بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تجزئة المجزّأ.. الصراع على المغانم قد يقسم الإقليم الكردي

شبكة البصرة

يعود الخلاف الكردي - الكردي في العراق إلى بدايات تأسيس الإتحاد الوطني الكردستاني، ألذي انشق عن الحزب الديمقراطي الكردستاني على يد “جلال طالباني” عام 1975، خاض الطرفان بعدها حروباً دامية، أما الخلاف مع الحكومات العراقية، فيعود إلى عهد الإنتداب البريطاني، حيث تمردت جماعات كردية في الجبال النائية شمال العراق. وقضى مؤسس الحزب الديموقراطي الكردستاني الملا “مصطفى البارزاني” فترة طويلة خارج العراق، ثم عاد بعد سقوط الحكم الملكي وقيام الجمهورية في 14 تموز 1958 وصدور العفو عنه، وفي أعقاب مرحلة صلح قصيرة قاد بارزاني تمرداً جديداً ضد حكومة رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم والحكومات التي أعقبته، حتى الاحتلال عام 2003.

ومنذ بداية التمرد استثمر العديد من الجهات الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي في القضية الكردية، حيث تبادلت كل من إيران الشاه ولاحقاً إيران الخميني، وأمريكا والاتحاد السوفيتي السابق و”إسرائيل” وجهات اخرى احتضان الزعامات الكردية، وقدمت لها أشكالاً من الدعم بما فيه الدعم العسكري واللوجستي وفقاً لمقتضيات مصالحها، أما العراقيون بعربهم وكردهم، فلم يجن أحد منهم من التمرد غير الخراب والدمار، طوال قرن من الزمان.

الآن وقد اُقر النظام الفيدرالي بعد الإحتلال كأساس لشكل الدولة العراقية، وحصلت سلطات الإقليم على صلاحيات واسعة تتجاوز أحياناً السلطة المركزية، برزت خلافات جديدة بين الحزبين الرئيسين أعداء الأمس وحلفاء اليوم، وبينها وبين أحزاب اُخرى نشأت في ظل النظام الجديد، وبينها وبين الحكومة المركزية في بغداد. وتُرجع طائفة من المحللين أغلب هذه الخلافات إلى الوفرة المالية، حيث تركز الصراع حول اقتسام الغنائم المتحققة في ظل النظام الجديد، بين عائلتي بارزاني وطالباني، اللتين تتوارثان زعامة الحزبين وما تدره عليهما من مكاسب وأموال.

 

تصفيات جسدية

وعندما يبدأ الحديث عن المليارات، يتوقف الحديث عن مصالح الناس وعن الأهداف التي تحدث عنها السياسيون في حملاتهم الانتخابية، لضمان بقائهم على رأس سلطة الإقليم.

وفي مقال نشره مركز دراسات الشرق الأوسط “أورسام”، تطرق الكاتب التركي “بيلجاي دومان” إلى الصراعات التي تعصف بقيادة الاتحاد، وكذلك بين عناصر وقيادات الحزبين، والتي بلغت حد التصفيات الجسدية.

ومن بين عمليات التصفية، برزت في الشهور الأخيرة قضية اغتيال “هاوكار الجاف”، أحد الاعضاء السابقين في الاتحاد الوطني، بعد انشقاقه عن مؤسسة مكافحة الإرهاب في السليمانية وهروبه إلى أربيل. وأفضى تحقيق أجراه الحزب الديمقراطي الحاكم، إلى أن مقرباً من “بافل طالباني” يدعى “وهاب حلبجي”، وضع في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2022 عبوة لاصقة في سيارة الجاف، مما أدى لمصرعه وأصابة أربعة من أفراد أسرته. وأضاف الكاتب إن حادثة الاغتيال أدت لارتفاع حدة التوتر بين الحزبين لأعلى مستوياتها، وقد تكون من بين أسباب تقسيمه إلى إدارتين، واحدة في أربيل يقودها الحزب الديمقراطي، والثانية في السليمانية يرأسها الاتحاد الوطني الكردستاني.

وبحسب الكاتب، فقد انعكست خلافات الحزبين على بنية الحكومة المركزية في بغداد، ففي حين أبدى الاتحاد الوطني تقاربه مع قوى الإطار التنسيقي في مرحلة الإعداد لتشكيل الحكومة الحالية، كان الحزب الديمقراطي يجري محادثات مع كل من ائتلاف السيادة و”مقتدى الصدر”، ألذي فشل بتشكيل الحكومة.

من ناحية اُخرى فإن الخلاف يتجدد باستمرار بين الحزبين في كل دورة انتخابية، حول تحديد مرشح الأحزاب الكردية لمنصب رئيس الجمهورية بحسب الكاتب، ألذي أكد أنه وبسبب وجود محاور متعددة للصدام، فإنه ليس من الخطأ القول إنّ الإتحاد الوطني الكردستاني يحاول خلق بديل للحزب الديمقراطي، وإضعاف وزنه في حكومة إقليم كردستان.

 

الديمقراطي وتهريب النفط

ورغم الضجة الكبيرة التي تثيرها حكومة بغداد حول قرارات المحكمة الاتحادية لكبح مخالفات الإقليم، إلا أن الأحزاب الكردية المعارضة لم تجد تفسيراً لصمت بغداد أمام مخالفات كبرى يجري ارتكابها في الإقليم في وضح النهار.

وطالب عضو حراك الجيل الجديد “ريبوار محمد” حكومة بغداد، بفتح تحقيق بشأن قيام عناصر من الحزب الديمقراطي بتهريب شاحنات النفط. وقال محمد إن هذه القضية تعتبر تحدياً لحكومتي بغداد وأربيل في آن واحد، مما يوجب التصدي لها.

ولم تكن مشكلة تهريب النفط والمشتقات النفطية من وإلى الإقليم وما تحققه من عائدات على حساب الإقتصاد الوطني غائبة عن مجريات الصراع في الإقليم. وفضلاً عن اعتراف مسؤولين إيرانيين بتهريب مشتقات نفطية من الاقليم اليها، ترددت في الأوساط المحلية ولدى أطراف كردية معارضة أخبار عن وصول شحنات من النفط إلى “إسرائيل” مصدرها الإقليم، الأمر الذي نفته حكومة بارزاني، ولم تعلق عليه حكومة بغداد.

ولا يفوّت أي من الطرفين الكرديين حادثاً، الا واتهم شريكه بالمسؤولية عنه، أو بالتقصير في علاجه، فبعد الانفجار الذي حدث بالقرب من مطار السليمانية الشهر الماضي، وصف “بافل طالباني” حكومة أرببيل بأنها استبدادية، موجهاً انتقادات للحزب الديمقراطي، باعتبار أن الحادث انتهاك لحكومتي الإقليم والعراق، وقد تم “بتوجيه من جهاز أمن المخابرات الداخلية” حسب تعبيره.

 

ضعف المركز وثغرات الدستور

وتحدثت مصادر صحفية عن محورين رئيسين من محاور الأزمة، تمثل الأول بضعف المركز تجاه الإقليم، حيث اتضح ذلك في صور عديدة، لعل أبرزها عندما دعا الحزب الحاكم في أربيل لإجراء الاستفتاء على انفصال الاقليم عام 2017 بعد سنوات من تجاهل الإقليم للمركز، وفرض سياساته على العديد من المناطق شمال العراق، مثل سهل نينوى ومحافظة كركوك ومناطق اخرى. واعتبر تقرير صحفي أن وصول “عادل عبد المهدي” إلى سدة الحكم كان اشبه بالمكافأة لحزب بارزاني على محاولاته الإنفصالية، حيث تجاوزت حصة إلإقليم من الموازنة 26% دون تحديد هذه النسبة جهراً، إذ استحوذت ثلاث محافظات على أكثر من ربع الموازنة العراقية، في حين لا يحصل مصدر هذه الثروات (محافظة البصرة)، على ماء يصلح للشرب.

أما المحور الثاني فيتمثل بالثغرات الكبيرة التي انطوى عليها دستور 2005، خاصة المتعلقة منها بالقضية الكردية. فبالإضافة لتصنيفه من قبل العديد من مراكز البحوث كدستور لم ينجح إلا بترسيخ الإنقسام المذهبي والعرقي ووضعه العراقيل أمام قيام دولة المواطنة، فإن المادة 140 الخاصة بمحافظة كركوك وما اصطلح على تسميته ب(المناطق المتنازع عليها)، جعلت من الدستور عاملاً مشجعاً لمزيد من الإنقسامات.

ومثلما تنبأ دومان في مقاله بموقع “أورسام”، بانقسام الإقليم لإقليمين، فإن هناك سياسيين في محافظات اُخرى يتربصون الدوائر لطرح مشاريعهم التقسيمية، مستفيدين من الضعفين، ضعف حكومات المركز وبقائها رهينة الإملاءات الخارجية، وضعف الدستور الذي فتح باب الأقاليم، والذي قد لا يمكن إغلاقه قبل حصول المزيد من الانقسامات، سواء داخل الإقليم الكردي، أو في محافظات اُخرى.

وكالة يقين

شبكة البصرة

السبت 16 شوال 1444 / 6 آيار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط