Untitled Document

شبكة البصرة منبر العراق الحر الثائر
print
لماذا فشلت واشنطن في تأليب حلفائها بالشرق الأوسط والخليج على بوتين؟


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لماذا فشلت واشنطن في تأليب حلفائها بالشرق الأوسط والخليج على بوتين؟

شبكة البصرة

آدم جابر

منذ بدءِ الغزو الروسي لأوكرانيا، حشدت الولايات المتحدة حلفاءها ضد موسكو من أجل خنقها اقتصادياً وعزلها دولياً، لكنها فشلت في جرّ حلفاء رئيسيين لها في الشرق الأوسط: إسرائيل والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى الجبهة المناهضة لروسيا التي شكلتها مع الاتحاد الأوروبي. فقد رفضت الدول الثلاث اتخاذ أي عقوبات ضد موسكو، أو إجراءات تنعكس سلباً على اقتصادها، لاسيما فيما يتعلق بزيادة الدول النفطية في مقدمتها السعودية، لإنتاجها منه، الأمر الذي أدى إلى تأجيج التوترات بين واشنطن ومعسكر الرياض.

فبعد أن سعى جو بايدن أولاً إلى التعامل مع السعودية كطرف “منبوذ” اهتدى الرئيس الأمريكي إلى أن هذا التوجه لا يمكن أن يؤتي لعدة اعتبارات منها أن القيادة السعودية لم تنس تصريحاته تجاه المملكة خلال حملته الانتخابية الرئاسية على خلفية اغتيال الصحافي السعودي خاشقحي في قنصلية السعودية بإسطنبول في تشرين الأول/اكتوبر عام 2018. ومن أهم الأسباب الأخرى التي دفعت الرئيس الأمريكي إلى مراجعة سياسة بلاده تجاه السعودية فشل الضغوط الأمريكية في إقناع البلدان النفطية الخليجية بضرورة رفع الإنتاج للحيلولة دون ارتفاع أسعار الذهب الأسود في البلدان الغربية لاسيما بعد العقوبات التي فُرضت على روسيا بعد غزوها أوكرانيا. وكان بايدن وقادة دول غربية يحرصون على ألاّ تستفيد موسكو من ارتفاع أسعار المحروقات حتى تموّل بعائدات النفط والغاز الروسيين لمدة طويلة الحرب التي تشنها على أوكرانيا منذ شباط/فبراير الماضي.

من هنا جاءت زيارة بايدن إلى الرياض في تموز/يوليو الماضي. لكن السعودية رفضت زيادة إنتاجها النفطي، ما فتح عليها باب الانتقادات المتزايدة من الولايات المتحدة، لاسيما في أعقاب قرار الدول الأعضاء في أوبكالاحد 5/2/2023 خفض حصص إنتاجها النفطي بشكل كبير، ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة. وهو ما شكل ضربة دبلوماسية لواشنطن، وربما نعمة لموسكو التي هي بحاجة ماسة إلى أسعار نفط مستدامة لتمويل الحرب في أوكرانيا.

أثار قرار كارتل النفط هذا حفيظة الرئيس الأمريكي بايدن، الذي هدد بأنه “ستكون هناك عواقب له”. كما سببت موجة من السخط بين أعضاء الكونغرس، ولاسيما بين نواب الحزب الديمقراطي. فقد هدد، مثلاً، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ بوب مينينديز بوقف أي مبيعات أسلحة مستقبلية للسعودية. لكن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان شدد على أن تراجع الإنتاج النفطي يمثل “مقاربة اقتصادية بحتة للدول الأعضاء في أوبك الاحد 5/2/2023 بالإجماع، بهدف الحفاظ على سوق نفط مستدام” واعتبر أن ممثلي دول هذا التجمع “تصرفوا بمسؤولية واتخذوا القرار المناسب”.

هذه الأزمة بين واشنطن والمعسكر السعودي على خلفية غزو أوكرانيا، بدأت خلال تصويت مجلس الأمن الدولي يوم الخامس والعشرين شُباط/فبراير العام الماضي، على مشروع قرار أمريكي-ألباني بخصوص أوكرانيا، يدين روسيا على خلفية حربها ضد هذا البلد. فقد قاومت الإمارات العربية المتحدة بدايةً ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية بالامتناع عن التّصويت، قبل أن يَنتهي المطاف بها بالالتزام بالقرار في الثاني آذار/مارس 2022 لكنّها حرصت على تجنب إدانة روسيا بالاسم.

في غضون ذلك، كشفت تقارير إعلامية عن رفض القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لاقتراح التحدث إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن زيادة إنتاج النفط، لتعويض الزيادات العالمية في أسعار النفط الخام التي تصب في مصلحة موسكو. علاوة على ذلك، أعلن وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، في منتصف آذار/مارس الماضي، خلال زيارته موسكو، أن بلاده تريد التعاون مع روسيا لتحسين أمن الطاقة العالمي. أما السعودية فهي تنوي الحفاظ على علاقتها مع موسكو وبكين، ويقال إنها بدأت بالفعل محادثات مع الصين للتخلي عن الدولار الأمريكي لصالح اليوان في المعاملات النفطية.

وبالرغم من أن العديد من المراقبين يرون أن من الصعب جدا أن تقدم السعودية على استبدال الدولار بالعملة الصينية في المعاملات النفطية، فإن بعضهم يرى أن الترويج لمثل هذه الأطروحة رسالة شبه مباشرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية مفادها أن الرياض غير راضية تماما عن السياسة التي تقودها إدارة بايدن تجاهها وأن متغيرات العلاقات الدولية والتوازنات الإقليمية والدولية من شأنها أن تدفع واشنطن إلى إعادة النظر في سياستها التقليدية إزاء دول الخليج العربية، لاسيما السعودية.

ومن الأسباب التي جعلت دولة الإمارات العربية تسعى إلى الوقوف موقفا وسطا بين واشنطن وموسكو أنها لم تنس هي الأخرى الحملة التي تعرضت لها في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة بعد أن لاحظت بدورها أن العلاقات الثنائية الإماراتية الأمريكية أصبحت تمر بـ “اختبار حقيقي”. وهذا ما أكده في آذار/مارس الماضي سفير أبو ظبي في واشنطن.

وقد استاء الإماراتيون كثيرا من الموقف الأمريكي تجاه الحوثيين على خلفية قصفهم لبلدهم في كانون الثاني/يناير من العام الماضي. وإذا كانت السعودية قد تعودت منذ سنوات على مثل هذه العمليات داخل الأراضي السعودية وحرصت على الرد عليها بقوة، فإن الإماراتيين فوجئوا فعلا بإقدام الحوثيين على مهاجمة بلادهم، ورأوا أن رد الفعل الأمريكي كان أقل بكثير من الحدود الدنيا المطلوبة.

وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية ترى أن تطوير علاقات الإمارات مع الصين وروسيا في السنوات الأخيرة في شتى المجالات إنما كان على حساب المصلحة الأمريكية بينما ترى القيادة الإماراتية أن من مصلحتها شأن الدول الخليجية الأخرى عدم الاكتفاء بالتعامل مع الولايات المتحدة كحليف استراتيجي لأن المصالح الأمريكية ليست دوما متطابقة مع الخليجية. ولم تكن الإمارات راضية مثلا عن الطريقة المذلة التي خرج بها الأمريكيون من أفغانستان. زد على ذلك أن تنويع الحلفاء الاستراتيجيين فيه منفعة إذا وظف بشكل جيد برغم صعوبة الأمر. وتدرك الإمارات أنها قادرة على فرض عدد من شروطها في تعاملها مع شركاء جدد مثل الصين وروسيا، وهو أمر كان شائكا وما يزال في إطار علاقات الإمارات مع الولايات المتحدة.

وقد استطاعت الإمارات مثلا في إطار تقاربها مع روسيا الاستفادة من ارتفاع أسعار المحروقات ومن أموال الأثرياء الروس. فأصبحت مدينة دبي ملاذاً ضريبيا بالنسبة إلى هذه الأموال وأصحابها منذ بدء الحرب في أوكرانيا، ما أثار استياء الغربيين الذين يتعقبون أصولهم.

في خضم الرفض السعودي لزيادة حصة الإنتاج النفطي، أعلنت المملكة عن مساعدات إنسانية بقيمة 400 مليون يورو لأوكرانيا، عقب اتصال هاتفي بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. أكثر من ذلك لعبت الرياض في أيلول/سبتمبر الماضي دور الوسيط غير المتوقع، ما أدى إلى تبادل الأسرى بين موسكو وكييف.

وتسعى واشنطن اليوم جاهدة إلى الضغط باتجاه دول الخليج العربية لحملها على الانضواء معها ومع البلدان الغربية ولاسيما بلدان الاتحاد الأوروبي للتصدي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا. ومن أوراق الضغط التي تستخدمها أن الحرب على أوكرانيا ستنتهي يوما ما وأن بوتين غير قادر على كسبها على المدى المتوسط وحتى البعيد بعد أن فشل في فرض نفوذ القوات الروسية على كل المواقع التي اجتاحتها في الشرق الأوكراني. كما ترى واشنطن أن الحرب الروسية على أوكرانيا وتراجع صادرات الغاز الروسي إلى دول الاتحاد الأوروبي جعل هذه الدول تضطر إلى الاستثمار في مصادر الطاقة الجديدة وحتى في العودة إلى الفحم الحجري أحيانا من قبل بعض الدول وهو حال ألمانيا مثلا بالإضافة إلى تعود المستهلكين الغربيين على ترشيد استهلاك المحروقات والكهرباء تشكل عوامل من شأنها المساهمة في تراجع أسعار النفط والغاز.

ومع ذلك ترى دول الخليج أنه ليس من مصلحتها الاستفادة اليوم من ارتفاع أسعار الطاقة لتطوير اقتصاداتها وتنويعها والإعداد لمرحلة العبور من مرحلة الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى مرحلة الاقتصاد الأخضر. كما ترى أن التغيرات السياسية والجيوستراتيجية تحتّم عليها تنويع شركائها، ولاسيما روسيا والصين، التي أصبحت تفرض نفسها شيئا فشيئا في العالم لا باعتبارها قاطرة اقتصادية عالمية بل لأنها أيضا قوة عسكرية وتكنولوجية وفضائية.

 

إسرائيل والهاجس الإيراني

وكانت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وما تزال غير مرتاحة لموقف إسرائيل تجاه الحرب الروسية في أوكرانيا لأنها لم تقف في صف المتصدين لفلاديمير بوتين. وبقدر ما أصبحت الخلافات الأمريكية الصينية هاجسا أمريكيا يكاد يطغى على كل الهواجس الأخرى، أصبح الهاجس الإيراني يطغى على كل شيء لدى الساسة الإسرائيليين. فعلاقة إسرائيل بروسيا على ما يرام على غرار علاقات موسكو مع كل دول منطقتي الشرق الأوسط والخليج. وتدرك إسرائيل اليوم بعد عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة أنه لا خوف عليها من دول الاتحاد الأوروبي لأن هذه الدول ظلت دوما غير قادرة على اتخاذ إجراءات رادعة ضد إسرائيل بسبب احتلال الأراضي الفلسطينية وهضبة الجولان السورية. وكانت هذه الدول وما تزال تقدم بعض المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين أو مساعدات تخص البنى التحتية الفلسطينية الهشة. ولكن إسرائيل تعودت على تدمير هذه البنى دون أن يؤدي ذلك إلى عقوبات أوروبية ضدها. كما تدرك إسرائيل أن الولايات المتحدة تظل دوما الحليف الرئيسي لها في العالم والداعم الأكبر ماليا ودبلوماسيا حتى وإن استمرت في سياسة الاحتلال والاستيطان. وتحاول اليوم توظيف توسيع دائرة تطبيع علاقاتها مع عدد من البلدان العربية المشرقية والمغربية وتوظيف علاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية والروسية لتوجيه ضربات إلى إيران. وتسعى إلى جر كل هذه الأطراف إلى مساندتها في هذا المشروع لاسيما من خلال القول إن جانبا من الطائرات المسيرة في سماء أوكرانيا إنما هي من صنع إيراني. ولكن ليس من مصلحة دول الخليج العربية ولا أوروبا ولا الولايات المتحدة فتح جبهة جديدة من البوابة الإيرانية لإرضاء إسرائيل.

القدس العربي

شبكة البصرة

الاثنين 15 رجب 1444 / 6 شباط 2023

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط

print