذه المتغيرات تحت المجهر الصيني كذلك، وهي بوادر ومؤشرات تبين مدى التحكم الروسي والصيني في زمام المبادرة والذي يقود حتما إلى بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب لا تكون الولايات المتحدة اللاعب الرئيسي فيه وسوف ينزع منها القرار الدولي وكل ما تستطيع فعله هو اللحاق بالركب للمحافظة على مصالحها.

 

البعث بين حاضره ومستقبله

إذا عرفنا أن البعث حركة تاريخية أو موقف تاريخي، كما قلنا أو حركة ذات رسالة انسانية، فهذا يعني أن البعث لم ينشأ عرضا، ولم يأت كافيا على نهر ألقت به المصادفة، بل هو امتداد اصيل وجوهري للماضي، وفهم واضح وعميق للحاضر، ونظرة فيها قدر كاف من الوضوح والثقة بالمستقبل.. هذا الكلام ليس نظريا مجردا فعمر حركة البعث تجاوز السبعين عاما وهو ربع عمر الولايات المتحدة الأمريكية التي تهيمن اليوم على العالم وتفرض طيشها عليه.

وعلى كل ما واجهه البعث وواجهته الأمة من نكسات وصل بعض منها إلى حد يقرب من القتل والإجهاز كليا عليها، فإن البعث لا يزال يقاوم، بل يحقق الانتصارات _ رغم الاختراق وخيانة أشباه قادته_ وان حاضره يؤكد أمرين أساسيين:

الاول: صحة فكرته وقدرتها على تجاوز كل المعضلات والتغلب على مفاجآت المستجدات.

و الثاني: أنه قادر على أن ينجب من بين صفوفه مناضلين يستجيبون للتحديات التي تواجهها الأمة.و برغم كل الصورة المعتمة التي يحاول أن يفرضها الاعداء، فإن تمسكنا بمبادئنا و منهجنا، و حرصنا على أن نرى البعث في أفقه التاريخي الصحيح حركة اكبر من الحاضر، و لو انها تعيش فيه، و اقدر على تجاوز الصعاب، و لو انها تعانيها، و اقدر على استلهام الماضي و لو انها لا تستسلم له، أن ذلك كله يضع في متناولنا الخطوة الصحيحة على طريق النضال و يفتح أمامنا آفاق المستقبل بصورة تتيح لنا تحقيق أهدافنا و لو انها بالمقابل تحملنا أعباء تحقيق هذه الأهداف...

(من أدبيات البعث وبالتصرف)

لا ديمقراطية بدون البعث

شبكة البصرة

السبت 16 شوال 1444 / 6 آيار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط