بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حكم الاقلية العلوية في سوريا تحت مطرقة الضغط الشعبي وسندان اللاشرعية الدولية

وهل من تأثير لتوافق الدول العربية على إضفاء الشرعية على حكم تلك الأقلية؟

شبكة البصرة

عبد الرزاق الزرزور

تعددت التعريفات التي تناولت مفهوم الشرعية (legitimacy)، الذي يعد أحد أهم المفاهيم الأساسية في علم السياسة، والذي يشير إلى الرضا والقبول العام للنظام السياسي كونه موافقة الشعب للخضوع وتقديم الطاعة لسلطة معينة تقوم بممارسة مهامها في إطار هذه الطاعة والرضا.

ومن هذا المنطلق يتضح أن القبول والطاعة هما أساس الشرعية، وتُعد السلطة استبدادية في حالة عدم وجود رضا شعبي بدرجة مقبولة، ولذلك فإن أي نظام سياسي بحاجة إلى قبول شعبي ورضا جماهيري من الطبقات الاجتماعية كافة مع التركيز على الطبقات الأكثر فاعلية وتأثيراً.

تنبع أهمية الشرعية من كونها القوة التي يستند عليها النظام في مقابلة خصومه من المعارضة إذ دائما ما تحاول المعارضة نفي الشرعية عن النظام أو حتى تنتقص منها كذريعة لرفض سيطرة النظام ومحاولة التشكيك في شرعيته تمهيداً لإسقاطه، وتعد كلّ من المظاهرات والاعتصامات ودعوات الانفصال أو التحرر ومطالبات التقسيم الفيدرالي أو الكونفدرالي مظهراً من مظاهر فقدان شرعية النظام الحاكم، وعلى النقيض من ذلك يعد الاستقرار السياسي والاقتصادي دليلا على تمتع النظام الحاكم بالشرعية ووجود قبول ورضا شعبي بأداء السلطة.

ومن المعلوم بالضرورة أن سلطة الدولة سواء الغاشمة منها والناعمة في سورية قد تبددت مع انطلاقة الشرارة الأولى للمظاهرات الشعبية المليونية التي غطت جميع القرى والبلدات والمحافظات السورية رفضاً لبقاء الطغمة المتسلطة على الحكم بغية تغييره والانتقال إلى النظام الديموقراطي.

ومع استخدام المنظومة الأمنية لقمع المظاهرات والقوة الغاشمة وإنزال الجيش للشوارع فقد النظام سيطرته عن ثلاثة أرباع الجغرافيا السورية وبات رأس النظام حبيس قصره.

ومع دعوات النظام للقوى الخارجية لنجدته وحماية سلطته من السقوط والتدخل الفعلي لتلك القوى أصبح مفهوم السيادة الوطنية في مهب الريح.

كل تلك الوقائع تثبت أن حكم الأقلية العلوية في سوريا فقد شرعيته القانونية والشعبية داخل الدولة، وهذا يستدعي بالضرورة إسقاط حقه بتمثيل الشعب في المحافل الإقليمية والدولية.

وباستعراضٍ سريعٍ لتاريخ الجامعة العربية ومقرراتها خلال مسيرتها يجد المراقب أنها لم ترق لمستوى طموحات وأحلام المواطن العربي سواء بقضاياه الوطنية أو قضيته المركزية والقومية، مما يلقي على تلك المنظمة ظلالاً كثيفة من الشك والريبة إلى الحد الذي يفقدها شرعيتها هي الأخرى بنظر الشارع العربي، وبالتالي لا قيمة فعلية ولا شرعية قانونية لقرار عودة سورية لشغل مقعدها في الجامعة العربية لعدة أسباب منها:

1- الرفض الشعبي المتواصل لقبول سلطة الحكم القائمة.

2- عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وشلل مرافق ومؤسسات السلطة في ظل انهيار المنظومة الاقتصادية للدولة وغياب الموارد وسقوط العملة المحلية في نفق التعويم.

3- عدم قدرة الدولة على فرض سلطتها على 90% من الأراضي السورية لصالح القوى الخارجية (روسيا، إيران، تركيا، أمريكا...) والميليشيات التابعة لها.

4- غياب الدولة كلياً عن مساحات واسعة اقتطعت بالقوة من أذرعتها العسكرية سواء لصالح المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا أو الميليشيات الكردية المدعومة أمريكياً.

وهنا نتحدث عن بروتوكول شكلي فرضته الوقائع الجيوسياسية في المنطقة أكثر مما هو عودة فعلية لسوريا كعضو فاعل في الجامعة العربية لأن فاقد الشيئ لا يعطيه فلا الجامعة العربية قادرة على منح الحكم العلوي التفويض الشعبي لاستمرار منظومته القمعية، ولا النظام بمقدوره منح الدول العربية امتيازات وطنية أو دعماً لقضايا الحدود العالقة والأزمات الأخرى الناجمة عن نهجه أو للقضايا القومية.

وعليه كانت البداية باستدراج العرب إلى فخ التطبيع مع ملالي إيران ثم إعادة تمكين الأقلية العلوية على سدة السلطة لتحكم أغلبيةٍ وتبطش بها، وتُعيد الكَرة إبداعاً في خلق وتصعيد الأزمات بالمنطقة، ومن هنا فإن إخراج العرب لنظام الملالي من غرفة الإنعاش وجحيم، وإخراج النظام العلوي من إنزوائه وكهفه المظلم لا يعني إستقامة الأمر لكلا النظامين الدكتاتوريين وغير الشرعيين في إيران وسوريا فلا زالت ثورة الشعب الإيراني قائمة ولا زال الشعب على أهدافه التي ضحى من أجلها ولا زالت ثورته قائمة وكلا النظامين في حالة تآكل وتلاشٍ وكلاهما آيل للسقوط التلقائي في أي لحظة شاء من شاء وأبى من أبى، ولابد للشعوب أن تنتصر في نهاية المطاف.

أما الحقيقة الأكثر رعبا التي يجب على العرب أن يدركونها والإستيقاظ لها واتخاذ خطوات استباقية للحيلولة دون حدوثها هي أنه مع بقاء نظام الملالي في طهران وسيبقى النظام في سوريا وعندها قد لا تبقى سوريا دولة موحدة ذات سيادة وقد لا تبقى إيران دولة موحدة ذات سيادة أيضاً مع هذا الدعم العربي والدولي لنظام الملالي العنصري القمعي الدموي، وهنا ستتفاقم الأزمة وعندها لن يكون في مقدور أحدٍ تقديم أي حلها لها، وستستمر محنة العرب بما صنعوا إلى مالانهاية.. وما لم يتم إسقاط وإزالة نظام الملالي في طهران وقيام سلطة شعبية ديمقراطية يعقبها زوال تلقائي للسلطة المفروضة على الشعب السوري فإن التفتيت والتشظي قادم لا محالة.

محلل سياسي ومحامي وحقوقي

شبكة البصرة

الثلاثاء 26 شوال 1444 / 16 آيار 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط