بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ايران الرابح الأكبر

شبكة البصرة

السيد زهره

في عالم السياسة، هناك كثير من الأمور والتطورات التي تبدو غريبة وغير مفهومة لأول وهلة.

من هذه الأمور والتطورات ما يتعلق بإيران في الوقت الحاضر. من الغريب ان ايران تبدو حاليا هي الرابح الأكبر من التطورات العالمية والإقليمية. هذا أمر يبدو غريبا وغير مفهوم.

على الصعيد العالمي، نعلم انه طوال الفترة الماضية تنشغل امريكا والدول الغربية عموما بحرب أوكرانيا وتعطي للتطورات المرتبطة بها وبصراعها مع روسيا الأولوية المطلقة. وبالتالي تراجع الاهتمام الغربي بقضايا وتطورات عالمية كثيرة في مقدمتها موضوع ايران وسعيها لامتلاك السلاح النووي وسياساتها الإقليمية.

في نفس الوقت، أمريكا بدأت تدخل في أجواء الانتخابات الرئاسية العام القادم، وبالتالي تراجع الاهتمام بشكل عام بالقضايا الخارجية ومن الآن فصاعدا سيكون التركيز الأساسي منصبا على معركة الانتخابات بكل ما يرتبط بها.

هذه التطورات صبت في مصلحة ايران.

استغلت ايران هذه التطورات وقامت بتسريع برنامجها النووي. وكل التقارير الدولية تؤكد اليوم ان ايران اصبح لديها مخزون من اليورانيوم المخصب يكفي لصنع القنبلة النووية وان الأمر متوقف فقط على قرار سياسي تتخذه. أي ان ايران أصبحت قاب قوسين او أدنى من امتلاك السلاح النووي.

يحدث هذا وامريكا والدول الغربية في غمرة انشغالها نسيت تقريبا موضوع المحادثات النووية مع ايران وتخلت عن أي محاولة جادة لردعها في هذا المجال. كما نسيت موضوع سياسات ايران الإقليمية وما تقوم به من زعزعة لأمن واستقرار دول المنطقة.

أما على الصعيد الإقليمي فنحن نشهد في الفترة الماضية محاولات عربية لإعادة تأهيل ايران وتقديمها في صورة غير التي عرفناها وعرفها العالم طوال العقود الماضية، وكما لو ان تغيرا هائلا قد طرأ فجأة على مواقف وسياسات وممارسات النظام الإيراني في المنطقة العربية.

اصبحنا نسمع احاديث كثيرة عن فتح صفحة جديدة مع ايران وحتى عن أوجه تعاون مشترك.. وهكذا. كما لو ان كل الحديث عن خطر ايران على دول المنطقة طوال السنوات الماضية كان مجرد وهم أو خيال.

حتى على الصعيد السياسي والإعلامي العربي العام، تراجع الاهتمام بما تفعله ايران في المنطقة والحديث عن الخطر الإيراني الذي شغلنا في السنوات الطويلة الماضية.

على هذا النحو اذن تبدو ايران هي الرابح الأكبر من التطورات العالمية والإقليمية.

الأمر الغريب في هذا وفي ان تخرج ايران رابحة على هذا النحو هو ان هذا يحدث من دون ان تقدم أي شيء على الاطلاق.. من دون ان تغير شيئا لا في مواقفها واستراتيجياتها ولا في سياساتها وممارساتها العملية على أرض الواقع.

على الصعيد النووي مضت قدما في برنامجها كما تخطط هي له.

وعلى الصعيد الإقليمي لم يتغير شيء لا في تدخلات ايران، ولا في الدور التخريبي الذي تلعبه المليشيات والقوى العميلة لها في الدول العربية. وحتى على مستوى التصريحات الرسمية الإيرانية، لم نسمع مسئولا إيرانيا واحدا يتحدث عن أي تغيير او أي تخلي عن استراتيجيتها او إعادة نظر في الدور التخريبي الذي تلعبه.

بالمناسبة لا أحد يمكن ان يعترض من حيث المبدأ على ان تفتح الدول العربية صفحة جديدة مع ايران. لكن هذا يجب أن يتم على أسس سليمة وبمبررات مقبولة حفظا للمصالح العربية.

اما ما يحدث حاليا فمعناه ان ايران فرضت نفسها على العالم والمنطقة كما هي ومن دون الإقدام على أي تغيير.

واذا مضت التطورات عل هذا النحو، ففي المحصلة النهائية سيكون على المنطقة والعالم ان تقبل ايران كقوة نووية تمارس دورها الإقليمي المعهود دون تغيير.

كيف ولماذا وصلنا الى هذا الحال؟.. هذا حديث يطول سنعود اليه.

شبكة البصرة

الثلاثاء 26 شوال 1444 / 16 آيار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط